الشوكولاته.. «جا يكحلها عماها»

فوائدها على للقلب والشرايين واضحة.. ومزجها بالسكريات والدهون ضار

TT

الباحثون الأستراليون وجدوا أن النساء اللواتي تجاوزن السبعين من العمر، اللواتي يتناولن الشوكولاته مرة واحدة في الأسبوع على أقل تقدير، هن أقل بنسبة 35% تعرضا لاحتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب، أو للدخول إلى المستشفيات بسببها. كما أنهن أقل أيضا بنسبة 60% تعرضا لاحتمالات الوفاة بسبب فشل عمل القلب، أو للدخول إلى المستشفيات بسبب ذلك الضعف في ضخ القلب للدم. وتم نشر الدراسة ضمن عدد 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي لمجلة «أرشيفات الطب الباطني» الصادرة عن رابطة الطب الباطني الأميركية.

لكن ما الذي يدفع الباحثين الذين اكتشفوا هذه الفائدة للشوكولاته، إلى التردد جدا في نصيحة الناس بتناولها؟ الجواب ببساطة هو المثل الشعبي القائل «جا يكحلها عماها». وهو مثل ينطبق تماما على ما فعله الأوروبيين بالشوكولاته، حينما قاموا بتحويل المسحوق الصحي النقي لثمار أشجار الكاكاو إلى «رهينة صحية» محتجزة بين كميات عالية من السكريات والدهون المشبعة الضارة بالصحة.

لقد أصبحت علاقتنا بالشوكولاته اليوم «حالة شاذة» محاصرة بين ثلاثة عناصر متناقضة. ذلك أنه من جهة، ما انفكت نتائج دراسات الأوساط الطبية تترى حول التأثيرات الصحية العالية الإيجابية لتناول مسحوق ثمار أشجار الكاكاو.. ومن جهة أخرى، تحذرنا الإرشادات الصحية من أضرار تناول الكميات العالية من السكريات والدهون المشبعة، خاصة في ألواح وقطع الشوكولاته. ومن جهة ثالثة، لا تتوافر لنا الشوكولاته إلا في هيئة معجون شبه صلب، قوامه الزبد والحليب العامران بالدهون المشبعة، وكميات لا يستهان بها من السكريات المُحلية، يضاف إليها مسحوق الكاكاو بنسبة لا تتجاوز 50% في الأنواع الشائعة والمرغوبة. أما في الأنواع الداكنة غير المرغوبة، فلا تتجاوز النسبة حد 70%. وكل ما يمكن أن يستفاد صحيا من تناول مسحوق الكاكاو، يغلب عليه الأضرار المتحققة بتناول الدهون المشبعة والسكريات الممزوجة معه.

الأوروبيون، ومن بعدهم سكان العالم القديم، لم يذوقوا طعم الشوكولاته إلا في عام 1519، حينما قدمها إمبراطور شعب الأزتيك كمشروب تحية خاصة للقائد الإسباني كورتي، عند لقائهما في أراضي المكسيك. وكان الأزتيك يعدون شرابا إمبراطوريا لطبقة النبلاء، وذا طعم لاذع قليلا، لمزيج من مسحوق الكاكاو والفانيليا وبعض البهارات، مع قليل جدا من العسل الطبيعي. ومن قبل الأزتك، كانت شعوب المايا منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد، تتناول الكاكاو بتلك الصفة، كمشروب طبيعي مفيد للصحة ومقو للعقل والجسم.

وحينما تم نقل حبوب الكاكاو إلى أوروبا، كمنتج غذائي جديد قادم من العالم الجديد أسوة بالطماطم والبرتقال والبطاطا، لم يستسغ الأوروبيون تناولها بتلك الصفة المرة الطعم. وربما لأن الشاي والقهوة كانا متوافرين «على الطاولة».

واستمر الأمر كذلك إلى نحو عام 1874، حينما تفتقت أذهان الألمان عن طريقة لتسويق تناول الكاكاو. وتم بها مزج ذلك المسحوق الداكن مع الزبد والحليب والسكر، وظهرت لأول مرة الشوكولاته المعروفة اليوم. وانتشر تناولها بعد ذلك في كل أرجاء المعمورة، وتطورت الرغبة فيها إلى أن وصلنا إلى الحجم الهائل لـ«سوق الشوكولاته» الذي يصل إلى أكثر من 50 مليار دولار سنويا.

الفوائد الصحية للشوكولاته مبنية على نتائج الكثير من الدراسات الطبية الحديثة، ومعظمها تم إجراؤها في مراكز ومؤسسات أوروبية وأميركية للبحث العلمي، وتم نشرها في كثير من المجلات الطبية والعلمية المرموقة. لكنها كانت تعني أفضل ما هو متوافر من منتجات الشوكولاته، أي الشوكولاته الداكنة. وهي خافضة لضغط الدم، ومنقية للشرايين القلبية والدماغية من ترسبات الكولسترول، ومنشطة لمرونة توسعها وزيادة تدفق الدم من خلالها، ومخففة من حدة السعال، ومفيدة لوقف الإسهال، وواقية من بعض أنواع السرطان، ومنشطة للتفكير، ومنبهة للوعي، ورافعة للمزاج، ومخففة للاكتئاب، وباعثة للشعور الإيجابي النفسي. وغالبية هذه الفوائد، والدراسات الطبية التي لاحظتها، سبق لملحق «صحتك» بـ«الشرق الأوسط» أن تناولها بالعرض والتحليل في عدة مناسبات.

وعودا على بدء، يظل الوسط الطبي عاجزا عن النصح بتناول الشوكولاته كوسيلة غذائية للحفاظ على الصحة ورفع مستواها. والسبب كما صرحت الدكتورة جوشوا لويس، الباحثة الرئيسة في الدراسة الأسترالية الحديثة، بالقول «علينا تحذير الناس من تكرار تناول الأطعمة العالية المحتوى بالسكريات والدهون».

ويعلق الدكتور راين بيوجيسي، من المؤسسة الألمانية للتغذية البشرية، بالقول «من المبكر جدا نُصح الناس بتناول المزيد من الشوكولاته، حتى لو أثبتت دراسات واسعة فوائدها فإن الأطباء سيظلون لا يصفون الشوكولاته لمرضاهم. والخطورة ستكون إذا ما بدأ الناس في تناول الشوكولاته من دون تقليل طاقة بقية الطعام اليومي، مما سيؤدي إلى السمنة وزيادة الوزن، وهو ما سيلغي أي فائدة صحية لمادة الشوكولاته».

ولا يزال الأمر بحاجة إلى «حل ما» يمكننا من إعطاء أجسامنا فوائد مسحوق الكاكاو من دون تعريضنا للدهون المشبعة والسكريات، وإلا سندور في دوامة بين نتائج علمية يصعب تطبيق الاستفادة منها.

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض