أول بارقة أمل.. لمرضى سرطان المخ للأطفال

نموذج سرطاني في الحيوانات يتيح تطوير طرق لعلاجه

TT

ظهرت للمرة الأولى منذ 3 عقود أول بارقة أمل قد تؤدي لعلاج مرض سرطان المخ للأطفال، حيث كان مجرد تشخيص المرض يعني شهادة وفاة بالنسبة للطفل فضلا عن الآلام الجسدية والنفسية الرهيبة له وأسرته، وذلك بعد أن تمكن العلماء من كلية الطب بجامعة ستانفورد بالولايات المتحدة، الذين نشروا نتائج دراستهم في نهاية شهر فبراير (شباط) من العام الحالي، من اكتشاف أسرار المرض.

وقام العلماء بزرع خلايا السرطان من الأطفال الضحايا لتكوين نموذج حيواني مشابه من سرطان المخ Diffuse Intrinsic Pontine Glioma أو DIPG اختصارا، وهو الأمر الذي يعد انتصارا علميا كبيرا، سوف يسهل إمكانية إجراء تجارب مستقبلا على علاج السرطان الأسوأ والقاتل الأكبر بالنسبة للأطفال في عمر المدرسة.

ورم المخ ويأتي الدور الرئيسي في نجاح هذه الأبحاث لآباء الأطفال الذين ماتوا ضحايا لهذا المرض، حيث تبرع الآباء بالمخ المريض لعمل الدراسات عليه. ويجعل وجود الورم السرطاني في جذع المخ من الصعب الوصول إليه لأخذ عينة منه أثناء الحياة، ومن هنا أهمية الدراسة على المخ بعد حالة الوفاة.

وصرح أحد الأطباء المشاركين في البحث أن هذه التبرعات من الآباء هي التي سمحت بدراسة نمو الورم والعوامل البيولوجية المؤثرة التي تؤثر في انتشاره مما سوف يمهد لإيجاد طريقة لعلاجه حيث إنه ما زال هناك الكثير من الغموض بالنسبة لسرطان المخ بالنسبة للأطفال على عكس البالغين، حيث تتوافر معلومات أكثر عن الورم.

ويمثل مرض سرطان المخ ما يقرب من 10 إلى 20% من سرطانات الأطفال ويصيب الأطفال في العمر من 5 سنوات إلى 10 سنوات ويصيب سنويا من 200 إلى 400 طفل سنويا بالولايات المتحدة وتختلف أعراضه باختلاف مكانه. ويكون في الأغلب جذع المخ Brain Stem هو المكان الأكثر عرضة للإصابة. وجذع المخ هو الذي يصل بين المخ والحبل الشوكي وتتفرع منه الأعصاب من المخ وتصل إلى جميع أجزاء الجسم.

وأكثر الأعراض حدوثا تتعلق بحركة العينين ورؤية صورة مزدوجة وضعف عام وتغير الإحساس في الوجه وكذلك صعوبة في البلع. ويمكن حدوث ضعف في الإحساس في جانب من الجسم. وقد يغلق الورم مسار السائل الموجود بالمخ مما يؤدي إلى زيادة حجم الرأس Hydrocephalus وحدوث قيء وغثيان وصداع وعدم انتظام الخطوة. ويتم التشخيص بجهاز الرنين المغناطيسي MRI حيث إن مكان الورم يجعل من المستحيل أخذ عينة منه.

علاج المرض ويعتبر المرض من أشد الأمراض فتكا فيكفي أن نعرف أن متوسط العمر المتبقي للأطفال المصابين بالمرض يكون نحو 9 شهور، وعلى أكثر تقدير لا يزيد عن سنة ونصف ونسبة 1% فقط يمكنها البقاء حتى 5 سنوات في أحسن الأحوال.

يكون علاج المرض علاجا للأعراض وليس علاجا شافيا ويوظف الإشعاع في الأغلب لنحو 6 أسابيع حيث يظهر تحسن ملحوظ واستجابة سريعة للعلاج ولكن لسوء الحظ سرعان ما تعاود الأعراض والمشكلات الصحية ظهورها في مدة تتراوح بين 6 شهور إلى 9 شهور ويمكن تجربة العلاج الكيميائي أيضا ولكن تكون نسبة تأثيره ضئيلة جدا، حيث إن الخلايا المصابة بالورم تتضافر مع الخلايا السليمة في جذع المخ. أما العلاج الجراحي يكاد يكون مستحيلا حيث إن مكان الورم يتحكم في عدة وظائف حيوية.

نتائج جيدة وتركزت النتائج التي توصل إليها فريق البحث في متابعة إشارات جزيئية قد تكون مسببة للنمو السرطاني، وتعتبر هذه الخطوة في غاية الأهمية، حيث إنه أمكن تحديد مسار النمو مما يتيح فرص اختراع عقار حديث مضاد للورم أو يعرقل مسار نموه فيما بعد.

وقد بدأ الباحثون دراستهم بالتركيز على مسار معين للإشارات الجزيئية والتي تسمى بممر القنفذ Hedgehog pathway. ويعتبر ممر القنفذ ممرا ضروريا لتكوين الخلايا في مرحلة التطور الجنيني ويحتوي على بروتين يسمى بروتين القنفذ Hedgehog أو (Hh) ولكن عمله يتوقف بعد الولادة في الظروف الطبيعية، حيث يعتقد أن معاودة نشاطه مرة أخرى قد تكون مسؤولة عن نمو خلايا الورم DIPG.

وليس هذا فحسب ولكن من الواضح أن طريق القنفذ قد يكون مسؤولا عن عدة أورام بالمخ وليس فقط جذع المخ بل وأورام في أماكن متعددة. ومعرفة أن طريق القنفذ أو هذا المسار يعتبر جزءا من المرض تمهد الطريق لاكتشاف دواء مناسب له.

وقد اشتملت الدراسة بجانب زراعة الخلايا السرطانية في المختبر على حقن خلايا سرطانية بشرية في فئران سليمة. وأوضحت أن الخلايا السرطانية سوف تكون خلايا مشابهة للموجودة في جسم الإنسان. ويفتح مجرد تكوين هذا النموذج الخارجي باب الأمل لمعالجة المشكلة مباشرة. وقد بدأت بالفعل عدة شركات أدوية على تطوير عقاقير توقف مسار ممر القنفذ وبالتالي تحبط النمو السرطاني.

دراسات سرطان المخ وللأهمية القصوى لسرطان المخ وخاصة بالنسبة للأطفال فالأبحاث ليست فقط موجهة على تطوير طريق العلاج ولكنها أيضا معنية بالتشخيص ودراسة تكوينه حيث تمكن علماء من جامعة أوتا بالولايات المتحدة الأميركية في مايو (أيار) من عام 2010 الماضي من التوصل لمعرفة تزامن افتقاد خلايا السرطان لبعض النسخ الجينية وكذلك تواجد بعض جينات معينة تساعد على نمو السرطان في وقت واحد وذلك بشكل متفرد في أورام المخ بالنسبة للأطفال؟

وتم تصنيف أورام المخ وقت التشخيص إلى 4 أنواع تبعا لمظهرها تحت المجهر. وقد قام فريق البحث بفحص عينات من كل ورم من أورام المخ في كل درجة للكشف عن نسخ مفقودة أو إضافية من الحامض النووي DNA. وتم البحث أيضا عن وجود تغير أو طفرة في الجين في نفس عينة الورم الذي يسبب خللا في وظائف الجين ويسبب السرطان. ومعرفه تطور الجين تمثل أهمية كبيرة حيث يمكن تشخيص المرض بشكل أكثر دقة وكذلك عمل أبحاث للتوصل لطريقة لإعاقة تطور الجين أو حدوث طفرة به مستقبلا.

* اختصاصي طب الأطفال