ماليزيا تتأهب لإطلاق 6 آلاف من ذكور البعوض المهندس وراثيا في أجوائها

في تجربة للقضاء على حمى الضنك أثارت خلافا علميا حادا

TT

في تجربة مثيرة للجدل، تعد الأولى من نوعها على مستوى الدول، تستعد ماليزيا لإطلاق بعوض مهندس وراثيا في أجوائها قريبا، وذلك بعد موافقة المجلس القومي للسلامة الحيوية (National Biosafety Board) في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على إجراء التجربة، في إطار خطتها القومية لمكافحة الكثير من الأمراض المعدية التي ينقلها البعوض، وعلى رأسها الفيروس المسبب لحمى الضنك (Dengue Virus).

وتسعى ماليزيا لإطلاق ما بين 4 آلاف إلى 6 آلاف بعوضة من الذكور مهندسة وراثيا من سلالة «Aedes Aegypti» في أجوائها خلال الأشهر القليلة المقبلة، لتتكاثر مع الإناث الطبيعية، مما ينتج عنه يرقات غير قابلة للحياة.

* تلاعب جيني

* وتم التلاعب بجينات البعوض، المعروف رمزا بـ«OX513A»، في مختبرات هيئة الأبحاث الطبية الماليزية بالتعاون مع إحدى الشركات الإنجليزية. ونتج عن التعديل الوراثي ذكور قادرة على تلقيح الإناث بما ينتج عنه يرقات غير قابلة للحياة في الظروف الطبيعية، إذ تنتج إنزيمات معينة بصورة فائقة، تتراكم داخل أبدان اليرقات وتتسبب في موتها، لو تعرضت لمادة التيتراسيكلين «Tetracycline» (المضاد الحيوي المعروف) الذي يوقف دورة تكون الإنزيم داخل أجسادها.

ويأمل القائمون على التجربة أن يسفر تنافس ذكور البعوض المهندسة وراثيا مع تلك الطبيعية على الإناث في تضاؤل أعداد البعوض بصورة كبيرة خلال فترة التجربة، التي سيتم فيها إطلاق البعوض في أماكن مأهولة وأخرى بعيدة عن العمران بمقاطعة جزيرة بنتونغ، ثم يتم جمع تلك الذكور عقب التجربة باستخدام الشراك المخصصة لذلك أو إبادتها في المناطق التي يصعب فيها اصطيادها.

وشهدت التجربة، التي سبقتها تجربة واحدة على مستوى مصغر في عام 2009 بجزر كايمان، المستعمرة البريطانية الواقعة بغرب الكاريبي التي يقطنها نحو 60 ألف نسمة، جدلا كبيرا حول مدى سلامتها البيئية وفعاليتها في مقاومة السلالة الناقلة للمرض من البعوض.

* عواقب التجربة

* واعتمد المجلس القومي للسلامة الحيوية القرار الخاص بإجراء التجربة بعد أن قامت لجنة استشارية تابعة له (متخصصة في التعديلات الوراثية) بتحليل العواقب المتوقعة لها، وطرحها بعد ذلك للاستفتاء العام في الفترة من 5 أغسطس (آب) وحتى 4 سبتمبر (أيلول) من العام الحالي.

وأوضح أحمد برفيز غلام قدير، رئيس اللجنة، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن هناك تخوفا ساور اللجنة من أن نحو ثلاثة في المائة من اليرقات الناشئة من تلقيح الذكور المهندسة وراثيا للإناث الطبيعية نجحت في الإفلات من الموت.

ولم يفلح خبراء اللجنة في تحديد الوسيلة التي نجحت بها اليرقات في عبور ذلك الطور إلى طور البلوغ، إذ قالت عالمة الوراثة ريكاردا شتينبريتشير إن الغموض ما زال يكتنف آلية نجاح اليرقات في الوصول إلى طور البلوغ، وأوصت بدورها بتأجيل التجربة المفتوحة لإطلاق الذكور المهندسة وراثيا لأجل لاحق، حينما يتمكن العلماء من سبر غور ذلك اللغز، والاستعاضة عنها بتجارب أصغر من حيث المدى، ربما في أقفاص محكمة بالهواء الطلق، لتلافي مشكلات غير محسوبة قد تنجم عن إفلات بعض البعوضات المهجنة الجديدة، والتي لا يدري العلماء عنها الكثير حتى الآن.

ويعود جانب آخر من قلق العلماء إلى طريقة فرز الذكور المهندسة وراثيا عن الإناث في المختبرات، إذ يعتمد القائمون على التجربة على قياس طول الخادرة «Pupa» (إحدى مراحل التطور التي تلي اليرقة في الحشرات) لتحديد جنسها، وهو أمر قد يكثر فيه معدل الخطأ، مؤديا إلى إطلاق بعض الإناث المهندسة وراثيا بين آلاف الذكور.

ورغم رد غلام قدير على تلك الوساوس الأخيرة بأن العلماء يقومون بفحص مزدوج للخدرات (يدويا وآليا) قبل انتقائها، فإن ذلك لا ينفي شكوك الخبراء، الذين حذروا من أن نواتج تلاقي الإناث المهندسة وراثيا مع الذكور الطبيعية لم تحسب جيدا، وقد تنتج عنه سلالات جديدة تفوق مخاطرها السلالات الطبيعية الموجودة، أو تكون مقاومتها أكبر للمبيدات.

* سلامة بيئية

* ويعزو بعض العلماء المخاوف القائمة إلى مشكلات تتعلق بصرامة آلية التنفيذ التي تتطلبها مثل تلك التجارب، على الرغم من أن ماليزيا تعرف عالميا بأنها تمتلك أحد أفضل قوانين السلامة البيئية في العالم، إن لم يكن أفضلها على الإطلاق.. لكن سعي السلطات الدؤوب نحو القضاء على مشكلة حمى الضنك، يجعلها قد تسلك بعض الدروب الأكثر إثارة للجدل.

وتعد حمى الضنك إحدى المشكلات العالمية التي تهدد معظم أرجاء نصف الكرة الأرضية الجنوبي، خاصة في جنوب شرقي آسيا، وإن لم يسلم النصف الشمالي من الإصابة به تماما. إذ تقول الإحصاءات المبدئية للمنظمات الصحية العالمية إن أكثر من مليون ونصف المليون نسمة قد أصيبوا بالمرض في الفترة ما بين يناير (كانون الثاني) وأكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، وأسفر ذلك عن وفاة نحو ثلاثة آلاف حالة حتى الآن.

لكن الأرقام السابقة لا تعبر عن الواقع الحقيقي لعدد الإصابات، إذ تؤكد المنظمات الصحية أن ملايين الحالات لا يتم تشخيصها بدقة نظرا لضعف إمكانات معظم الدول التي ينتشر بها المرض، عوضا عن لجوء الكثيرين من مواطني تلك الدول إلى الطب الشعبي، بعيدا عن المؤسسات الصحية القومية التي تقوم بعمل الإحصاءات.

وحمى الضنك مرض فيروسي معد مرتبط بالمناطق الحارة من الكرة الأرضية، وينتقل من المرضى إلى الأصحاء عبر وسيط، بالأساس فصيلة البعوض المذكورة سابقا (Aedes Aegypti)، وفي أحيان نادرة عبر فصائل أخرى. وتؤكد الكثير من المصادر أن فيروس الضنك كان ضمن حزمة الفيروسات على لائحة البرنامج الأميركي للحرب البيولوجية، قبل توقفه منذ سنوات.

حمى الضنك

وتشير أوراق منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك نحو 2.5 مليار شخص حول العالم معرضين لخطر الإصابة بالمرض، وأن معدل الإصابة السنوي المتوقع سيكون في حدود 50 مليونا في الفترة الحالية.

وتتمثل أعراض المرض، المعروف أيضا باسم حمى «تكسير العظام»، في ظهور الحمى المفاجئة المصاحبة غالبا بآلام عضلية ومفصلية حادة، وصداع وألم مميز للمرض خلف مقلة العين. إلى جانب طفح جلدي، قد يكون دمويا في بعض الأحيان، يظهر بداية في الأطراف السفلى والبطن أو الصدر قبل أن ينتشر بباقي أنحاء الجسم.. وقد تشمل الأعراض أيضا اضطرابات هضمية وآلاما في المعدة وغثيانا وقيئا وإسهالا حادا. وتكمن الخطورة القصوى في حال حدوث نقص بالصفائح الدموية ونزف حاد، داخلي وخارجي، قد يسفر عن وفاة المصاب جراء الإصابة بما يعرف بمتلازمة صدمة الضنك «Dengue Shock Syndrome».

لكن الأعراض قد تظهر بصورة أقل وأبسط في بعض الحالات، مما يسفر عن تشخيصها على سبيل الخطأ بأنها إصابة بالإنفلونزا الموسمية، أو أحد الفيروسات المعوية، خاصة في ظل غياب الإمكانات البشرية والمختبرية في بعض دول العالم الثالث.

ويتسبب ترحال الأشخاص المصابين بالمرض إلى مناطق أخرى في انتقال المرض إلى مجتمعات لم تكن تعرفه سابقا، حيث سجلت حالات كثيرة بالولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية باردة على مدار الأعوام السابقة، حتى وصل الأمر إلى أن تعلن منظمة الصحة العالمية أن المرض أصبح متوطنا بأكثر من 100 دولة حول العالم.

ورغم محدودية انتشار فصيلة البعوض المسؤولة عن نقل المرض في بعض الدول الشمالية، فإن أصابع الاتهام تشير إلى تسبب عمليات نقل الدم من أشخاص مصابين إلى أصحاء في انتشار المرض.