ارتفاع حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية

رصد أورام سرطانية حليمية صغيرة قابلة للعلاج

TT

من السهل أن نقوم بعملية حسابية بسيطة لحالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، ثم الإعلان بعد ذلك أن أعداد المصابين بهذا المرض تشهد زيادة سريعة. وقد تضاعفت أعداد المصابين منذ سبعينات القرن الماضي. وبالنسبة للنساء فإنه أضحى أكثر أنواع السرطانات انتشارا بين حالات الإصابة الحديثة بالسرطان.

ولكن ليس كل إحصائية تحكي القصة كاملة وبوضوح، فعلى الرغم من هذه الزيادة، فإن سرطان الغدة الدرقية هو مرض قابل للعلاج بصورة كبيرة - وهو ينمو في الرقبة في غدة على شكل فراشة - لا يزال غير منتشر نسبيا.

* أورام الغدة الدرقية

* ويصاب الكثيرون بأورام حميدة، والمعروفة باسم العقد الصغيرة أو العقيدات nodules في الرقبة، ولكن حالة واحدة فقط من بين كل 20 حالة إصابة بهذه الأورام، أو أقل من 45000 حالة سنويا، تتطور لتكون أوراما خبيثة. ولا يصاب سوى عدد قليل بالمرض في صورته المعقدة. وتصل معدلات البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات من الإصابة بسرطان الغدة الدرقية إلى ما يقرب من 97 في المائة، ويؤدي المرض إلى وفاة 1690 شخصا كل عام. لكن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة ملحوظة في معدلات الإصابة بهذا المرض وعدد الوفيات الناتجة عنه مما أثار جدلا واسعا في الأوساط العلمية.

وقال الدكتور كينيث بورمان، رئيس قسم الغدد الصماء في مركز مستشفى واشنطن: «لا أعتقد أن هناك من يشك في تزايد حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية، لكن الأمر ليس بهذه البساطة. والسؤال هو ما إذا كانت هذه الزيادة ناتجة عن تطور دراسات التشخيص والكشف الإشعاعي، أم عن زيادة حقيقية في انتشار سرطان الغدة الدرقية».

وهذا السؤال لا يزال ينتظر الإجابة إلى حد بعيد، لكن الأدلة المستخلصة من النتائج المسجلة في قاعدة بيانات المسح وعلم الأوبئة، وهي عبارة عن سجل لحالات السرطان يحتفظ به المعهد الوطني للسرطان، لا تترك كثيرا من الشك حول زيادة عدد الحالات المصابة بسرطان الغدة الدرقية اليوم عن الإعداد المصابة به قبل ثلاثة عقود. لكن السؤال الأهم من ذلك، كما يشير الدكتور بورمان، هو ما إذا كانت هذه الإحصاءات تشير إلى وجود ارتفاع حقيقي في الإصابة بالمرض أو ناتجة عن تحسن وتطور أدوات التشخيص.

* تطور التشخيص

* وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، ساعدت الأشعة بالموجات فوق الصوتية، والتقنية التي تسمح باستئصال بعض أنسجة الجسم عن طريق إبر متطورة، على اكتشاف آلاف الحالات التي لم يكن من الممكن اكتشافها من قبل. وفي كثير من الحالات يتم اكتشاف العقيدات عن طريق الصدفة خلال فحص طبي آخر.

وقد سلطت دراسة نشرت في مجلة الجمعية الطبية الأميركية الضوء على هذا الموضوع لأول مرة في عام 2006. وخلص الباحثون إلى أن الزيادة البالغة 140 في المائة في حالات الإصابة بسرطان الغدة الدرقية من عام 1973 إلى 2002 سببها «التطور المتزايد في التشخيص».

وأشار الباحثون إلى أن الزيادة الحقيقية في حالات الإصابة ستنعكس في كل مرحلة من مراحل مرض السرطان. وأظهرت الدراسة أن 87 في المائة من الزيادة كان من أورام سرطان حليمية صغيرة في الغدة الدرقية - وهو أكثر أنواع سرطان الغدة الدرقية انتشارا والأكثر قابلية للعلاج - التي كان حجمها يقل عن سنتيمترين. وأضاف الباحثون أن كثيرا من هذه الحالات، لا تسبب مشكلة. وفي الواقع، فقد أظهرت الدراسات أن سرطان الغدة الدرقية وجد في ما يقرب من 4 في المائة من عينات الأنسجة الجسدية التي تم أخذها بواسطة الإبر المتطورة من الأفراد المشكوك في إصابتهم بالمرض.

وقال الدكتور لويز ديفيز، أستاذ مساعد الجراحة في قسم طب وجراحة الرأس والعنق في كلية دارتموث للطب: «هذه الحالات كانت موجودة على أي حال.. فقط لم يكن لدينا القدرة على رؤيتها حتى الآن. ولكي تفهم ذلك يتعين عليك أن تفكر في كلمة (السرطان) بطريقة مختلفة عما نقوم به في العادة. ويمكن أن يكون هناك زيادة في معدلات الإصابة دون أن يؤدي ذلك إلى تغير في عدد الوفيات بسبب المرض».

ولكن تحليل معدل الوفيات يعتبر أمرا أكثر تعقيدا قليلا من ذلك. وقد شهدت معدلات البقاء على قيد الحياة بعد خمس سنوات، زيادة تقدر بـ4.7 في المائة بين المرضى من النساء، المعرضات للإصابة بالمرض أكثر من الرجال بنسبة تصل إلى ثلاثة أضعاف، وذلك خلال الفترة ما بين 1974 و2001. ومع ذلك فقد زادت النسبة المئوية للتغير السنوي في معدل وفيات المصابين بسرطان الغدة الدرقية من الرجال بصورة ملحوظة، تقدر بـ2.4 في المائة خلال الفترة ما بين 1992 و2000 - والتي تمثل أكبر زيادة بين جميع أنواع السرطان. ويعتبر هذا أحد الأسباب التي تجعل خبراء آخرين يقولون إن الأدوات التشخيصية ليست هي العامل الوحيد في زيادة عدد الحالات التي يتم اكتشاف إصابتها بمرض سرطان الغدة الدرقية.

* أورام صغيرة

* وقال الدكتور ستيفن شيرمان، المدير الطبي لمركز الغدد الصماء في جامعة تكساس، مركز أندرسون للسرطان في هيوستن: «أعتقد أنه من التبسيط المفرط القول بأن الزيادة في تشخيص المرض ناتجة عن الإفراط في استخدام التكنولوجيا ووجود الأورام الصغيرة غير الخطرة. هناك عنصر يرتبط بزيادة استخدام التكنولوجيا، لكن حتى نتمكن من القيام بعمل أفضل في توقع النتائج بالنسبة للأفراد الذين يصابون بالسرطان فإننا ما زلنا بحاجة لعلاج كل حالة على حدة».

والأطباء لا يعلمون ماذا يمكن أيضا أن يكون سببا في هذه الزيادة الغامضة في عدد حالات الإصابة بهذا المرض. وكثير ما يتم الربط بين التعرض للإشعاع الناتج عن حادث مفاعل تشرنوبيل النووي عام 1986 والغبار الذري المتساقط من تجارب الأسلحة النووية في خمسينات القرن الماضي والإصابة بسرطان الغدة الدرقية، لكن هذان الأمران لا يفسران جميع الحالات الجديدة المصابة بالمرض».

* علاج تقليدي

* وبغض النظر عن الزيادة المسجلة في الإصابة بالأورام الصغيرة، فإن مستوى الرعاية لمرضى سرطان الغدة الدرقية لا يزال هو نفسه كما كان قبل عقدين من الزمن، إذ يجب أن يخضع المرضى لعملية جراحية يتم خلالها إزالة كل أو نصف الغدة الدرقية. وبعد ذلك، يحتاج الكثير منهم أيضا إلى تلقي علاج باليود المشع لقتل أي خلايا سرطانية متبقية. وقال الدكتور بريان ماكيفر، وهو طبيب في قسم الغدد الصماء ومرض السكري في مستشفى «مايو كلينيك» في روتشستر بولاية مينيسوتا، عن جعل الجراحة العلاج الافتراضي لهذا المرض، «على الرغم من أن الأدلة لا تقول بفاعليتها، فإن هناك اتجاها متناميا داخل الولايات المتحدة، وربما في جميع أنحاء العالم، لعلاج جميع سرطانات الغدة الدرقية باستخدام أكثر الأساليب صعوبة».

ونتيجة لذلك، فإن الجراحين مثل الدكتور ديفيس يعتقدون أن الزيادة في تشخيص المرضى الذين يعانون من الأورام الصغيرة يسبب الضرر لهم. «لا أعتقد أنه من المفيد أن يكتشف المريض أن لديه هذه الأورام، عن طريق الصدفة. إنها تصرف انتباههم عن المشكلة التي يواجهونها وتؤدي إلى علاج لا لزوم له. ومعدل وفيات سرطان الغدة الدرقية الحليمي أقل من معدلات التعقيدات الجراحية».

وبما أنه ينظر إلى سرطان الغدة الدرقية منذ فترة طويلة على أنه مرض يتطلب تدخلا جراحيا، فإن بعض الخبراء قد بدأوا يعيدون النظر في كيفية التعامل مع الأعداد المتزايدة بسرعة للمصابين بالأورام الصغيرة. وقال الدكتور ماكيفر: «أحيانا أعتقد أننا نضر أكثر مما ننفع عند تعاملنا مع هذه الأورام الصغيرة. لكن ستكون هناك أيضا مجموعة فرعية من هذه الأورام الصغيرة التي يتم صيدها في وقت مبكر والتي كان من الممكن أن تسبب مشكلة. من الصعب أن نتجاهل تشخيص السرطان».

* خدمة «نيويورك تايمز»