نظرة جديدة على.. الجيوب الأنفية

تعريف جديد يحددها كمجموعة من الاضطرابات والالتهابات

TT

الجيوب الأنفية، هذه الفجوات المجوفة المختبئة في العظام حول الأنف، لا تثير في العادة اهتماما كبيرا. لكن ما من شيء يجعل المرء مشتاقا إلى جيوب أنفية صحية مثل الإصابة بالتهاب الجيوب الأنفية، تلك الحالة التي تشعر المرء وكأن رأسه ممتلئة بالإسمنت، ويواجه صعوبة في التنفس.

بالنسبة لملايين من الناس، قد تمتد المعاناة من التهابات الجيوب الأنفية لشهور، بل وربما لسنوات، وقد لا يتمكن التدخل الطبي من حلها. كان التركيز منصبا في السابق على المضادات الحيوية للقضاء على العدوى التي يعتقد الكثير من الخبراء أنها تسبب التهابات الجيوب الأنفية المزمنة. بيد أن الكثير من المرضى واجهوا انتكاسات دعت الباحثين والأطباء إلى التساؤل حول صحة افتراضاتهم.

نظرة جديدة

* ويرى دكتور براديلى ماربل، طبيب الأنف والأذن بجامعة تكساس والمركز الطبي بدالاس، أن العقد الماضي شهد بروز نظرة جديدة لمرض التهاب الجيوب الأنفية. وقال: «عندما تراجع الناس خطوة إلى الوراء ونظروا إلى التهاب الجيوب الأنفية على أنها التهاب مشابه للربو إلى حد كبير، حينها ظهر لهم أـنهم ربما لا يتعاملون مع مرض معد طوال الوقت». وأضاف: «وفى مثل هذه الحالة قد لا تساعد المضادات الحيوية كثيرا».

وقد أعاد الأطباء التركيز على المعالجة عن طريق مهاجمة الالتهاب الداخلي للجيوب الأنفية المزمنة، باستخدام مضادات الالتهاب مثل العقاقير السترويدية. ويسعى العلماء إلى كشف أسباب الالتهاب في المقام الأول.

ويشكو ملايين البالغين سنويا من التهاب الجيوب الأنفية. وعادة ما تقوم الجيوب الأنفية بإنتاج مادة مخاطية وتقوم بتصريفها عن طريق الفتحات الصغيرة للممرات الأنفية. ولكن في حالات التهاب الجيوب الأنفية، كما يعرف هذا الاضطراب علميا، يحدث انتفاخ لكل من الأنف والجيوب الأنفية مما يسد ممرات التصريف هذه.

وتكون النتيجة عبارة عن أنف متخمة (مسدودة) وسيلان متواصل لمادة مخاطية صفراء أو خضراء. ويظهر الألم أو الضغط حول العينين أو الوجه، وأحيانا ما تكون مصحوبة بصداع وألم بالأسنان.

وتقول ساندي مارتينز، التي تبلغ من العمر 43 عاما والتي تعمل مدرسة بسانتا كروز، بولاية كاليفورنيا وتعاني من التهاب الجيوب الأنفية منذ ست سنوات: «أصبح الضغط سيئا للغاية، كنت أريد أن أفتح جيوبي الأنفية لأخرج هذه المادة، لأنه يضغط بشدة على وجهي».

قد تستمر نوبات التهاب الجيوب الأنفية قصير المدى حتى أربعة أسابيع، في حال وجود بكتيريا يمكن علاجها باستخدام المضادات الحيوية والسترويدات. ولكن الأمر لا يكون بهذه البساطة في ظل الأعراض القوية لالتهاب الجيوب الأنفية المزمن، الذي من الممكن أن يصيب ما يقرب من 14 في المائة من الأميركيين، وفقا للبيانات الذاتية، ويقول بعض الخبراء إن هذه الأرقام مبالغ فيها.

تعريف المرض

* وحتى وقت قريب، لم يتم التوصل إلى اتفاق حول ماهية التهاب الجيوب الأنفية بدقة. بيد أن عام 2003 شهد قيام الكثير من الجمعيات الطبية بإعادة تعريف المرض لا كمرض واحد، بل كمجموعة من الاضطرابات في الجيوب الأنفية والتهاب الأنف التي تستمر على الأقل لمدة 12 أسبوعا. ومن الممكن أن تنتج المشكلة عن أسباب متعددة.

وتتعدد العوامل المهيئة لمشكلات الجيوب الأنفية المتكررة، بدءا من انحراف الحاجز الأنفي ومثيرات الحساسية السيئة وحتى نقص المناعة. ولكن كيفية حدوث المرض ظلت لفترة طويلة لغزا محيرا. وعبر السنوات، قفز العلماء من نظرية إلى أخرى تعد بشرح الأسباب التي جعلت الجيوب الأنفية مرضا مزمنا.

ويرى دكتور جيمس إن. بالمر، مدير قسم طب الأنف بجامعة بنسلفانيا، مازحا، أن التهاب الجيوب الأنفية هو عبارة عن «صفة تعد كموضة لفترة قصيرة»، كما يقول. «ففي مرحلة ما كانت هذه الاعتقاد السائد أن السبب عدوى بكتيرية. وبعد ذلك أصبح، كل ما عليك فعله هو فتح الجيوب الأنفية عن طريق عملية جراحية وكل شيء سيخرج. ونظرية أخرى جديدة تلقي باللائمة على الحساسية للفطريات والتي ربما تكون السبب في السواد الأعظم من حالات التهاب الجيوب الأنفية المزمن».

لم تثبت أي من هذه الأفكار أنها الإجابة عن التساؤل. فربما كانت الحساسية للفطريات سببا في بعض الحالات فقط. وعلى الرغم من قدرة التدخل الجراحي في حدوث ارتياح كبير عبر إزالة الشعيرات الملتهبة والمخاط الأنفي التي تعتبر المصدر الشائع لسد الجيوب الأنفية، لكن المادة المخاطية عادة ما تعيد التكون مرة أخرى.

وتسعى مجموعات بحثية مختلفة الآن تقديم تفسيرات أخرى للاستجابة الالتهابية المفرطة غير الطبيعية التي تحدث في التهابات الجيوب الأنفية المزمنة. بعض منها يبحث عن مواطن ضعف دفاعات المناعة الفطرية للجيوب الأنفية والأنف. والبعض الأخر يدحض دور البكتريا، التي تستطيع أن تحفز الالتهاب عن طريق وجودها فقط ودون الحاجة إلى إحداث عدوي.

طبقات البكتيريا

* ويقوم دكتور بالمر وزملاؤه بمحاولة استكشاف دور طبقات رقيقة جدا من البكتيريا التي تسمي «بيوفيلم» (الطبقة البيولوجية الرقيقة جدا) في حدوث التهاب الجيوب الأنفية المزمنة. وتكهن الباحثون أنه في بعض الأفراد، تستطيع البيوفيلمز، خاصة تلك التي تحتوى على بكتيريا «الزوائف الزنجارية» Pseudomonas aeruginosa أو المكورات العنقودية Staphylococcus aureus إثارة جهاز المناعة لتحديد الاستجابة الزائدة للالتهابات والتي تؤدي إلى أعراض التهاب الجيوب الأنفية. ولأن تركيب طبقات «البيوفيلم» يجعل من الصعب على المضادات الحيوية قتل البكتيريا، فمن الممكن أن تكون العملية الجراحية لإزالة أنسجة الجيوب الأنفية الملتهبة هي أفضل طريقة للتعامل مع هذه المشكلة، كما قال دكتور بالمر.

نظريات مختلفة

* ويقدر دكتور بالمر أن طبقات «بيوفيلم» تلعب دورا في 25 إلى 30 في المائة من حالات التهاب الجيوب الأنفية المزمن. ولكن تبقى النظرية غير مثبتة، ومن الممكن أن تكون هذه الطبقات مجرد شاهد بريء، إذ إن نتائج وجودها لدى الكثير من المرضى بهذا المرض المزمن كانت سلبية، بينما كانت إيجابية، أي موجودة، لدى بعض الأصحاء.

ويقدم كلاوس باشرت، دكتور الأنف والإذن والحنجرة بمستشفى جامعة غنت في بلجيكيا، وهى أن بكتيريا المكورات العنقودية تقوم بإطلاق مادة سامة أو «المضاد الفعال» superantigen عند أولئك الذين يعانون من التهاب الجيوب الأنفية المزمنة والأورام الأنفية، فتطلق العنان لعاصفة من الالتهابات. وقال إن هؤلاء المرضى «يعانون حقا أكثر من غيرهم». فغالبا ما تكون لديهم أورام متكررة الحدوث وربو شديد، ربما عن طريق نفس عملية الالتهاب.

وفى محاولات غير منشورة، قام فريقه بفحص العقاقير التجريبية لمحاربة الالتهاب التي تستهدف بروتينات المناعة (آي جي إي أو) «إنترلوكين فايف» عند مرضى السليلة المخاطية، وكانت النتائج مشجعة كما قال الدكتور باشرت. وفى بحث آخر وجد أن «الدوكسيسيلين» وهو مضاد حيوي مضاد للالتهاب أيضا، وتشير الفرضية الأخرى التي اقترحها الدكتور كلاوس باشرت، دكتور الأنف والأذن والحنجرة في مستشفى جامعة غنت في بلجيكا إلى أن بكتيريا المكورات العنقودية تطلق مادة سامة أو مولدات المضادات في مرضى التهاب الجيوب الأنفية المزمن الذين يعانون من السليلة المخاطية ما يؤدي إلى إطلاق عاصفة من الالتهابات. مثل هؤلاء المرضى يعانون بشكل أكبر من غيرهم. وعادة ما يعاودهم ظهور السليلة المخاطية ويعانون من ضيق النفس، وربما عبر عملية الالتهاب، وتقدم فوائد طويلة المدى في تقليص السليلة المخاطية الأنفية أكثر مما فعلت «السترويدات».

وبغض النظر عن مسببات التهاب الجيوب الأنفية المزمن، فإن هدف المعالجة هو التحكم في الالتهابات ومساعدة الجيوب الأنفية على التصريف.

ويرى الدكتور بالمر أن خط التدخل الأول الأكثر فاعلية هو غسل الأنف باستخدام أداة غسل خاصة أو غسول من محلول ملحي، التي تساعد على تدفق المواد المخاطية وأي بكتيريا التهابات أو مثيرات الحساسية بها. وأضاف «إذا جعلت كل الأشخاص الذين يعانون من التهابات الجيوب الأنفية المزمنة في العالم، يستخدمون غسول محلول ملحي للأنف، لن تعانى نسبة كبيرة منهم من أي أعراض على الإطلاق».

وربما تكون أدوية تخفيف الالتهابات بما فيها «السترويدات» وجراحات الجيوب الأنفية مفيدة أحيانا في إزالة عوائق تنظيف المادة المخاطية. ولكن يبقى التهاب الجيوب الأنفية المزمن، بالنسبة لكثير من الناس «مرضا لن تتمكن من معالجته» كما قال. وكل ما يمكن أن تأمل به هو «القدرة على التعامل معه».

* خدمة «نيويورك تايمز»