مناقشات علمية حول الإرشادات الغذائية الأميركية الجديدة

خلافات بين العلماء والخبراء الحكوميين حول مضمونها

TT

أهم الملاحظات التي سجلت حول الإرشادات الغذائية التي وضعتها الحكومة الأميركية لعام 2010، تتمثل في أن المسؤولين الحكوميين الأميركيين امتنعوا عن اتباع التوصيات المقدمة لهم حول المشروبات المحلاة بالسكر، ومقادير الملح المتناولة.

وقد قوبلت هذه الإرشادات 2010 Dietary Guidelines بعد صدورها مؤخرا في نهاية شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، بمديح موجه إلى توصياتها، كان أكبر من المديح حول ما لا توصي به!

* مديح وانتقاد

* وامتدحت بعض المجموعات الاستهلاكية وخبراء التغذية تركيز الإرشادات على مكافحة السمنة، والتحكم في عدد السعرات الحرارية المتناولة، وزيادة تناول الفواكه والخضراوات الطازجة (وهي نصيحة سليمة، إن وجهت بعناية). إلا أن والتر ويليت، رئيس قسم التغذية الصحية في كلية الصحة العمومية بجامعة هارفارد وعضو هيئة تحرير «رسالة هارفارد الصحية»، كان ضمن منتقدي التوصيات لأنها تخفت وراء ستار من التعابير المجردة مثل «الدهون الصلبة» و«السكر المضاف» في قائمة الأغذية التي توصي بتناول كميات أقل منها. ويقول ويليت إن هذه التوصيات كانت ستكون أكثر فاعلية لو أنها توجهت برسالة إلى المواطنين الأميركيين بتناول كميات أقل من اللحوم الحمراء، الأجبان، والآيس كريم (البوظة)، والتقليل من تناول منتجات الحبوب المصفاة، أي تقليل تناول الأرز الأبيض أو الخبز الأبيض. وكانت إحدى المشاكل التي ظهرت في الماضي تتمثل في أن الإرشادات التي وضعها المسؤولون الحكوميون، كانت تنحرف بشكل ملموس عن التوصيات التي قدمتها اللجان الاستشارية العلمية التي تضطلع بمهمات جمع وتحليل الدلائل التي يفترض أن تستند إليها الإرشادات. ويقول ويليت وآخرون مثله إن هذا الانفصام يعكس التأثير الذي تمارسه مصالح الصناعات الزراعية والغذائية.

إلا أن إريك ريم، الأستاذ المساعد في علم الوبائيات والتغذية في كلية الصحة العمومية في جامعة هارفارد، الذي كان عضوا في اللجنة الاستشارية العلمية الخاصة بإرشادات عام 2010، يقول إن الحكومة «قامت بعمل جيد» في ما يخص الإرشادات الموضوعة. وقد تناقشنا مع إريك ريم حول اثنين من المواضيع الجوهرية، التي افترق فيها مضمون النسخة النهائية للإرشادات عن التوصيات التي وضعتها اللجنة العلمية.

* المشروبات المحلاة بالسكر

* هل علينا أن نتفادى تناول المشروبات المحلاة بالسكر أم نقلل منها؟ لقد كانت التوصيات قاسية جدا في ما يخص أنواع السكر المضاف، التي تشمل العسل، ودبس السكر وعصير سكر القبقب، وكذلك عصير الذرة الغني بالفروكتوز، والمركبات الكيميائية الحلوة مثل anhydrous dextrose. وتأتي نسبة تبلغ نحو 16% من كل السعرات الحرارية التي يتناولها الأميركيون في غذائهم من المواد المحلاة بالسكر. وكما تشير الإرشادات، فإن جسم الإنسان لا يفرق بشكل كبير بين السكريات الطبيعية الموجودة في الأغذية والسكريات المضافة، إلا أن الكثير من الأغذية الحاوية على السكر المضاف ليس لها أي فائدة من الناحية الغذائية، لكنها تزود الجسم بالسعرات الحرارية.

وتمثل المشروبات المحلاة بالسكر - المشروبات الغازية، مشروبات الطاقة، المشروبات الرياضية - أهم مصادر الأغذية الحاوية على السكر المضاف في الغذاء الأميركي، وهي تمثل 36% من مجموع تلك الأغذية.

وقد رغبت اللجنة الاستشارية العلمية في أن تتحدث الإرشادات عن ضرورة أن يتفادى الناس المشروبات المحلاة بالسكر - وهي رسالة بسيطة وواضحة. ولكن وبدلا منها ظهرت إرشادات لتقليل تناولها، إما بتقليل عدد العلب المتناولة منها (أي ما يعني لبعض الأشخاص تناول 3 بدلا من 4 علب)، أو بتناول مقادير أقل منها (وهذه أنباء طيبة لشركات إنتاج المشروبات الغازية لإنتاج علب أصغر حجما).

ومع ذلك، فلا يبدو أننا خسرنا كل شيء. فقد أصدرت السلطات الحكومية في نفس وقت صدور الإرشادات، ست «رسائل مختارة» حول الخطوات البسيطة التي يجب اتباعها للالتزام بالتوصيات، قالت إحداها: «تناول الماء بدلا من المشروبات السكرية»، وهي رسالة جيدة، صيغت بلغة سهلة.

* مقادير الصوديوم

* الصوديوم مادة مسجلة على قوائم المراقبة الغذائية، لأنه يزيد من ضغط الدم. ويعتبر ارتفاع ضغط الدم عامل خطر لحدوث السكتة الدماغية وأمراض القلب، وأمراض الكلى.

ويأتي جزء يسير فقط (بين 5 و10 في المائة) من الصوديوم الموجود في الغذاء الأميركي من ملح الطعام الذي نستخدمه أثناء تناول الطعام أو طهيه. أما حصة الأسد، فتأتي من الأغذية المعالجة صناعيا والأطعمة الجاهزة مثل البيتزا وكذلك - ويا للدهشة! - من الخبز المصنوع بالخميرة.

وكما تشير الإرشادات، فإن مقادير تناول الصوديوم في الولايات المتحدة عالية جدا (3400 ملغم (ملغم) يوميا في المتوسط)، لا لأن الأميركيين يتناولون أغذية تحتوي على كميات عالية من الملح، بل لأن الكثير من الأغذية الشعبية تحتوي على مقادير من الملح.

وكانت الإرشادات الغذائية لعام 2005، قد حددت المقدار اليومي للصوديوم بما لا يزيد على 2300 ملغم، وهو ما يقابل مقدار ملعقة شاي من ملح الطعام. وقد أوصى إريك ريم وزملاؤه من الباحثين بخفض هذا الهدف، ولكن بالتدريج، إلى 1500 ملغم في اليوم، وذلك بهدف منح فرصة لمذاق الأميركيين، للتكيف. ولم يكن هذا الاقتراح جذريا: فهذا ما أوصت به عام 2010 جمعية القلب الأميركية. إلا أن واضعي الإرشادات الغذائية لعام 2010 أبقوا على مقدار 2300 ملغم من الصوديوم يوميا لعموم الناس، مع ملاحظتهم أن 15% من الأميركيين يتحكمون في خفض مقادير تناولهم من الصوديوم.

كما حددت الإرشادات قيمة قصوى مقدارها 1500 ملغم للأشخاص الحساسين لارتفاع ضغط الدم الناجم عن تناول الملح، ومنهم الأميركيون المنحدرون من أصول افريقية، المعانون من ارتفاع ضغط الدم، والأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 51 سنة أو أكثر.

وهؤلاء هم نصف السكان.. ولذا، فإن الفروق بين نصيحة العلماء ومضمون الإرشادات هي فروق هائلة. ويشير إريك ريم إلى أنه لو كانت التوصيات العامة قد حددت مقدار 1500 ملغم بدلا من 2300 ملغم، لتوحدت الجهود المشتركة بين الحكومة وقطاعات الصناعة لتطويق مقادير الصوديوم الموضوعة في الأغذية.

ولكن وحتى يأتي اليوم الذي يتم فيه تطويق مقادير الصوديوم في الأغذية، فإن علينا كأفراد أن نتعرف على مقاديره الموجودة من ملصقات التعريف الموضوع على كل غذاء، وأن نبحث عن أغذية تحتوي على مواد بديلة للصوديوم، وأن نتناول كميات أكثر من الفواكه والخضراوات الطازجة، وأن نتناول طعامنا في المنزل بدلا من المطاعم. فقد تحتوي وجبات المطعم على كميات كبيرة من الصوديوم. كما توجد بعض الدلائل على أنه يمكن مكافحة التأثيرات الضارة للصوديوم بتناول الخضراوات الورقية، الموز، والأغذية الأخرى الحاوية على كميات كبيرة من البوتاسيوم.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا»