الوجبات الغنية بالأسماك.. تخفف من تداعيات السمنة

شعب الإسكيمو ودهون «أوميغا -3»

TT

المقارنة العلمية بين مجموعتين من الناس تتطلب توافر نوعين من المعطيات، أحدهما متشابه والآخر مختلف. وضمن نتائج دراسة أميركية مقارنة، تبين للباحثين من مركز «فريد هاتشينسون» لأبحاث السرطان (Fred Hutchinson Cancer Research Center) أن إكثار تناول أفراد الإسكيمو في ولاية ألاسكا، للمنتجات الغذائية البحرية، سبب في وقايتهم من تداعيات السمنة، وذلك بالمقارنة مع بقية سكان الولايات الأميركية الأخرى، خاصة الأمراض المزمنة المهمة الناتجة عن السمنة، مثل أمراض شرايين القلب ومرض السكري.

ووفق ما تم نشره في 25 مارس (آذار) الماضي، ضمن النسخة الإلكترونية للمجلة الأوروبية للتغذية الإكلينيكية (European Journal of Clinical Nutrition)، قال الباحثون إن معدل تناول الفرد من شعب الإسكيمو القاطن في ولاية ألاسكا، لدهون «أوميغا – 3» المتوافرة بغزارة في دهون الأسماك، يفوق عشرين مرة معدل تناول الفرد من سكان بقية الولايات الأميركية.

وعلقت الدكتورة زينة مكحول، الباحثة في برنامج الوقاية من السرطان التابع لقسم علوم الصحة العامة بالمركز المذكور آنفا والباحثة الرئيسية في الدراسة الحديثة، بالقول «ما أعطانا فرصة فريدة لإجراء الدراسة العلمية حول تتبع التأثيرات الصحية لدهون (أوميغا – 3) على تداعيات السمنة، هو أن الطعام التقليدي لأفراد شعب الإسكيمو يتضمن تناول كميات كبيرة من دهون الأسماك، وأفراد شعب الإسكيمو لديهم معدلات سمنة مشابهة لتلك التي تنتشر بين أفراد الولايات الأميركية الأخرى».

وركز الباحثون في دراستهم على الشحوم المتوافرة في أسماك السلمون والسردين وغيرهما من الأسماك الغنية بالدهون، خاصة نوع «دي إتش إيه» (DHA) و«إي بي إيه» (EPA)، من أنواع دهون «أوميغا – 3» التي تعتبر من «الدهون غير المشبعة» الصحية بالعموم في تأثيراتها على نسبة الكولسترول والدهون الثلاثية بالجسم، وبالتالي المفيدة في الوقاية من أمراض شرايين القلب وفي خفض ضغط الدم وضبط إيقاع نبضات القلب وغيرها من الجوانب الصحية الثابتة علميا.

وتبين للباحثين أن أفراد الإسكيمو الذين لديهم سمنة ولديهم في الوقت نفسه معدلات مرتفعة من دهون «أوميغا – 3» في الدم، نتيجة للإكثار من تناول الأسماك الدهنية، كانت لديهم أيضا معدلات منخفضة من الدهون الثلاثية (triglycerides) ومن مؤشرات الالتهابات (CRP). وتحديدا كانت معدلات الدهون الثلاثية ومؤشرات الالتهابات مشابهة لتلك التي توجد عادة لدى من أوزانهم طبيعية! ومعلوم طبيا أن ارتفاع الدهون الثلاثية وارتفاع مؤشرات الالتهابات حين السمنة، يرفع من خطورة احتمالات الإصابة بأمراض شرايين القلب، وربما مرض السكري.

وعلق الدكتور ألين كريستال، الباحث المشارك في الدراسة، بالقول «الجديد في ما تطرحه الدراسة هو أن السمنة لم ترفع من عوامل الخطورة تلك بين من لديهم سمنة ولديهم ارتفاع في دهون (أوميغا – 3)». وأضافت الدكتورة مكحول قائلة إن «الإكثار من تناول المأكولات البحرية الغنية بدهون (أوميغا – 3) يحمي أفراد الإسكيمو من التأثيرات الضارة للسمنة». واستطردت بالقول «وعلى الرغم من أن نسبة السمنة بين أفراد الإسكيمو تتشابه مع تلك التي بين سكان بقية الولايات الأميركية، فإن نسبة الإصابة بمرض السكري بينهم هي نحو 3%، بينما في بقية الولايات تقارب 8%».

وبناء على هذه النتائج، يُطرح السؤال التلقائي: هل على من لديهم سمنة أن يتنبهوا إلى ضرورة الاهتمام بتناول دهون «أوميغا – 3» لحماية أجسامهم من تداعيات السمنة؟

وتجيب الدكتورة مكحول بالقول «ثمة دواع مهمة للإكثار من تناول دهون «أوميغا – 3»، مثل دورها في خفض الإصابات بأمراض شرايين القلب، ونتائج هذه الدراسة إيجابية في إفادتها القوية بأن لدهون «أوميغا – 3» دور مهم في تخفيف تداعيات السمنة». وتحدثت عن الفرق بين تناول المنتجات الغذائية الطبيعية الغنية بدهون «أوميغا – 3»، كالأسماك، واللجوء مباشرة إلى تناول حبوب (كبسولات) «أوميغا - 3» الدوائية. ومعلوم أن تناول المنتجات الطبيعية بلا شك أفضل لأنها لا تحتوي فقط على دهون «أوميغا – 3»، بل أيضا على معادن وبروتينات وعناصر غذائية أخرى صحية ومفيدة.

وتستحق هذه الدراسة الطبية الحديثة الاهتمام والتأمل بحق، لأن الاهتمام بتناول المأكولات الصحية يعطي الجسم عناصر غذائية صحية. وهذه بدورها ليست مفيدة فقط في الوقاية من الإصابة من الأمراض المتوقعة مستقبلا، بل هي مفيدة في تخفيف تداعيات الأمراض والاضطرابات الصحية الموجودة لدى الإنسان في وقته الحالي.

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]