غبار منزلي صغير.. ومشكلات جبارة

يحوي مركبات سامة ومواد مثيرة للحساسية

TT

* الغبار المنزلي قد يحتوي على مركبات كيميائية سامة من شتى الأنواع، إلا أن التنظيف المنزلي لا يزال يعتبر أفضل الدفاعات ضده!

يمكن لكل الأشخاص الذين يطمحون إلى منزل نظيف ونقي، الشهادة بوجود خصائص في الغبار المنزلي تبدو كأنها خارقة للطبيعة، فما إن يختفي الغبار من رفوف الكتب مثلا حتى يظهر بكميات أكبر تحت السرير، متحولا من هيئته كمسحوق إلى هيئة جديدة منتفخة متلاصقة ومتسلسلة، إلا أن خطر الغبار يتعدى هذا النطاق، ليؤدي إلى إلحاق الأضرار بساكني المنزل أنفسهم.

* الغبار المنزلي هو خليط من المواد البيولوجية وغير البيولوجية التي تنتقل من المحيط الخارجي نحو المنزل، أو أنه يتولد عن نشاط الإنسان والحيوان في مواقع السكن.

ويأتي نحو 60% من الغبار المنزلي من التربة، ينتقل إما عبر الأحذية وإما مخالب الحيوانات الأليفة وإما الدقائق المتطايرة في الهواء التي تدخل عبر الأبواب والنوافذ. أما نسبة الـ40% المتبقية فتأتي من شتى المواد الموجودة داخل موقع السكن، ومن ضمنها: خلايا الجلد، فرو الحيوانات، مخلفات الحشرات، خيوط السجاد، دهون المطبخ.

ولكل بيت خصائصه «الغبارية» التي تنعكس فيها الجوانب الخاصة بجغرافية المكان الذي يوجد فيه، مثل بنية البيت وهيكله، ونشاط الأشخاص الذين يقطنون فيه.

وتصبح المنازل التي تحتوي على حيوانات أليفة مؤهلة أكثر لوجود شعر وقشرة أكثر، وقطع من الجلد وخصلات الشعر أو الريش التي تقع منها. وفي الطقس الجاف الذي تشتد فيه الرياح، يكافح الناس طبقات من الغرين الرقيق في الغبار، أما في المدن فإن الغبار المنزلي غالبا ما يحمل خصائص من السخام الأسود الناجم من انبعاثات عوادم وقود السيارات ومن مصادر تلوث الهواء الأخرى.

* خليط سام

* وبينما يكون الغبار المنزلي شاملا، فإنه لا يعتبر مادة حميدة.. فالمعادن الثقيلة والسموم الأخرى بمقدورها البقاء في البيئة لزمن طويل والنفاذ نحو دقائق الغبار والدخول إلى المنزل، كما يقول ديفيد لايتون، الباحث في جامعة أريزونا، الذي طور نموذجا كومبيوتريا لرصد انتقال دقائق التربة الملوثة.

وشمل بحثه التدقيق في عينات أُخذت من منازل بولاية كاليفورنيا وولايات الغرب الأوسط الأميركي، وقد عثر على كميات ملموسة من الزرنيخ والرصاص التي تخلفت عن انبعاثات السيارات، ومن محطات الطاقة العاملة على الفحم التي توقفت عن عملها من قبل أكثر من عقد من السنين.

وأظهرت أبحاث أخرى أن تركيز المواد الملوثة داخل المنازل عال جدا ويزيد (بمقدار 23 مرة) على تركيزه في التربة المجاورة؛ لذا لا يحتاج المنزل لأن يكون قريبا من منشأة ملوثة؛ إذ إن الرياح وظروف الطقس يمكنها أن تدفع الدقائق السامة نحو الطبقات الجوية لتضعها في مواقع تبعد مئات الأميال.

ويتسم الغبار المتولد داخل المنازل بأخطاره أيضا؛ فقد عثرت إحدى الدراسات التي دققت في أجواء 70 منزلا عبر الولايات المتحدة كلها، على أكثر من 36 مركبا كيميائيا تؤدي إلى حدوث اضطرابات في جهاز المناعة وحدوث عيوب خلقية في المواليد الجدد لدى اختبارها على الحيوانات.

وجاءت تلك المواد الكيميائية من: المواد الصناعية التي تمنع حدوث الحريق، مبيدات الحشرات، المواد البلاستيكية، مواد تدخل في صناعة الأثاث، المنتجات الإلكترونية، مستحضرات التجميل، المواد اللاصقة، المنسوجات، ومنتجات استهلاكية أخرى. وتوجد هذه المواد بكميات قليلة جدا بحيث لا تمكن رؤيتها أو شمها عند الجلوس في المنزل أو المشي في غرفه.

* عالم غير مرئي

* كما يمكن للغبار أيضا أن يشكل موطنا لمجموعات منتعشة من البكتيريا، الفطريات، أو حشرات العث الصغيرة جدا، التي تعتاش على خلايا الجلد الميتة. وعلينا أن نكون ممتنين لأن حشرات العث هذه لا تعض ولا تنقل الأمراض بشكل مباشر، إلا أن المخلفات الناتجة عن هذه الحشرات بمقدورها أن تحفز على حدوث ردود فعل تحسسية. ويمكن لنحو 500 من حشرات العث العيش في غرام واحد من الغبار، ينتج كل منها مخلفات مثيرة للحساسية.

وتمثل مخلفات السموم الداخلية «إندوتوكسين» endotoxins، وهي المركبات التي تفرزها أغشية خلايا البكتيريا التي تعيش فوق الغبار، أحد العناصر البيولوجية للغبار. وقد قيمت دراسة أجرتها المراكز الوطنية لعلوم الصحة البيئية مستوى سموم «إندوتوكسين» في أكثر من 2500 عينة من الغبار المنزلي من أرجاء الولايات المتحدة. وأظهرت الدراسة أن الأشخاص البالغين القاطنين في منازل كان تركيز الإندوتوكسين فيها عاليا، كانوا يعانون أكثر من غيرهم صفير الصدر وأعراض الربو الأخرى. وظهرت هذه التأثيرات بقوة أكبر عندما كانت مستويات سموم الإندوتوكسين عالية داخل غرف النوم.

* فرضية النظافة

* وتدعم بعض الأبحاث فكرة تحقيق الفوائد عند تعريض الصغار أثناء فترة الطفولة، لبعض العناصر المعينة الموجودة في الغبار.

ووفقا للفرضية المسماة «فرضية النظافة»، فإن عددا أكثر من الناس يتعرضون الآن للحساسية لأنهم نموا وترعرعوا في مواقع مدنية نظيفة نسبيا، وليس في مزارع ملأى بسموم الإندوتوكسين وقشرة الحيوانات؛ نتيجة لذلك، فإن جهاز المناعة لديهم لم يجابه أي تحديات؛ لذا لم يتطور بالشكل المطلوب، وبهذا أضحت بعض أجزاء جهاز المناعة أكثر تحسسا لبعض المواد المثيرة للحساسية (وأي من البروتينات يمكن أن يكون مادة مثيرة للحساسية). وقد وجدت الدراسات الوبائية ترابطا بين تعامل الأطفال مع الماشية في وقت مبكر من حياتهم وقلة إصابتهم بالحساسية في وقت متقدم من حياتهم لاحقا.

أما بخصوص الحيوانات الأليفة، فقد أظهرت مراجعة لـ27 دراسة أن نمو الطفل مع واحد منها يرتبط مع حدوث احتمالات أقل (14%) بالإصابة بالحساسية. وعندما فصل الباحثون المعلومات حول الكلاب عن المعلومات حول القطط، فقد ظهر أن التعامل مع الكلب وفر حماية أكثر.

إن التعامل مع الحيوانات والتعرض للغبار يمثلان جانبا واحدا من جوانب فرضية النظافة؛ إذ يشير مؤيدو هذه الفرضية إلى أن التعرض للأمراض المعدية يرتبط بحدوث عدد أقل من الأمراض لاحقا في مرحلة البلوغ.

* منازل مغبرة

* وليس من المدهش أن يزداد حجم دقائق التربة الداخلة إلى المنزل مع ازدياد أعضاء الأسرة الساكنين فيه؛ لذا فإن تنسيق حركة القاطنين فيه مهم أيضا. وقد أظهرت إحدى الدراسات أن مستويات الغبار داخل المنزل تضاعفت عندما كان الأطفال يلعبون ساعات أكثر أثناء شهور الصيف.

كما يتراكم الغبار أكثر في المنازل عند وجود الحيوانات الأليفة أيضا بسبب سقوط شعرها وقشرتها. وتتسبب قشرة الحيوانات أكثر من شعرها في حدوث ردود فعل تنفسية. ولا يوجد حتى الآن قط أو كلب غير مثير للحساسية!

وتزيد الدقائق، المنبعثة من حرق الخشب وتدخين التبغ أيضا، من حجم الغبار المنزلي وكذلك من خيوط السجاد والمفروشات والأغطية.

* ما العمل؟

* إحدى الوسائل البسيطة لتقليل كميات دقائق التربة الآتية إلى المنزل هي وضع ممسحة للأرجل عند باب المنزل، أو نزع الأحذية قبل الدخول إليه، كما أن إحكام إغلاق الشقوق حول الأبواب والنوافذ سيقلل من نفاذ الغبار إلى المنزل.

كما أن وضع راشحات (فلاتر) لمكيفات الهواء البارد والحار يقلل من نفاذ الغبار. وتساعد أجهزة تنقية الهواء النقالة في ترشيحه من الدقائق العالقة، إلا أن غالبية هذه الأجهزة تبعث كميات قليلة من الأوزون، ما يؤدي إلى سوء حالة المصابين بالربو.

إلا أن تنظيف المنزل هو وسيلة واحدة يمكن اعتبارها الأكثر فاعلية! فالتنظيف المنتظم بالمكنسة الكهربائية يزيل نحو 80% من غبار الأرضيات الحاوي للزرنيخ، وفقا لدراسة لباحثين من جامعة أريزونا.

ويقلل التنظيف المنتظم من تراكم طبقات الغبار وأخطاره، وبما أن الكثير من منتجات التنظيف لا تزال غير مدروسة من حيث سمومها، فإنه من الأفضل التقليل من استخدامها أو استخدامها بشكل معتدل.

* أخطار الغبار

* إن الكثير من الغبار أو حتى القليل منه - وفقا لمحتوياته طبعا - قد يلحق أضرارا صحية، خصوصا أن الأميركيين ينفقون أكثر من ثلثي أوقاتهم داخل منازلهم، أي قرب الغبار المنزلي. ويتعرض أكثر أفراد الأسرة المهددين، وهم الأطفال الصغار، إلى أخطار تزيد بـ100 مرة على الأخطار التي يتعرض لها الكبار من المواد الملوثة المتطايرة.

يدخل الغبار والسموم التي يحملها إلى الجسم عبر منفذين: الأنف عند التنفس أو الفم عند البلع. وبمكن للدقائق الصغيرة جدا المتطايرة في الجو (بقطر 2.5 ميكرون أو أقل) النفاذ إلى أعماق الرئتين أثناء التنفس ثم النفاذ إلى الدم، وهي ترتبط بحدوث النوبات القلبية وجملة من أمراض القلب والأوعية الدموية الأخرى. أما الدقائق الأكبر حجما - التي نعتقد أنها دقائق الغبار - فقد تتسبب في حدوث مشكلات خطيرة، منها ما يهدد الحياة، للأشخاص المصابين بالربو والحساسية. أما لغالبية الناس فإن دقائق الغبار هذه هي كبيرة جدا بحيث لا تصل إلى أعماق الرئتين.

لذا، وفي الكثير من الحالات، ربما يأتي الخطر الأكبر في أغلب الحالات، من بلع الدقائق المتطايرة. ولكن من الذي يبلع هذه الدقائق؟ الأطفال بالطبع الذين يضعون الكثير من الأشياء في أفواههم. وحتى في المنازل النظيفة، تكون هذه الدقائق التي يكون حجمها بحجم دقائق مسحوق بودرة التلك، عالقة في الهواء وتهبط على أسطح يتعامل معها الأطفال. كما أن بمقدور دقائق الغبار بهذا الحجم أيضا الالتصاق بأيدي الأشخاص الكبار والانتقال نحو الأطعمة.

* رسالة هارفارد الصحية -

خدمات «تريبيون ميديا»