دراسات جديدة حول أمراض البـــروستاتا

نتائج متضاربة حول فحص مولد المضادات الخاص بها

TT

إن «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» prostate-specific antigen (PSA) هو بروتين تولده البروستاتا سواء كانت مصابة بتضخم حميد أو بورم سرطاني خبيث. وتضخ البروستاتا هذا البروتين نحو السائل المنوي المقذوف لهدف تسييل ذلك السائل، لكي تتمكن الحيوانات المنوية (الحيامن) من السباحة فيه، والتوجه نحو الهدف النهائي.

* فحص خاص بالبروستاتا

* وعلى الرغم من أهمية هذا البروتين، فقد تعرضت هذه الوظيفة التناسلية له إلى الإهمال منذ عام 1987 عندما تم توظيف مقاييس مستوى «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» (PSA) في الفحوصات المبكرة للكشف عن سرطان البروستاتا. ومع مرور الزمن تم فحص أكثرية الرجال الأميركيين من أعمار تزيد على 50 سنة، الذين يفحصون حاليا مرة واحدة على الأقل.

إلا أنه لا يوجد توافق عام حول فحص «PSA» لسرطان البروستاتا لأنه يظل مثيرا للجدل في الدوائر العلمية. وعلى الرغم من أن دراسة من غوتنبرغ في السويد تقدم وجهة نظر مؤيدة لفحص الكشف المبكر هذا، فإن المناقشات لن تنتهي.

وما يعرفه العلماء عن سرطان البروستاتا هو أنه شكل من الأورام الخبيثة الداخلية. وهو يعتبر من الأمراض الرئيسية لدى الرجال الأميركيين، والسبب الرئيسي الثاني المؤدي إلى الوفاة بسبب السرطان. ويؤمن الرصد المبكر له نجاحا أكبر في العلاج. ويمثل فحص «PSA» أفضل الاختبارات المتوفرة حاليا للكشف عن المراحل المبكرة لسرطان البروستاتا، وهو ذات تكلفة غير عالية، آمن، وسهل التنفيذ.

* تساؤلات حول الاختبار

* وهذا ما يجعل هذا الفحص مقبولا، الأمر الذي يطرح مسألة قوية ومنطقية لاختبار الرجال الأصحاء. إلا أن الاختبار لا يقدم كل التفاصيل، ولذلك يطرح أولئك الأطباء الذين يتساءلون عن أهمية هذا الفحص الروتيني، جانبين أساسيين حوله.

* الجانب الأول يتعلق بالتاريخ الطبيعي لسرطان البروستاتا نفسه.

فهذا المرض يجري وفق مسار متغير بشكل كبير، إذ إنه يكون عدوانيا وقاتلا في بعض الحالات، لكنه ينمو ببطء ومن دون ألم في الكثير من الحالات الأخرى.

وبأرقام مقاربة، فإن نسبة خطر ظهور سرطان البروستاتا لدى الرجل الأميركي في وقت ما من حياته، تقل عن 30 في المائة، إلا أن نسبة خطر ظهور مرض طبي واضح تصل إلى 17 في المائة بينما تبلغ نسبة الوفيات بسبب هذا المرض 3 في المائة. وبمعنى آخر فإن الكثير من إصابات سرطان البروستاتا لا تكون مؤذية حتى وإن لم يتم علاجها: أي أن الرجل قد يتوفى وهو مصاب بسرطان البروستاتا أكثر من وفاته نتيجة إصابته بهذا السرطان، كما أن فحص «PSA» لا يمكنه الكشف عن نوعي السرطان: ذلك الذي ينمو من دون ألم، أو ذلك الذي يكون عدوانيا.

* وهذا يعني أن الفحص الروتيني يمكنه الكشف عن الكثير من الأورام التي لا تسبب الأذى أبدا، وهذا ما يضع الاختبار ضمن مشكلة تسمى «التشخيص الأكثر من اللازم». بل وحتى أسوأ من ذلك، فإن فحص «PSA» يقود إلى «العلاج الأكثر من اللازم»، لأن أي تشخيص لسرطان البروستاتا في الولايات المتحدة يقود في العادة إلى العلاج.

وعلى الرغم من التقدم الحاصل في العلاج فإن الآثار الجانبية السيئة الشديدة شائعة، ويتصدرها: اختلال وظيفة انتصاب العضو الذكري ثم سلس البول. ولذا فإن كان فحص «PSA» ينقذ حياة بعض الرجال فإنه يؤدي إلى آلام ملموسة لدى رجال آخرين من الذين لا يحتاجون أبدا إلى علاج.

* الجانب الثاني من التساؤلات يحوم حول الفحص نفسه. فأكثر الأطباء الأميركيين يستخدمون مقياس 4.0 نانوغرام لكل ملليمتر (نغم/مل)، كحد أعلى، أي أنهم يتقبلون النتائج التي تكون أقل من هذا الحد على أنها نتائج طبيعية، بينما تكون النتائج الأعلى من هذا الحد غير طبيعية. وفي الحقيقة فلا يوجد حد طبيعي حقيقي، فعلى سبيل المثال فقد أفادت دراسة مهمة أن 17 في المائة من الرجال الذين كان مقياس «PSA» يقع لديهم بين 1.1 و2.0 (نغم/مل) رصد لديهم سرطانا في البروستاتا، كما رصد المرض لدى 23 في المائة من الآخرين الذين تراوحت قيمة هذا المقياس بين 2.1 و3.0 (نغم/مل). وفي الجهة الثانية لهذا الطيف من الأرقام فإن السرطان لم يرصد لدى 3 من كل أربعة رجال بلغ مقياس «PSA» لديهم أكثر من 4.0 (نغم/مل)، وذلك لأن تضخم البروستاتا الحميد benign prostatic hyperplasia BPH، أو العدوى، أو الالتهاب، أو أي مشكلات أخرى تتسبب في ارتفاع مستوى «PSA».

والسؤال هو: هل يحقق فحص «PSA» الفائدة أكثر من تقديمه للضرر أو العكس؟ والوسيلة الوحيدة لمعرفة الإجابة عن هذا السؤال هي إجراء تجارب عشوائية.

ولم تقد نتائج دراستين عام 2009 إلى حسم المناقشات، كما أن تلك المناقشات ظلت حتى بعد صدور نتائج دراسة ثالثة عام 2010.

* دراسة «جديدة»

* رغم أن نتائج تجربة غوتنبرغ العشوائية للكشف المبكر عن سرطان البروستاتا نشرت أولا بشكل مستقل عام 2010، فإن أكثر من نصف المشاركين بها كانوا قد شاركوا أيضا في دراسة أوروبية عشوائية موسعة للكشف المبكر عن سرطان البروستاتا عام 2009 European guhl Randomized Study of Screening for Prostate Cancer (ERSPC).

وهذا الوضع المزدوج يثير تساؤلات فنية حول دراسة غوتنبرغ نفسها: هل يمكن الحكم عليها بوصفها دراسة منفصلة تتمتع بوزنها الكبير أم أنها ليست سوى تحليلات فرعية لدراسة «ERSPC» الأوروبية وأن وزنها يعد أقل شأنا؟ وهذا موضوع للاختصاصيين في الإحصاء وعلوم الأوبئة.

في ديسمبر (كانون الأول) عام 1994 انتقى الباحثون بشكل عشوائي 20 ألفا من سكان غوتنبرغ المولودين بين أعوام 1930 و1944، وكان متوسط أعمارهم 56 سنة. وقام نظم الكومبيوتر بانتقاء عشوائي لنصف هؤلاء الأشخاص بهدف تعريضهم للكشف المبكر عن سرطان البروستاتا، بينما وضع نصفهم الآخر في مجموعة للمراقبة والمقارنة. وقد تخلى 48 شخصا من كل مجموعة عن المشاركة، وأخذ العلماء برصد 19904 مشاركين من المتبقين، لفترة بلغت في المتوسط 14 سنة.

وقد دعي الرجال في مجموعة فحص «PSA» إلى تقديم عينة من الدم كل سنتين، أو لحين وصولهم إلى عمر 71 سنة. وعرض على الرجال الذين كانت نتائج تحاليلهم عالية إجراء اختبارات إضافية مثل اختبار المستقيم باليد، وأخذ خزعة من البروستاتا. وتم خفض عتبة الاختبارات الإضافية مرتين أثناء الدراسة من 3.4 نغم/مل إلى 2.9 نغم/مل ثم إلى 2.5 نغم/مل. وعولج الرجال من كلتا المجموعتين الذين شخصت لديهم حالات سرطان البروستاتا بعد اتخاذ قرارات منفردة لكل حالة بمشاركة الأطباء.

وكما كان متوقعا فقد كان الرجال في مجموعة فحص «PSA» يشخصون بسرطان البروستاتا أكثر من الرجال في مجموعة المقارنة (12.7% مقابل 8.2%). كما ظهر أن الأورام الخبيثة لدى مجموعة فحص «PSA» كانت أصغر وأقل تقدما مقارنة بالسرطانات لدى مجموعة المراقبة. وكان هذا متوقعا أيضا، ولذا فإنه لم يكن مدهشا أن يؤدي ذلك إلى تقديم علاج سريع للرجال في مجموعة فحص «PSA».

وكان من النتائج المهمة لتجربة غوتنبرغ أن فحص «PSA» قد خفض من خطر الوفاة بسبب سرطان البروستاتا، فقد انخفض خطر وفاة الرجال في مجموعة فحص «PSA» بنسبة 44% مقارنة بخطر وفاة الرجال في مجموعة المراقبة. وبالإجمال فقد تطلب الأمر علاج 12 رجلا لمنع حدوث وفاة واحدة بسرطان البروستاتا.

وربما، ولأن معدلات الوفيات بسبب سرطان البروستاتا كانت منخفضة في كل من المجموعتين (0.4% - 0.9%) فإن فحص «PSA» لم يحسن من المعدلات الكلية للوفيات: فالرجال الموجودون في مجموعة فحص «PSA» لم يعيشوا لعمر أطول من الرجال الذين لم يخضعوا لهذا الفحص.

وإضافة إلى ذلك فإن دراسة غوتنبرغ لم تشر إلى الآثار الجانبية للعلاج كما لم تشر إلى نوعية الحياة. ومع هذا فإن نتائج هذه الدراسة تدعم بقوة الحجة القائلة إن فحص «PSA» يخفض من خطر الوفاة بسبب سرطان البروستاتا. إلا أن القصة لا تنتهي هنا، فقد وجدت تجربة «الكشف عن سرطان البروستاتا، والرئة، والقولون، والمستقيم، والمبيض Prostate, Lung, Colorectal, and Ovarian (PLCO) Cancer Screening عام 2009»، أنه لا توجد أي فوائد لهذا الفحص، كما أظهرت دراسة «ERSPC» الأوروبية وجود فوائد قليلة للفحص مقارنة بدراسة غوتنبرغ.

* تحليل التجارب

* يقارن (جدول 1) بين نتائج 3 تجارب إكلينيكية عشوائية حول فحص «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» (PSA) بهدف رصد سرطان البروستاتا. وكما يرى القارئ، فإن النتائج تختلف كثيرا: فتجربة «PLCO» الأميركية أفادت بعدم وجود أي فوائد من الفحص، بينما أفادت تجربة «ERSPC» الأوروبية وجود انخفاض بنسبة 20% في عدد الوفيات بسرطان البروستاتا (16% في حالة استبعاد المشاركين في دراسة غوتنبرغ)، ولكن مقابل العمل على تقديم علاج أكثر مما يجب لـ48 شخصا لحماية حياة شخص واحد فقط. أما تجربة غوتنبرغ فقد أفادت بانخفاض بنسبة 44% في الوفيات بسرطان البروستاتا بعد تقديم علاج أكثر من اللازم لـ12 شخصا بهدف حماية حياة شخص واحد.

أي من هذه التجارب هو الأفضل؟ أو لنتكلم بدقة أكثر، ما هي التجربة التي تقدم أفضل التوجهات للرجال لاتخاذهم القرار بشأن الإقدام على إجراء فحص «PSA» أو الامتناع عنه؟ هنا، ولسوء الحظ، فإنه لا يمكن الجواب بشكل قاطع.

إن كل التجارب الـ3 كانت كبيرة، ومصممة جيدا، وتتسم بالمسؤولية ونشرت في مجلات طبية مرموقة (نشرت «PLCO» و«ERSPC» قي مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن»، أما دراسة غوتنبرغ فقد نشرت في مجلة «لانسيت أونكولوجي» الطبية البريطانية). إلا أن أي واحدة من هذه التجارب لم تتمتع بالكمال، ويمتلك كل منها مواطن القوة والضعف.

الدراسة الأميركية «PLCO» التي ضمت رجالا حتى عمر 74 سنة واعتمدت على البرنامج الأميركي القياسي لفحص «PSA» السنوي، وكذلك فحص المستقيم باليد (وللسنوات الأربع الأولى من المشاركة)، إضافة إلى وضع 4.0 نغم/مل كحد أعلى لقيمة «PSA»، اقتربت أكثر من غيرها نحو بلورة ما يمر به الرجل العادي. إلا أن ضعف التجربة يتمثل في أن 52% من الرجال في مجموعة المقارنة اختاروا إجراء فحص «PSA» بأنفسهم. ومع هذا فإن الفروق بين معدلات الفحص كانت كبيرة جدا، ولذا فقد كان ينبغي على هذه التجربة الكبيرة إظهار نتائج تشير إلى تحقيق الفحص للفائدة فعلا.

أما دراسة «ERSPC» الأوروبية فقد كانت تتمتع بميزات، كونها الدراسة الأكبر من بين الدراسات الـ3، إلا أن نقائصها تشمل اعتمادها على إجراءات (بروتوكولات) بحثية مختلفة قليلا في عدد من المراكز في الدول الأوروبية. وتشمل نقائص دراسة غوتنبرغ كونها الأصغر، إلا أن ميزاتها تتمثل في كونها الأطول في فترة متابعتها للمشاركين. كما أن الرجال كانوا أكثر شبابا مقارنة بالمشاركين في الدراستين الأخريين.

ما العمل؟

إن دراسة غوتنبرغ تقدم أقوى الأدلة لصالح فحص «PSA» المبكر، إلا أن نتائجها يجب أن تفسر جنبا إلى جنب مع نتائج تجربة «PLCO» الأميركية التي لم تجد أي فوائد لهذا الفحص، ومع نتائج تجربة «ERSPC» الأوروبية التي وجدت فوائد أقل، ووجدت خطرا أعلى في تقديم العلاج الأكثر من اللازم.

ومن باب المناقشة فقط، علينا أن نذكر أن نتائج تجربة «ERSPC» تقع في الوسط ما بين التجربتين الأخريين، فالخفض بنسبة 20% في خطر الوفاة بسبب سرطان البروستاتا الذي تشير إليه هذه الدراسة، مشجع حقا، ولكن وما دامت نسبة خطر الوفاة لدى الرجل الأميركي بسبب سرطان البروستاتا لا تزيد على 3% فإن الخفض بنسبة 20% سيقلل تلك النسبة إلى 2.4%، أي بفائدة مطلقة تبلغ 0.6%. وفي الوقت نفسه فإن الرجل الذي شخص بسرطان البروستاتا بعد خضوعه لفحص «PSA» سيكون لديه احتمال 49 إلى 1 للحصول على علاج ليس ضروريا.

ولا توجد إجابة صحيحة هنا. ولذا فعليك التشاور مع الطبيب حول فحص «PSA». وإن كان الأمر يبدو صحيحا لك فأقدم عليه، والعكس بالعكس.

تذكر مع هذا أن الرجال الذين يجنون أكثر الفوائد هم الرجال الأكثر تعرضا للخطر ومنهم الأميركيون من أصول أفريقية، والأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي بالإصابة بالمرض. أما الرجال الأكثر شبابا من الأصحاء (ومنهم من ذوي الأعمار 45 - 65 سنة الذين لديهم خطر عال في الإصابة، ومن 50 - 65 من الآخرين) فإنهم سيجنون على الأغلب من الفحص أكثر من الرجال من كبار السن. إلا أنهم سيعانون على الأكثر من اختلال انتصاب العضو الذكري ومن الآثار الجانبية الأخرى للعلاج. أما الرجال فوق عمر 75 سنة الذين يعانون من مشكلات صحية لا تؤمن لهم العيش لأكثر من 10 سنوات أخرى فإنهم لن يجنوا الفوائد من الفحص.

وأخيرا فإن علينا أن ننتظر نتائج جديدة أخرى، إذ إن تجارب «PLCO» و«ERSPC» ودراسة غوتنبرغ لا تزال متواصلة. كما أن «تجربة التدخل لعلاج سرطان البروستاتا مقارنة بمراقبته» الأميركية PIVOT (Prostate Cancer Intervention Versus Observation Trial) وكذلك دراسة «بريتيش بروتيكت تي» (اختبار البروستاتا لرصد السرطان وعلاجه) البريطانية British ProtecT (Prostate testing for cancer and Treatment)، لا تزال جارية الآن. وإضافة إلى ذلك فإن الباحثين يعكفون على تطوير وسائل أفضل لتشخيص سرطان البروستاتا.

وحتى الآن فإن الأمر الذي يتفق عليه الجميع سواء من المدافعين أو المنتقدين لفحص «PSA» هو ما عبر عنه الدكتور مايكل باري الباحث في جامعة هارفارد بقوله إن فحص «PSA» هو «موضوع مثير للجدل يرفض أن يدفن».

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا»