السمنة لدى الأطفال.. صعوبات تواجه الآباء قبل الأبناء

الطفل يحقق نجاحا عندما يبدأ الوالدان عملية تغيير نمط حياتهما

TT

عندما يتعلق الأمر بمساعدة طفل زائد الوزن، أو بدين، على خفض وزنه، عادة ما يفسد الآباء الأمر حسب ما يقول خبراء بدانة الأطفال. فالبعض يلجأ إلى التوبيخ والتعنيف أو الإجبار، بينما يفرض البعض الآخر على أطفالهم اتباع حمية غذائية صارمة. ويمنع آخرون أطفالهم من تناول أصناف محددة من الطعام التي تحتوي على سكر أو دهون. وقد أثبتت تلك الطرق عدم فاعليتها في أفضل الأحوال وتأثيرها السلبي في أسوئها. زاد الاهتمام العام المتزايد بمشكلة زيادة الوزن التي يعاني منها نحو ثلث الأميركيين ممن هم دون الـ18، من وعي عدد أكثر من الآباء بهذه المشكلة، لكنه لم يساعدهم على معرفة ما يفعلونه بالتحديد. فهل ينبغي عليهم التدخل مبكرا خلال فترة ما قبل المدرسة أم الصمت وتجاهل الأمر أملا في أن يفقد الطفل الدهون مع تقدمه في العمر؟ في الوقت ذاته، يعاني كثير من الآباء من مشكلات خاصة بزيادة الوزن فضلا عن كثير من العقبات.

حرج الآباء

* قالت أم في ولاية نورثرن فيرجينيا طلبت عدم ذكر اسمها حفاظا على خصوصية ابنتها إنها كانت في حيرة من أمرها عندما زاد وزن طفلتها بشكل كبير مقارنة بأقرانها في المدرسة: «لم أرغب في قول شيء خاطئ وأجعلها تعي المشكلة لأنها لم تبد منزعجة بهذه المشكلة على الإطلاق. لكنني كنت قلقة من أن يتحول هذا الأمر إلى مشكلة خاصة خلال المرحلة الثانوية». وقالت إليانور ماكي، وهي طبيبة نفسية في عيادة تابعة لعيادة بدانة الأطفال في المركز القومي للأطفال: «هذا الموقف ليس سهلا على الآباء». وفي حين يقل وزن بعض الأطفال زائدي الوزن مع تقدمهم في العمر، فإن هذا الاحتمال يقل مع تقدم العمر. وطبقا لمراكز مراقبة الأمراض والوقاية منها، يصل احتمال أن ينمو الطفل البدين ليصبح بالغا بدينا إلى 30 في المائة، بينما تبلغ نسبة احتمال أن يصبح المراهق بدينا إلى 70 و80 في المائة إذا كان أحد الأبوين بدينا. وأدناه، بعض النصائح والإرشادات التي يقدمها خبراء بدانة الأطفال للآباء بشأن ما ينبغي وما لا ينبغي أن يفعلوه. جذور البدانة

* تقول نصرت ميرزا، طبيبة الأطفال ومديرة عيادة البدانة في مستشفى الأطفال إنه يمكن أن تعود جذور البدانة إلى فترة حمل الجنين. وتوضح أن كثيرا من الآباء والأمهات يبالغون في إطعام أبنائهم الرضع كأن يطعمونهم من ست إلى ثماني أونصات (الأونصة نحو 28 غراما) من مسحوق الحليب أو حليب الأم في الوجبة الواحدة بدلا من ثلاث إلى أربع أونصات.

ويطعم البعض الآخر الرضيع في كل مرة يبكي فيها حتى وإن كان لا يبكي بسبب الجوع أو الطعام وحتى بعد أن يبدي الطفل إشارات تنم عن شبعه. وتقول نصرت: «يحب على الناس أن يروا الأطفال ينمون سريعا ويعتقدون أن الطفل البدين طفل معافى وسليم، لكن ما لا يدركونه هو أنهم يعوقون عملية الأيض (التمثيل الغذائي) الطبيعية». يقول طبيب الأطفال هيرشيل ليسين الذي يعمل في مدينة بوكيبسي بولاية نيويورك إن كثيرا من الآباء يسيئون استخدام الطعام من خلال جعله ثوابا أو رشوة. ويضيف: «هناك آباء يشترون لأبنائهم وجبات طعام سريع من خمس إلى ست مرات أسبوعيا». ويقول عادة ما يشوه بعض الآباء مفهوم أبنائهم عن زيادة الوزن. ويشير ليسين إلى أن «الآباء يشعرون بالقلق من نحافة طفلهم أكثر من بدانته». نصائح للآباء

* لا تركز على الميزان. كثير من الآباء يركزون انتباههم على الميزان أو يصرحون برغبتهم في أن يفقد طفلهم عددا محددا من الكيلوغرامات بينما ينبغي عليهم التركيز على الصحة العامة. وتقول إليانور: «نحن نؤكد على الآباء أن يهتموا بالتركيز على صحة أبنائهم لا أوزانهم. فآخر شيء نريده هو أن يدفع الآباء الأولاد إلى الشعور بعدم الرضا عن وزنهم وهيئتهم». فقد تسيطر هذه المشاعر على الطفل، خاصة إذا صاحبها شعور بعدم الرضا أو الإحباط. وقالت إليانور إن الباحثين قد اكتشفوا أن التركيز على فقدان الوزن تحديدا لا يفيد الأطفال ويمكن أن يدخلهم في دائرة مفرغة يتوجه فيها الأطفال نحو الطعام باعتباره مصدرا للشعور بالارتياح النفسي. وتنصح الآباء بأن يقولوا للطفل: «إنني أحبك حقا ولديك جسد واحد ومخ واحد وأريدك أن تعتني بنفسك جيدا» ثم يناقشون معه الوسائل التي تجعل صحته أفضل ومن ضمنها تحسين النظام الغذائي. يمكن لممارسة الاستبداد ضد الطفل أن تضره، حيث تتذكر نصرت، الأم الرشيقة التي قالت أمام ابنتها البالغة من العمر خمسة أعوام إنها بدينة جدا فانفجرت الطفلة في البكاء بسبب بدانتها وقبحها. وتوضح قائلة: «لقد كانوا يضربونها في المنزل». وتقول إليزابيث دافينبورت، أخصائية التغذية في واشنطن، إن التحدث عن وزن الطفل أمامه يمكن أن يؤدي إلى «زيادة التركيز على معنى الرقم والمظهر». وتؤكد إليزابيث على ضرورة إدراك الآباء للوزن الصحي وتحذرهم من المبالغة. يزيد وزن الكثير من الأطفال والذين على أعتاب المراهقة في مرحلة ما قبل البلوغ بعدة أرطال لكنهم يفقدونها بعد ذلك. وقالت: «إنها تختفي في النهاية». حمية غذائية

* إنسَ النظم الغذائية الخاصة. يقول خبراء البدانة إنه كثيرا ما يخضع الطفل الذي يعاني من زيادة في الوزن لنظام غذائي، بينما لا يغير باقي أفراد الأسرة نمطهم الغذائي، ويظل الطعام عالي السعرات يقدم في المنزل للأفراد النحيفين. وتشير نصرت إلى أن الآباء في تلك الأسر يعترضون أحيانا على «معاقبة» الطفل النحيف بحرمانه من رقائق البطاطس أو البسكويت أو إجباره على تناول اللبن خالي الدسم. لكن الخبراء يرون أن تناول الطعام الصحي يفيد الجميع وينبغي أن لا يُنظر إليه باعتباره عقابًا. ويقول دانييل ليفي، طبيب الأطفال في بالتيمور الذي شكّل فريق عمل خاص بالبدانة في فرع الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال بولاية ميريلاند: «إذا لم تلتزم الأسرة بهذا النظام فلن يجدي نفعًا. لا يمكنك أن تطلب من الطفل أن يقوم بأمر ما بينما لا تعتزم أنت القيام به». وتقول إليانور إن فرض نظام غذائي على طفل واحد «لا يمكن أن يستمر، فالأطفال يهتمون بالمعاملة العادلة». وأضافت أن المشاركة «توضح للآباء مدى صعوبة الأمر». من المرجح أن يكتشف الآباء الذين يمنعون أصنافا محددة من الطعام مثل الحلوى أو شرائح البطاطا المقلاة الفرنسية أو البيتزا أن هذا السلوك يأتي بنتائج عكسية. ويمكن لهذا المنع أن يجعل الأطفال يخبئون الطعام أو يتناولونه في السر، وهو ما يمكن أن يتطور ليصبح حالة من اضطرابات الأكل. وتقول إليانور: «يصاب الأطفال بالهوس عندما يرون أمامهم أطعمة محرمة. فقد أخبرت مراهقة والدتها بأنها تأكل كما يحلو لها عندما يكون أمامها هذه الأصناف لأنها لا تعلم متى ستتمكن من تناولها مرة أخرى». معلومات غذائية

* الاطلاع على معلومات أساسية عن التغذية. يقول ديفيد لودفيغ، أخصائي الغدد الصماء ومدير عيادة البدانة بمستشفى بوسطن للأطفال، إن لدى كثير من الآباء مفاهيم خاطئة بشأن التغذية الصحية السليمة. ويضيف الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب بعنوان «وضع نهاية لحرب الغذاء» عام 2007: «عادة ما نرى آباء نيتهم سليمة، لكن النظم الغذائية التي يتبعونها مضرّة. ويعتقد عدد كبير من الآباء أن الكعك أو البسكويت والمكرونة والجبن منخفض السعرات أصناف صحية رغم أنها مليئة بالسعرات الحرارية الفارغة وذات قيمة غذائية محدودة. هناك كثير من سوء الفهم بشأن التغذية. وكثيرًا ما تروج الشركات العاملة في الصناعات الغذائية لذلك». ويحذر ليسين الآباء من إعطاء أطفالهم عصائر أو مياها غازية (يمكن لتناول علبة مياه غازية في اليوم أن يزيد الوزن بمقدار 15 رطلا - الرطل 453 غم تقريبا) سنويًا) أو طعاما سريعا مثل إطعام رقائق البسكويت الهش للطفل الذي يحبو. «إذا أراد الآباء أن يفقد الطفل وزنا، عليهم أن يتسلحوا بالمعرفة الأساسية الخاصة بالتغذية. إنه ليس سحرا».

> التأكيد على ممارسة الأنشطة. تقول نصرت إن «الأب الذي يقول لطفله اذهب للقيام ببعض التمرينات الرياضية بينما يتمدد هو على الأريكة لن ينجح على الأرجح». ربما يحب الأطفال مثل الآباء تجنب القيام بالتمرينات الرياضية، بينما يقدّر أغلبهم قضاء الوقت مع آبائهم بحسب ما تشير إليزابيث. لذا بدلا من توجيه الطفل نحو الخروج والقيام ببعض التمرينات الرياضية يمكن القيام بنشاط معه مثل ركوب الدراجات أو التنزه أو التزلج على الجليد أو لعب الكرة. مراقبة الطعام

* لا تكن رقيبا على الطعام. «هل تريد قطعة أخرى؟» سؤال يسأله كثير من الآباء لأبنائهم زائدي الوزن. وتكون الإجابة المرجوة هي استنتاج محدد سلفا. ربما تكون مراقبة ما يتناوله الطفل الذي يعاني من زيادة في الوزن أمرا مفهوما، لكن من المرجح أن يتسبب في اندلاع معركة من أجل السيطرة. بدلا من قول «هذا يكفي» من الأفضل سؤال الطفل «هل ما زال هناك مساحة في معدتك لتناول المزيد»؟ فهذا يعلّم الأطفال كيفية تنظيم عملية تناول الطعام بأنفسهم وعدم الاعتماد على طرف آخر يخبرهم أن يتوقفوا عن الأكل بحسب ما توضح إليزابيث. بوجه عام من الأفضل للآباء الامتناع عن التعليق على كمية الطعام التي يتناولها أطفالهم سواء كانت كثيرة أم قليلة. وتنصح نصرت بتقديم النموذج الذي يُقتدى به لأنه يعد من أكثر استراتيجيات مقاومة البدانة فاعلية. وتقول: «هدفنا هو التغيير الصغير الدائم والمستمر. نلاحظ في مرات كثيرة أن الطفل يحقق نجاحا عندما يبدأ الآباء عملية التغيير».

* خدمة «واشنطن بوست»