جهاز مسح طبي نقال.. يفتح آفاقا جديدة في علم الأعصاب

يصمم في شكل خوذة ويضع «خريطة كيميائية» للدماغ

TT

جرى تصميم هذه الأداة بحيث يمكن استخدامها مع الفئران، التي تمثل النموذج الحيواني الرئيسي الذي يعتمد عليه العلماء المعنيون بالأعصاب، لكن العلماء الذين طوروا الجهاز الجديد قالوا إنه سيكون من اليسير تطوير جهاز مشابه للتعامل مع الأشخاص من البشر.

ويعمل الجهاز على نفس مبدأ جهاز التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) الذي يجري استخدامه بالفعل على نطاق واسع في الأبحاث المرتبطة بعلم الأعصاب، وفي العلاج. ويمكن الجهاز الباحثين من اقتفاء مواقع الناقلات العصبية (وهي المواد الكيميائية الناقلة لإشارات بين الأعصاب) التي يتم وضع علامات إشعاعية عليها أو عقاقير داخل المخ. وبمقدور الصور التي تكشف كيفية انتقال الناقلات العصبية والعقاقير عبر المخ توضيح عمليات تقف وراء أنماط السلوك العادي، مثل التعلم، وأمراض مثل الإدمان. وقد جرى استخدام جهاز التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني في رسم خريطة المواقع الرابطة للعقاقير داخل مخ المدمنين والأفراد الأصحاء، ودراسة كيفية تغيير هذه المواقع بمرور الوقت ومع العلاج.

* جهاز مسح نقال

* يتسم جهاز التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني التقليدي بضخامة كبيرة لدرجة تفرض ضرورة إجراء مثل هذه الدراسات، بينما يستلقي الشخص داخل أنبوب ضخم. وتعمد أنابيب واسعة تعمل على نسخ الصور إلى تعزيز الإشارات الصادرة عن أشعة غاما المنبعثة من الكيميائيات التي تحمل علامات مميزة في المخ.

بعد ذلك، تنتقل الإشارات عبر حاجز من الإلكترونيات بحجم مكتب يتولى معالجة الإشارات ورسم خريطة لها بمنطقة معينة من المخ. وللحصول على قراءات جيدة أثناء دراسة الحيوانات، عادة ما يخضع الحيوان للتخدير أو تقييده لمنعه من الحركة. وعليه، فإن ما يجري قياسه ليس السلوك الطبيعي أثناء السير.

في هذا الصدد، أوضح بول غليمشر، بروفسور علم الأعصاب بجامعة نيويورك في حديث لمجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية، أن «لدينا بيانات محدودة للغاية بشأن ما يفعله المخ في عالم الواقع». يذكر أن غليمشر لم يشارك في الجهود العلمية سالفة الذكر.

وقد صمم جهاز الماسح النقال الجديد لتوفير نفس المعلومات حول الجانب الكيميائي للمخ أثناء تصرف الحيوان بصورة طبيعية. ويتميز الجهاز بصغر حجمه وخفة وزنه بما يكفي لأن يتمكن فأر من حمله فوق رأسه أثناء تحركه بسهولة. وشرح ديفيد شلير، العالم البارز لدى مختبر بروكهيفين الوطني الذي قاد فريق العمل، أن «الفأر بإمكانه التحرك بحرية والتفاعل مع الحيوانات الأخرى، وفي الوقت ذاته يمكننا وضع خريطة ثلاثية الأبعاد، على سبيل المثال، لمستقبلات مادة الدوبامين بمختلف أرجاء المخ».

وعمل فريق العمل المعاون لشلير لسنوات على وضع تصميم هندسي لجهاز مسح مصغر للتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني يمكن أن يرتديه جسم متحرك. ويتكون الجهاز من حلقة معدنية تتدلى من هيكل داعم يساعد على دعم وزنه ويسمح للفأر بأن يتحرك في الجوار. ويدخل رأس الفأر عبر الحلقة، التي تحتوي على أجهزة استكشاف وأجهزة إلكترونية.

ويقول شلير إن السبيل إلى جعل الجهاز صغيرا يكون من خلال دمج جميع الأجهزة الإلكترونية لكل جهاز رصد داخل الحلقة في شريحة واحدة متخصصة. ويحل ثنائي ضوئي شامل محل أنابيب مضخمة كبيرة للتصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، مما يساعد على تكبير الإشارات التي تنبعث من مواد كيميائية محددة داخل الدماغ. ويقول شلير: «تستغرق الفئران نحو ساعة من أجل التأقلم، وبعد ذلك تبدأ تتصرف بصورة طبيعية». ويوجد وصف لجهاز «بروكهيفين» هذا الأسبوع في دورية «نتشر ميثودز».

واستخدمت المجموعة التابعة لـ«بروكهيفين» جهاز المسح من أجل رسم خريطة لمستقبلات الدوبامين داخل الدماغ بالكامل لفئران تتحرك للمرة الأولى. واستخدمت مجموعات أخرى، بما في ذلك مجموعة غليمشر، التي اعتمدت من قبل تحقيقات واسعة لدراسة مستويات الدوبامين في أجزاء تمثل ملليمتر مكعب من الدماغ داخل حيوانات غير مقيدة ولكن لم تكن قادرة على دراسة الدماغ بالكامل.

* دراسة المشكلات الصحية

* يصف غليمشر إحدى تجارب عدة يمكن القيام بها من خلال الجهاز المحمول. ويعرف باحثون أن المدمنين الذين أتموا بنجاح عملية إعادة تأهيل يواجهون خطر العودة إلى الوضع السابق إذا زاروا الأماكن المرتبطة بالمخدرات، وربما ذلك لأن أدمغتهم مستعدة إلى الاستجابة لهذه الروابط. ويتخيل غليمشر دراسات على الفئران تقوم برسم خرائط لكيميائية الدماغ عندما يسمح للحيوانات بتحديد الحصول على عقاقير من عدمه، وعندما يدخلون إلى مكان يعرفون أنه مرتبط بالعقاقير.

ويقول غليمشر: «في الواقع لا نعرف كيف تتفاعل الدوائر (داخل الأجزاء المختلفة من الدماغ) مع الإدمان. ومن أجل الوصول إلى مكان يمكن أن أمنحك فيه فرضية إكلينيكية، علينا الحصول على المزيد من المعلومات الأساسية. وهذا هو الاختراق الذي قد يجعل ذلك يحدث».

ولا يستخدم التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني بنفس الصورة الواسعة على دراسات تتضمن أفرادا كما هي الحال مع وسائل أخرى لتصوير الأعصاب بسبب احتمالية التعرض بدرجة كبيرة إلى الإشعاعات اللازمة لعمله. ولكن باحثو «بروكهيفين» يقولون إن ذلك سيكون ممكنا لجعل أجهزة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني المحمولة التي توضع داخل شيء ما مثل خوذة كرة قدم.

ويقول جوزيف هوستون، رئيس مركز العلوم العصبية السلوكية في جامعة دوسلدورف: إن مجموعة «بروكهيفين» قامت «بخدمة لا تصدق» إلى مجتمع العلوم العصبية من خلال تطوير هذا الجهاز، و«يعد الفأر هو النموذج الأكثر أهمية بالنسبة للدماغ – وتعتمد كل الأشياء الأساسية عن التعلم والتغذية والخوف والجنس على عملنا على الفئران».

ويقول شلير إن مجموعته تحدثت مع عدد من الشركات حول السماح بنموذج تجاري من الجهاز. ولكن في الوقت الحالي يخطط الباحثون في الأساس للمزيد من الدراسات بشأن السلوك داخل المختبرات. ويمكن أن يساعد تخطيط مواقع الدوبامين في الحيوانات المستيقظة على التعرف على نطاق واسع من الظروف العادية والمرضية مثل مشكلات الحركة المرتبطة بمرض باكنسون. والدوبامين إحدى المواد الكيميائية داخل الدماغ التي يمكن للمجموعة رسم خريطة خاصة بها. ويقول شلير إنهم سيدرسون أيضا السلوكيات الجنسية الخاصة بالفئران.

وتعمل المجموعة على جهاز آخر يجمع التصوير المقطعي بالتصوير البوزيتروني مع التصوير بالرنين المغناطيسي من أجل تقديم معلومات أوفر عن تركيب الأنسجة ووظائفها. وسيبدأون بإجراء اختبار إكلينيكي لهذا الجهاز مع مرضى سرطان الصدر الشهر المقبل.