برامج مبكرة لرصد مرض التوحد

تحسن الذكاء والمهارات اللغوية والاجتماعية لصغار المصابين به

TT

قدمت كارمن أوغلير عددا لا يحصى من الإسهامات لبحث عن مرض التوحد المربك على مدار ثلاث سنوات مضت منذ أن تم تشخيص مرض ابنها دييغو بالتوحد عندما كان في الثانية من العمر.

وأعطت كارمن جميع أشكال العينات البيولوجية ووافقت على تدوين كل ما تأكل أو تستنشق أو تضع على جلدها. وحضر الباحثون ولادة ابنها الثاني إميليو وكانوا يشاهدونها وهي تدفعه خارج بطنها ثم يغادرون ومعهم آنية ممتلئة بعينات من الأنسجة والحبل السري، وأول براز يضعه الطفل.

تشارك أسرة كارمن أوغليز الآن في دراسة أخرى تمثل جزءا من جهود تبذلها مجموعة من العلماء في أميركا الشمالية في البحث عن مؤشرات التوحد لدى الأطفال البالغة أعمارهم 6 أشهر (لا يمكن تشخيص هذا المرض في الأطفال قبل بلوغهم الثانية من العمر). يراقب الباحثون لدى معهد الفحص الطبي للاضطرابات العصبية التابع لمركز ديفيس الطبي بجامعة كاليفورنيا الأطفال مثل إميليو في إطار جهد رائد لتحديد ما إذا كان في الإمكان الاستفادة من علاجات بعينها.

لذا عندما ظهرت على إميليو مؤشرات لاحتمال الإصابة بمرض التوحد أثناء التقييم الذي أجري بعد بلوغه 6 أشهر، مثل عدم القدرة على التواصل بالعين وعدم الابتسام للآخرين وإبداء اهتمام غير عادي بالأشياء.

قبل والداه بحماس عرض تسجيله في برنامج علاج يسمى «إنفانت ستارت» Infant Start.

* برنامج مهارات مبكر

* ويستند البرنامج إلى علاج يومي يسمى «نموذج دنفير للبداية المبكرة» Early Start Denver Model وهو يقوم على ممارسة ألعاب والتظاهر باللعب. وقد اتضح من خلال محاولات عشوائية أنه يحسن بشكل ملحوظ معدل الذكاء والمهارات اللغوية والاجتماعية للأطفال من عمر سنة إلى سنتين ممن يعانون مرض التوحد، ويقول الباحثون إن نتائجه تكون أكبر إذا بدأ تطبيقه مبكرا.

وقال ديفيد مانيل، المدير المشارك لمركز أبحاث التوحد بمستشفى أطفال فيلادلفيا: «ما قد تفعله في النهاية هو منع جانب محدد من التوحد من الظهور، فلا أقول إنك ستعالج هؤلاء الأطفال، لكن ربما تغيير مسار المنحنى الصاعد له، من خلال التدخل المبكر بحيث لا يتفاقم الوضع ليصل إلى ظهور جميع أعراض المرض ولا يمكنك فعل ذلك إذا انتظرت حتى يكتمل ظهور جميع الأعراض».

وقالت سالي روجرز، الباحثة لدى معهد الفحص الطبي للاضطرابات العصبية التي تعمل مع أسرة أوغلير، إنها واجهت تحديات عدة لتعديل العلاج الخاص بالأطفال من عمر سنة إلى سنتين ليناسب الأطفال الرضع. وحتى الأطفال الطبيعيون لا يستطيعون التحدث أو الإيماء، ناهيك عن تمثيل أدوار في اللعب. وبدلا من ذلك أخبرت روجرز الآباء بأن يركزوا على الحديث بالكلام غير المفهوم والتفاعلات البسيطة التي تحدث بشكل معتاد أثناء إطعام أو إلباس أو استحمام الطفل أو تغيير ملابسه.

وأوضحت لكارمن وزوجها شاول أوغلير أثناء أول جلسة مع ابنيهما إميليو البالغ من العمر 7 أشهر قائلة: «إن لعبة التصفيق باليد المتبادل مع شخص آخر، أو تغطية الوجه باليدين ثم مفاجأة الطفل، أو الدغدغة، ألعاب طبيعية». وتحدثت روجرز عن الـ12 أسبوعا المقبلة وكيف سيركزون على مساعدة إميليو في تبادل الابتسامات والرد عند مناداته باسمه وإصدار أصوات مبهمة وبدء نطق مقاطع مفردة مثل «ما» ثم الانتقال إلى نطق مقاطع مزدوجة ومقاطع أكثر تعقيدا.

قالت روجرز: «أغلب الأطفال يأتون إلى الدنيا بانجذاب داخلي نحو الناس، ومما نعرفه عن مرض التوحد أنه يضعف هذا الانجذاب. لا يكون المريض غير مبال، بل أقل انجذابا إلى الناس، وعليه كيف نزيد قابليتنا للانجذاب بحيث نجذب انتباهه؟».

* مرض غامض

* على الرغم من أن أسباب مرض التوحد لا تزال غامضة، يتفق العلماء أن للمرض بعض الأسباب الوراثية أو البيولوجية. وتستهدف أساليب العلاج التجريبية، مثل برنامج «إنفانت ستارت»، البيئة الاجتماعية التي ينشأ الطفل بها وكذلك تهدف إلى معرفة ما إذا كان يمكن للتغييرات في المنزل أن تؤثر على التطور البيولوجي للحالة بمجرد القيام بها.

وقالت روجرز: «تشكل التجارب عقول الأطفال بشكل مادي كبير؛ حيث تنحت التجربة تشابكات عصبية، إما من خلال بناء البعض وإما انحلال البعض الآخر».

ويعتقد أنه إذا بدأ الطفل يركز على الأشياء لا الوجوه قد تبدأ «المتتالية المتطورة»، حيث تستخدم الدوائر المخية المخصصة لقراءة الوجوه في المخ لغرض آخر ويفقد الأطفال القدرة على تعلم الإشارات الشعورية التي يتم تعلمها بشكل طبيعي من خلال مشاهدة تعبيرات الوجه. وكلما سار عقل الطفل في هذا الاتجاه أصبح التدخل أصعب.

لكن تمثل الجهود المبذولة لإيقاف تقدم مرض التوحد من خلال التدخل المبكر مشكلة علمية.

ونتيجة عدم وجود أعراض محددة لمرض التوحد قبل بلوغ الطفل عامين، فإن من المحال التمييز بين الأطفال الرضع الذين يمكن مساعدتهم بالتدخل والذين لن يتطور مرض التوحد لديهم بالأساس.

ينبغي على الباحثين أن يروا تحسن الأطفال مثل إميليو بشكل كاف قبل القيام بمحاولة عشوائية مقارنين بين الأطفال الذين يتلقون علاجا والذين لا يتلقون. ويشعر والدا إميليو بالسعادة لأن ابنهما ضمن المجموعة الأولى في البرنامج التجريبي، فقد رأوا تقدم ابنهما الأكبر دييغو في العلاج السلوكي للأطفال من عمر 3 إلى 5 سنوات ويحدوهما تفاؤل بشأن ما يمكن أن يحدث لابنهما إميليو.

لقد ترك أوغلير وظيفته في شركة اتصالات حتى يتمكن من الاعتناء بإميليو والعمل على تنفيذ الأهداف اليومية، في حين تركت السيدة أوغلير هي الأخرى وظيفتها في العمل الاجتماعي عندما تم تشخيص المرض لابنها الأكبر، لكن تمت مراجعة الالتزام بالمستقبل منذ خضوع إميليو للتقييم بعد بلوغه 6 أشهر.

قالت السيدة أوغلير: «إنني أول من يلتحق بالجامعة والدراسات العليا في أسرتي، لكنني فكرت بأنني قد وهبت نفسي لابني». وأوضحت أنها بعد أن علمت إن إميليو مصاب هو الآخر بالتوحد «بدأت أتطلع إلى المستقبل، فنحن مضطرون للتفكير يوما بيوم».

* التواصل مع الطفل

* كان الدرس الأول عن التواصل بالعين، وفيه جعلت روجرز الآباء يلعبون لعبة تمثيل الأدوار مع إميليو وشجعتهم على النظر إلى وجه الطفل والبقاء على خط رؤيته. انحنت أوغلير على بطانية زرقاء والتقطت لعبة ثم قالت: «إميليو؟ أين إميليو؟».-

على الجانب الأخر من المرآة ذات الوجهين كانت باحثة أخرى تشاهد الجلسة وكذا يفعل أحد المساعدين من خلال ثلاث كاميرات مراقبة، وتوقفت سالي أوزونوف، إحدى الباحثين وأول من رشحت إميليو للدراسة، لتراقب. وقالت: «إنه لا يزال يحدق في هذا الشيء على الرغم من أن وجهه لا يبعد أكثر من ثلاث بوصات. إن وجهه من الوجوه التي لا يظهر عليها أي تعبير والتي تبدو هادئة».

وحاول أوغلير هذه المرة وضع إميليو على كرسي أحمر منتفخ وجذب أطرافه على الطفل، وبدأ يقول: «ويش ويش ويش».. ولا استجابة من الطفل. عندئذ حمل إميليو فوق رأسه وبدأ تحريكه كأنه يطير مثل الطائرة فأخذ إميليو يحملق في السقف. وضعه أوغلير ثانية على الكرسي والتقط دمية ذئب ووضعها على رأسه وتركها تقع في يديه وبدأ يقول: «بو أووو» فبدأ إميليو يشاهده أخيرا.

قالت روجرز للوالد: «رائع لقد وضعت هذه اللعبة على رأسك وانتبه إلى وجهك. لقد استخدمت اللعبة في تعزيز التفاعل الاجتماعي، فعندما وضعتها فوق رأسك أصبح معك».

* خدمة «نيويورك تايمز»