سيدة تتحمل 11 سنة من النوبات المزعجة قبل اكتشاف سببها

سر التشخيص كان «مدفونا» في سجلها الطبي

TT

خلال الإحدى عشرة سنة التي تعايشت فيها سونيا ماكدونالد – وأفراد أسرتها - مع النوبات، كانوا يفكرون فيما يمكن فعله عندما تشعر بنوبة أو عندما يلاحظون بأنفسهم اقتراب إحداها.. فإن كانت تقود سيارتها كان عليها أن توقف السيارة على جانب الطريق مثلا، فيما درب زوجها أطفالها على كيفية الإمساك بعجلة القيادة إذا لم تكن قادرة على القيادة، وهو ما لم يحدث من قبل لحسن الحظ. ودائما ما يكون معها أحد ما أثناء الاستحمام تحسبا لفقدانها الوعي. وإذا حدث ذلك في الحضانة التي تعمل بها، كانت سونيا تراهن على قدرتها على الوصول إلى سرير شاغر.

* نوبات غريبة

* على مدى سنوات حدد الأطباء تشخيصات مختلفة لما تعانيه من نوبات كانت تبدأ بشعور غريب بارتباك وتشوش في الاتجاهات يصاحبه أحيانا الخوف. وكانت تحملق في الفراغ وأحيانا تمد يديها لتمسك بأشياء غير مرئية أو تفقد الوعي لفترة قصيرة. كانت تلك النوبات التي كانت تدوم لدقيقتين في أغلب الأحوال، تداهمها دون سابق إنذار مما يسبب لها إرهاقا وشعورا بالبرد لكن دون أن تتذكر ما حدث.

واتفق الكثير من الاختصاصيين على أن الحالات كانت عبارة عن نوبات تعقب أحيانا الصداع النصفي. لكنها تساءلت كيف تصاب بنوبات صداع نصفي إذا كانت نوبات الصداع التي كانت تصاب بها من آن إلى آخر لم تكن مؤلمة. نحا الأطباء هذا السؤال جانبا وتعايشت سونيا مع ما تعانيه. وقالت سونيا البالغة من العمر 39 عاما: «لقد أخبرت زوجي أنني لن أعرض حالتي على طبيب آخر. أعتقد أنه عندما أسقط مغشيا علي سيصدقني أحدهم».

عام 2009 فحص طبيب أعصاب آخر حالتها واكتشف ما الذي تعاني منه. وعرف ذلك الطبيب أن الجواب كان مدفونا في سجل سونيا الطبي لسنوات.

* الثبات في المكان

* كانت سونيا تلتقط ابنها الرضيع عام 1998 عندما داهمتها أول نوبة. وبوصولها إلى مهد الطفل شعرت بخدر مفاجئ في الجانب الأيسر من جسدها ولم تستطع التحرك من مكانها. انتهت النوبة في غضون ثوان معدودات، لكنها شعرت بخوف شديد، فاتصلت بطبيب الأسرة الذي رأى أنها أصيبت بجلطة عابرة. أحيانا يطلق على تلك الحالة جلطة صغيرة عابرة تتسبب في نقص التروية الدموية ليس لها آثار خطيرة دائمة، لكنها قد تكون مؤشرا للإصابة بسكتة دماغية تسبب الشلل. وقد أجرت أشعة بالرنين المغناطيسي أكدت عدم وجود أي مؤشرات على الإصابة بجلطة عابرة.

بعد ذلك بعدة أشهر وبعد تكرار إصابتها بالنوبات، طلب منها طبيب الأعصاب إجراء أشعة بالرنين المغناطيسي أظهرت إشارة غير سارة إلى الإصابة بتليف المخ، وطلب منها استشارة جراح أعصاب لاحتمال إصابتها بورم خبيث في المخ. وبعد أسابيع من القلق عرفت أن التليف لم يكن سوى وعاء دموي.

لكن لم يستطع الأطباء معرفة سبب النوبات المتكررة. وقالت وهي تتذكر ما حدث: «كنت أشعر بقرب مجيء نوبة عند الإحساس بشعور غريب لا يمكنني وصفه. وقال زوجي إنني أحيانا أحملق في الفراغ وأمد يدي لأمسك أشياء غير موجودة أو أطيل الحديث عن الغسيل وأهذي أو أتلمظ شفاهي». لم تكن سونيا تتذكر تلك النوبات وذهل الأطباء المعالجون لها لأن التحاليل والأشعة ومنها قياس موجات الدماغ لم تكشف عن أي خلل. وقالت سونيا: «لذا لم أهتم بالأمر».

وفي نحو عام 2002 شخص أحد أطباء الأعصاب ما يحدث لسونيا بأنها نوبات ربما يكون سببها الصداع النصفي. وقالت سونيا: «كنت أصاب أحيانا بالصداع، لكنني لم أكن أظن أنه صداع نصفي». ووصف الطبيب لها دواء «فينوباربيتال» المنوم والمضاد للنوبات الذي كان يستخدم يوما لعلاج الصرع، لكن لم يعد استخدامه شائعا بعد ظهور عقاقير جديدة ذات آثار جانبية أقل. وأوضحت سونيا أنه بعد 6 أسابيع امتنعت عن تناول الدواء لأنه لم ينجح في السيطرة على النوبات التي كانت تنتابها وكان يجعلها تشعر بالتعاسة.

بعد مرور عام وعدم شعورها بأي تحسن استشارت طبيب أعصاب في مستشفى تعليمي كبير في ولاية بنسلفانيا. وكان تشخيصه هو تصلب الأنسجة المتعدد الذي بدا غير مرجح بعد إجرائها لاختبار بزل العمود الشوكي الذي أكد أن حالتها طبيعية.

في عام 2004 قادت السيارة لمدة 3 ساعات حتى وصلت إلى مستشفى تعليمي آخر في ولاية ماريلاند. أخبرها طبيب الأعصاب بالمستشفى أنها لا تعاني من تصلب الأنسجة المتعدد وشك أن يكون ما تعانيه هو نوبات صداع نصفي وهو التشخيص الذي سمعته من أطباء كثر آخرين وصفوا لها عقاقير لعلاج الصداع. وقالت: «لم أكن أعرف ما العمل فأحيانا أتجادل مع الأطباء وأخبرهم أن العقاقير التي يصفونها لي لعلاج الصداع النصفي لكن لم يكن أحد ينصت إلي على ما يبدو».

وقررت أن أفضل ما يمكن القيام به هو الصمود. زادت النوبات وبدأت تداهمها أثناء النوم. وقالت إن زوجها، الذي يعمل حارسا في سجن، يخبرها أنها كانت تجلس متيبسة في السرير وحاول أن يجد دليلا على ذلك، لكنه عندما كان يلتقط هاتفه الجوال أو كاميرا الفيديو كانت النوبة تكون قد انتهت.

وأخيرا حل اللغز عام 2009 سيطرت النوبات على حياة سونيا، فقد كانت تنقل من عملها إلى غرفة طوارئ قريبة مرات كثيرة بعد أن تفقد الوعي. لكن لم يكن الأطباء يرون أنها تعاني من أي مشكلة. وتقول سونيا إنها كانت «تخاف الذهاب إلى أي مكان. فما الذي يمكن أن يحدث إذا كنت في متجر وحدث لي ذلك؟».

لقد هاجمتها النوبة ذات مرة في متجر للبقالة وهي تقف في طابور الانتظار لدفع الحساب وشعرت بإحراج شديد. وكانت قيادة السيارة هي مثار قلقها الأكبر وكان من الواضح أن الصمود لم يكن مجديا. وعلى مضض وافقت على إحالتها على طبيب آخر لكنها كانت تشك في قدرته على مساعدتها. وكانت أول زيارة للدكتور فرانك جيليام، رئيس قسم طب الأعصاب بنظام رعاية غايسنجر بدانفيل في ولاية بنسلفانيا في سبتمبر (أيلول) 2009. وطلب منها الطبيب إجراء تخطيط كهربائي للدماغ يتطلب المتابعة المستمرة في المستشفى والإقامة بها لمدة 10 أيام أو أكثر حتى يتم التقاط صور دقيقة للنوبات وعمل تخطيط كهربائي للدماغ أخبر الطبيب الزوجين أنه اكتشف سبب النوبات.

ودخلت سونيا المستشفى في 19 أكتوبر (تشرين الأول) وفي صباح اليوم التالي أخبرها جيليام أنها بعد نومها بوقت قصير انتابتها نوبة. وقالت سونيا: «لقد ذهلت فأنا لم أتذكر ذلك». وبعد تسجيل المزيد من النوبات خلال الليلتين التاليتين، توصل جيليام إلى تشخيص الحالة وصرح لها بالخروج من المستشفى. لقد كانت سونيا تعاني نوعا من الصرع يتخذ شكل نوبات صرع جزئية معقدة كان يطلق عليها في الماضي صرع الفص الصدغي. وقال إن هذا التشخيص كان واردا في سجلها الطبي منذ 6 سنوات عندما وصف لها أحد الأطباء دواء الفينوباربيتال. وأوضح لها أن العلاج لم يستمر عندما لم يظهر فاعلية وعندما امتنعت عن تناوله.

وقال جيليام، اختصاصي الصرع: «لا أعتقد أنك أصبت يوما بصداع نصفي» رغم أن 30% تقريبا من المصابين بالصرع يعانون منه. وقال إن أعراض سونيا كانت «تشير بوضوح» لإصابتها بنوبات صرع جزئية معقدة كانت تعقبها حملقة في الفراغ والتمتمة بكلام غير مفهوم وتلمظ الشفاه.

وبحسب مقال في موسوعة «إي ميديسين» الطبية على شبكة الإنترنت، فإن معدل الوفيات بين الذين يعانون من نوبات الصرع الجزئية المعقدة أكبر من الأصحاء بنسبة تتراوح بين 2 إلى 3 بسبب تعرضهم للسقوط أو حوادث أخرى خطيرة. يمكن أن يؤدي ارتجاج المخ والإصابة بعدوى إلى الإصابة بهذه النوبات التي تعيق الوعي والتي يمكن أن تتسبب في فقدان مؤقت للوعي. أحيانا لا يوجد سبب واضح في بعض الحالات مثل حالة سونيا. وقالت سونيا إن رد فعلها الأولي كان الشعور بالارتياح. وقالت: «لا أريد القول إنني كنت سعيدة عندما وجدوا السبب. لقد ظللت أعاني لأحد عشر عاما».

* نوبات صرع «جزئي»

* قال جيليام إن بعض مرضاه لم يتمكن طبيب من تشخيص حالتهم بأنها نوبات صرع جزئية على مدى 15 عاما. وقال: «لقد رأيت مريضين الأسبوع الماضي يعانون حالة سونيا نفسها». وأشار إلى أن الصعوبة التي يواجهها هؤلاء المرضى في وصف هذه النوبات وإيجازهم ربما يساهم في تأخر تشخيص المرض. وأضاف جيليام أن هناك تراخيا من جانب بعض الأطباء في السعي نحو التوصل إلى التشخيص السليم.

الإصابة بالصرع تعني امتناع سونيا عن قيادة السيارة لمدة 6 أشهر إلى حين التخلص من النوبات.

جراحة عندما لا يكون للعقارات فاعلية، يمكن علاج النوبات من خلال الجراحة واستئصال جزء من الدماغ الذي يسبب النوبات. لكن يمكن لهذه الجراحة أن تؤدي إلى الإصابة بجلطة أو الوفاة المفاجئة. وقالت سونيا إنها تريد الخضوع إلى الجراحة أملا في أن تنهي النوبات التي استهلكت جزءا كبيرا من حياتها. في 2 فبراير (شباط) 2010 خضعت إلى عملية جراحية تسمى جراحة الفص الصدغي من خلال فدغ الجمجمة والتي استغرقت 10 ساعات. قام جراحو الأعصاب خلال العملية باستئصال جزء من قرن آمون hippocampus في محاولة لتهدئة النوبات.

توقفت نوبات الصرع التي تنتاب سونيا منذ ذلك الحين وتم تقليل الجرعات الدوائية التي تتناولها. وتتوقع سونيا أن تتوقف تماما عن تناول الدواء العام المقبل. وقالت إنها ستظل ممتنة لجيليام إلى الأبد لأنه من اكتشف سبب النوبات وأنهى أحد عشر عاما من الإحباط والخوف. وقالت: «كيف يمكنك رد الجميل لشخص أعاد لك حياتك؟».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»