تبسيط إجراءات طريقة الإنعاش القلبي الرئوي

«قبلة الحياة» من فم لفم غير ضرورية إلا عند حدوث مشكلات تنفسية

TT

بينما ينحو كل شيء في العالم باتجاه التعقيد، فإن طريقة الإنعاش القلبي الرئوي (Cardiopulmonary resuscitation (CPR تنحو باتجاه التبسيط.

هل تتذكر طريقة الإنعاش القلبي الرئوي القديمة؟ لقد كان عليك أن تنظف المجاري التنفسية (بتنظيف الفم إن اقتضت الحاجة)، ثم كان عليك وضع «قبلة الحياة» لدفع أنفاسك إلى فم المريض، والضغط على الصدر، وجس النبض بين فترة وأخرى. إلا أن جمعية القلب الأميركية قد استبعدت من إرشاداتها عملية تنظيف المجاري التنفسية وكذلك جس النبض، وحبذت في إرشاداتها لعام 2008 إجراء طريقة الإنعاش القلبي الرئوي «بواسطة الأيادي فقط» في أغلب الحالات التي تحتاج إليها، مستبعدة «قبلة الحياة».

* تبسيط الطريقة

* وحتى إن كنت قد أنهيت واحدا من صفوف التدريب على طريقة الإنعاش القلبي الرئوي فإن إرشادات جمعية القلب الأميركية تذكرك بضرورة مخابرة الطوارئ والإسعاف أولا، ثم البدء بالضغط بقوة وسرعة - بمعدل 100 مرة في الدقيقة - على عظم القص لدى الشخص المصاب لحين قدوم طاقم الإسعاف. كما أن من المهم الحصول على جهاز خارجي أوتوماتيكي لصدمات القلبautomated external defibrillator (AED) قريب، إن أمكن، لمحاولة تعريض القلب إلى صدمة، بهدف إعادة إيقاع ضرباته إلى إيقاعها الطبيعي.. وهكذا وإن كان كل شيء جاهزا: عليك أن تسهل الأمور، فطريقة الإنعاش القلبي الرئوي تنفذ باستعمال يديك فقط.

إلا أن دراستين جديدتين نشرتا في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» في يوليو (تموز) الماضي تعتبر تذكيرا بضرورة عدم تبسيط الأمور. وإجمالا فإن نتائجهما تتوافق بشكل ممتاز مع نتائج التقارير السابقة، كما تؤكد على الإرشادات الخاصة بضرورة استخدام اليدين فقط أثناء حالات السكتة القلبية. إذ أظهرت الدراستان أن الأشخاص الذين يوجه الضغط إلى صدورهم فقط قبل وصول طاقم الإسعاف، ينجون على الأكثر بنفس معدل نجاة الآخرين الذين يوجه الضغط إلى صدورهم مصاحبا بقبلة الحياة.

إلا أن التدقيق في تحليلات نتائج إحدى الدراستين أظهر أن عددا قليلا، ولكنه عدد مهم، من الأشخاص استفادوا من طريقة الإنعاش القلبي الرئوي التقليدية السابقة. وشمل هذا العدد الأشخاص الذين لم تحصل لديهم سكتة قلبية، وهذا ما يعني أنهم كانوا يعانون من مشكلات تنفسية قبل أن يضطرب عمل قلوبهم، مثلما يحدث بعد تناول المخدرات، أو التعرض لأزمة الربو، أو عند إنقاذ الشخص من غرق محقق.

ولم تكن هذه النتائج غير متوقعة. فعندما قدمت جمعية القلب إرشاداتها حول استخدام اليدين فقط في طريقة الإنعاش القلبي الرئوي، فإنها أشارت أيضا إلى أن الطريقة التقليدية لها، ربما تظل مفيدة لبعض الأشخاص. فقد أشارت إلى تلك الطريقة السابقة على وجه الخصوص بالنسبة إلى الأطفال وضحايا الغرق والصدمات، والمصابين بانسداد المجاري التنفسية، والأمراض التنفسية الحادة.

* السكتة والنوبة القلبية

* السكتة القلبية cardiac arrest مصطلح لا يمكن لبعض الناس فهمه. وهو يستخدم في بعض الأحيان محل النوبة القلبية heart attack، رغم أنهما يختلفان عن بعضهما.

تحدث النوبة القلبية عادة عندما يتوقف تدفق الدم المغذي للقلب نتيجة انسداد أحد الشرايين. وتظهر الأعراض التقليدية للنوبة على شكل آلام شديدة في الصدر قد تنتقل إلى الفك وإحدى الذراعين، صعوبة التنفس، الغثيان، أو الإجهاد.

أما السكتة القلبية فهي تقع عند حدوث اضطراب في إيقاع دقات القلب. ويحدث إما إجهاد في عمل البطينين وهما الحجيرتان القويتان السفليتان في القلب (التسارع البطيني ventricular tachycardia) أو ارتجاف فيهما بشكل عشوائي (الرجفان البطيني ventricular fibrillation)، أو إنهما يتوقفان عن العمل نهائيا.

ومن دون قيام القلب بعمله في ضخ الدم، فإن الدم يتوقف عن السريان. وعندما يعاني شخص من السكتة القلبية فإنه ينهار فجأة ويفقد وعيه لأن دماغه لا يستلم ما يكفي من الدم. كما تتأثر أجهزة أخرى بسرعة في الجسم مثل الجهاز التنفسي الذي قد يتوقف عن العمل.

وأحد الجوانب المثيرة للالتباس عند التفريق بين السكتة القلبية والنوبة القلبية هي أن النوبة القلبية هي المحفز الأكثر حدوثا لوقوع السكتة القلبية. ولكن ومن جهة أخرى فإن الأشخاص الذين يملكون شرايين تاجية «نظيفة» يعانون من حدوث السكتة القلبية لجملة من الأسباب، ومنها وجود عيوب في الأجهزة التي تنظم دقات القلب.

وتحدث السكتة القلبية خارج المستشفى لدى 300 ألف أميركي سنويا. وبينما توصف السكتة القلبية بشكل دراماتيكي على أنها تحدث في الشارع غالبا، إلا أن 80 في المائة منها تقع في مواقع السكن. وأغلب المتعرضين لها أشخاص من الرجال في منتصف الستينات من أعمارهم.

* احبس أنفاسك

* هناك سببان رئيسيان أديا إلى تبسيط طريقة الإنعاش القلبي الرئوي. السبب الأول هو أنها تنفذ على أيدي الناس المجاورين للحادث. وفي واقع الحال فإن القليل من الناس يتدربون في صفوف التدريب على هذه الطريقة. ونحن نرغب في أن تكون هذه الطريقة بسيطة وغير معقدة لأن علينا أن نجاهد عواطفنا عندما يتعلق الأمر بمساعدة شخص انهار أمام أعيننا.

وقبلة الفم تجعل الكثيرين مترددين في تنفيذها، إما من جهة سوء تنفيذها من قبلهم أو من جهة ترددهم في ملامسة فم شخص آخر. وفي الوقت الراهن يحصل نحو 30 في المائة من الذين عانوا من السكتة القلبية على مساعدة من أشخاص آخرين لتنفيذ طريقة الإنعاش القلبي الرئوي، وهي نسبة جيدة رغم كل المعوقات. ومن المعقول القول إن تبسيط هذه الطريقة سيؤدي إلى ازدياد هذه النسبة وكذلك أعداد المصابين الناجين.

أما السبب الآخر فهو أن دفع الأنفاس عن طريقة «الفم للفم» (أي قبلة الحياة) لا تقدم الكثير - بل إنها قد تؤدي إلى إلحاق ضرر أكثر من توفيرها الفائدة، بينما يؤدي الضغط على الصدر ي إلى دفع الدم للسريان. ويجب أن تكون كل الضغطات سريعة بما فيه الكفاية - أي أسرع من نبضات القلب العادية - لأن هذه النبضات لا تستطيع دفع الدم كما هو حال القلب الطبيعي.

* أسباب التبسيط

* وعندما يأخذ الناس المساعدون في تنفيذ عملية دفع الأنفاس عبر الفم فإن «قبلة الحياة» هذه ستتداخل مع عملية الضغط على الصدر ولذا فإن تدفق الدم سيضطرب. ولن يمثل هذا مشكلة إلا أن غالبية المساعدين يحتاجون إلى بضع ثوان - حتى 16 ثانية في إحدى الدراسات - لتنفيذ قبلة الحياة. وإضافة إلى ذلك فإن الضغط المضاف على الصدر من عملية التنفس قد يعيق تدفق الدم العائد من الجسم إلى القلب.

ولكن ألا يعتبر إدخال الأوكسجين مهما في عملية الإنعاش هذه؟ نعم، وفق ما تقوله الدراستان المذكورتان آنفا، في حال كانت المشكلات التنفسية قد سبقت حدوث السكتة القلبية.

وقد أثبتت دراسات لمقارنة الطريقتين أجريت على الحيوان وعلى الإنسان أن هناك كمية كافية من الأوكسجين في الدم تكفي لكي يتمكن المصاب من النجاة لعدة دقائق - وهذه هي الفترة اللازمة لكي تصل فيها فرق الإسعاف أو الحصول على جهاز الصدمات القلبية.

* النجاة من السكتة

* وحتى في أفضل الأحوال فإن احتمال النجاة من السكتة القلبية عند وقوعها خارج المستشفى يكون محدودا. وفي كلتا الدراستين المذكورتين تمكن المساعدون من الحصول على تعليمات من فرق الإسعاف. وفي إحداها - التي أجريت في السويد - لم ينجح في البقاء على قيد الحياة لمدة 30 يوما لاحقة سوى 100 من أصل 1276 شخصا (أي نسبة 7.8 في المائة) الذين خضعوا لطريقة الإنعاش القلبي الرئوي سواء عن طريق تنفيذ الضغط على الصدر أو بالطريقة التقليدية السابقة. أما في الدراسة الثانية فكانت النتائج أفضل: 227 من أصل 1941 شخصا (11.7 في المائة) من الذين خضعوا لطريقة الإنعاش القلبي الرئوي نجوا حتى وقت خروجهم من المستشفى.

وتصبح النتائج أسوأ عند تأخر طاقم الإسعاف بسبب التأخر في الاتصال برقم الطوارئ. ويقول الدكتور توبي ناغورني عضو هيئة تحرير رسالة هارفارد الصحية والطبيب في قسم الطوارئ في مستشفى ماساشوستس العمومي إن عواقب عدم الاتصال برقم الطوارئ تكون كارثية.

ومن الطبيعي القول إن أحوال الشخص المصاب وعمره تلعب دورها في عوامل النجاة. فإذا انهار شخص أكبر سنا وأكثر وزنا، ويملك عوامل خطر للإصابة بأمراض القلب فإن احتمالات حدوث سكتة قلبية لديه أعلى من احتمال حدوثها لدى شخص سليم في منتصف العشرينات من عمره.

طريقة الإنعاش القلبي الرئوي المبسطة تنفذ الآن للمصابين بانهيار ناجم عن السكتة القلبية، باستعمال اليدين فقط للضغط على الصدر لتسهيل ضخ الدم، والاستغناء عن «قبلة الحياة» التي تجعل الكثيرين مترددين فيها، إما لسوء تنفيذهم لها أو لترددهم في ملامسة فم شخص آخر. ويجب أن تكون كل الضغطات سريعة بحيث تصل إلى 100 مرة في الدقيقة لمساعدة نبضات القلب الضعيفة التي لا تستطيع دفع الدم كما هو حال القلب الطبيعي.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».