قم.. بحماية شرايينك

الإضرار ببطانة الأوعية الدموية يمهد لحدوث أمراض القلب

TT

تعتمد صحة القلب والأوعية الدموية على طبقة من الخلايا تمتد على مسافة آلاف الكيلومترات، ويصل سمكها إلى نصف سمك شريط لاصق فقط! وتسمى هذه الطبقة «بطانة الأوعية الدموية» endothelium. وقد اعتقد العلماء في الماضي أنها ليست سوى حاجز يفصل بين مجرى الدم والعضلات، والأعصاب، والأنسجة الرابطة التي تتكون منها الشرايين والأوردة.

إلا أننا نعلم الآن أن هذه البطانة هي منظم ديناميكي لصحة الوعاء الدموي، وأن أي ضرر يلحق بها، وهو الضرر الذي غالبا ما يبدأ بهدوء منذ الطفولة، يأخذ في «النضوج» بعد عقود من السنين، تتحول فيها الأوعية الدموية إلى أوعية متصلبة مليئة بالكولسترول.

إن بطانة الأوعية الدموية هي طبقة منفردة للخلايا التي تبطن الأوعية الدموية. وتوفر هذه الطبقة بطانة ناعمة مانعة للتسرب تحافظ على الدم ومن تسربه نحو الطبقات الخارجية لأنسجة الأوعية الدموية. كما أنها تؤدي عملها بوصفها عضوا حساسا منتقى بعناية يستجيب للإشارات الفيزيائية والكيميائية.

وتنظم بطانة الأوعية الدموية ما يلي:

- ارتخاء وانقباض الأوعية الدموية: تصنع خلايا بطانة الأوعية الدموية أكسيد النتريك وتفرزه، وتقود هذه الجزيئة البسيطة إلى إرخاء الأوعية الدموية وإلى انفتاحها، الأمر الذي يسمح بتدفق كمية أكبر من الدم. كما تصنع هذه الخلايا أيضا «الإندوثيلين» endothelin ومركبات أخرى تقود إلى انقباض الأوعية الدموية. وتمنح هذه الجزيئات المتعاكسة في عملها، الأوعية الدموية قدرات للتوسع أو الضيق فورا استجابة للتغيرات الدائمة في احتياجات الأنسجة المجاورة من الأكسجين.

- «لزوجة» الخلايا: تمنع بطانة الأوعية الدموية السليمة كريات الدم البيضاء من الالتصاق بالجدار الداخلي للوعاء الدموي والانغمار فيه. وتعتبر مثل هذه العمليات للكريات البيضاء، خطوات مبكرة في عملية تكون الترسبات الغنية بالكولسترول.

- تكون الخثرات الدموية: إن بطانة الأوعية الدموية السليمة تكون معادية تجاه الخثرات الدموية، إلا أن الأضرار التي تتعرض لها البطانة تقود إلى تشكيل سطح أكثر صلاحية لعملية تشكيل الخثرات الدموية.

- الالتهابات: تقوم بطانة الأوعية الدموية في العادة بالدفاع وحماية الوعاء الدموي ضد أي أذى أو تهديدات ميكروبية، أو من المواد الملوثة، والمواد الأخرى وذلك باستجابتها بواسطة ردود فعل التهابية. ولكن، ومع مرور الزمن، فإن التأثيرات الضارة الناجمة عن التدخين، أو كثرة تناول الملح، والدهون المشبعة، والعوامل الأخرى المسببة لأمراض القلب والأوعية الدموية، بمقدورها أن تؤدي إلى نضوب احتياطي الأوعية لمقاومة الالتهابات، الأمر الذي يمهد لحدوث أضرار في بطانة الأوعية الدموية.

وكما أن سقوط قطعة من السقف قد يؤدي إلى أضرار في المنزل، فإن خلايا بطانة الأوعية الدموية المتضررة بمقدورها أن تؤدي إلى فقدان الوعاء الدموي لوظيفته وعجزه عن أداء مهمته. وقد يتسبب الضرر فيها، في زيادة تصلب الشرايين مع الزمن، مؤديا إلى ارتفاع ضغط الدم وعجز القلب. كما أنه قد يتسبب أيضا في تضيق الشرايين أو انسدادها نتيجة تراكم ترسبات الكولسترول، الأمر الذي يقود إلى حدوث نوبات قلبية، وإلى مرض الشرايين المحيطية، وحالات مرضية أخرى في القلب والأوعية الدموية.

قياس وظيفة الأوعية

* قياسات مستويات الكولسترول، وضغط الدم، وبروتين «سي - ريأكتيف» والعلامات الأخرى، هي أدوات مهمة للتدقيق في احتمالات إصابة أي شخص بأمراض القلب. إلا أنها تمثل في بعض الأحيان قياسات إضافية لوظيفة بطانة الأوعية الدموية endothelial function.

وإحدى طرق القياس المباشر لصحة بطانة الأوعية الدموية، هو إجراء تصوير الأوعية الدموية angiogram. وهنا يحقن مركب يسمى «أسيتيلكولين» acetylcholine في الأوعية الدموية المغذية للقلب، ويرصد التصوير الأوعية الدموية واستجابات الأوعية لهذا المركب. وتشمل الطريقة الأخرى قياس قطر الشريان العضدي في الذراع قبل وبعد الضغط عليه وإغلاقه لعدة دقائق بواسطة مشد للضغط.

وهناك طرق أبسط وأرخص لقياس وظيفة بطانة الأوعية الدموية يمكنها تحسين التوقعات المتعلقة بالمخاطر. وقد طورت شركات عديدة، في حين تطور أخرى، أجهزة صغيرة لقياس هذه الوظيفة بواسطة رصد سلوك الموجات النبضية pulse waves التي تنطلق من القلب نحو الجسم ثم تنعكس مرة أخرى.

وتستخدم إحدى الآلات المسماة «Endo-PAT2000» مجسات استشعار صغيرة جدا توضع على أنامل الأصابع بهدف تحليل الموجات النبضية قبل وبعد الإيقاف المؤقت لتدفق الدم عبر الشريان العضدي. أما الآلة الأخرى المسماة «SphygmoCor» فإنها تنفذ ذلك بواسطة مجس شبيه بالقلم الرصاص يوضع في رسغ اليد. ويمكن إجراء هذه الاختبارات في عيادة الطبيب خلال 15 دقيقة من دون الحاجة إلى أية تحضيرات خاصة.

وقد ظل الأطباء حذرين بخصوص تقبل اختبارات قياس وظيفة بطانة الأوعية الدموية لأنه لم يكن في مقدور أي أحد التعرف بالضبط على ما تعنيه نتائج تلك الاختبارات، أو كيفية تفسير النتائج للأخطار المقبلة لحدوث أمراض القلب والأوعية الدموية.

تقييم شخصي

* ويمكنك التوصل إلى تقييم غير دقيق لوظيفة بطانة الأوعية الدموية، بحساب ضغط النبضة لديك. ولإيجاد ذلك، قم بحسم مقدار الضغط الانبساطي لديك (القراءة الدنيا لضغط الدم) من مقدار الضغط الانقباضي (القراءة العليا لضغط الدم). وفي الأوعية الدموية السليمة يكون الفارق بين هاتين القراءتين أقل من 50 نقطة. أما في حالة الأوعية الدموية المتصلبة، فإن الفرق بين قراءتي الضغط الانقباضي والانبساطي يكون أعلى بكثير.

ولا يوجد علاج سحري لدرء عجز بطانة الأوعية الدموية أو لشفائها. وتعتبر التمارين الرياضية وسيلة حيوية للحفاظ على سلامة خلايا بطانة الأوعية الدموية، إضافة إلى الامتناع عن التدخين، واتباع نظام غذائي صحي، والتحكم في ضغط الدم المرتفع ومستويات الكولسترول.

* رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا»