الاستلقاء على الأرجوحة الشبكية.. للحصول على نوم أسرع

الممارسات القديمة للناس لها ما يبررها علميا

TT

الممارسات التراثية المختلفة لشعوب العالم، في الأكل أو النوم أو التنقل أو غيرها من سلوكيات الحياة، لها ما يبررها. وهي موروثات مستخلصة من تجارب كثيرة وعريقة، وربما بقايا معلومات طرحتها حضارات سابقة؛ لذا كثيرا ما تثبت فائدتها عند البحث العلمي حول حقيقة تأثيراتها.

ومن أمثلة ذلك إضافة قليل من عصير الليمون إلى لحوم الأسماك قبل تناولها. وهو ما ثبت أنه يفيد في تسهيل امتصاص الأمعاء لدهون أوميغا - 3 الصحية المتوافرة في المأكولات البحرية، وكذلك إضافة شعوب جنوب شرقي آسيا لقطع من ثمار الأناناس لأطباق اللحوم الحمراء أو الدجاج. وهو ما ثبتت، علميا، فائدته نظرا لاحتواء الأناناس على إنزيمات تساعد على تفتيت البروتينات وهضمها. وإضافة زيت الزيتون أو أنواع «الصوص» الدهنية للسلطات. وهو ما ثبتت فائدته في تسهيل الدهون النباتية لامتصاص الأمعاء للمواد المضادة للأكسدة الملونة الموجودة في الخضار. وكذا الحرص على إعداد وتناول لبن الزبادي، وهو ما أثبتت الدراسات الطبية المستفيضة جدواه صحيا. وهناك قائمة طويلة جدا من الأمثلة في ممارسات الشعوب المتعلقة بالأطعمة.

وفي شؤون الممارسات الحياتية الأخرى، هناك أيضا موروثات قديمة لشعوب مختلفة من العالم، أثبتت جدواها وفائدتها. والنوم من الممارسات اليومية للبشر، التي أثبتت الدراسات الطبية أهمية أن ينال منه المرء قسطا يوميا كافيا، وفي ساعات الليل بالذات. كما تحذر المصادر الطبية، مرارا وتكرارا، من التأثيرات السلبية لاضطرابات النوم، ومن اللجوء المزمن والمفرط إلى تناول الأدوية المسهلة للنوم. ونحن اليوم نعيش في عصر يتميز بأن كل ما حولنا لا يساعد أجسامنا على الخلود إلى النوم بشكل طبيعي؛ ذلك أن النوم الطبيعي لا يأتي بسهولة مع استخدام الإضاءة المنزلية بشكل لا داعي له، بدءا من مغيب الشمس، ومع الاستمرار في استخدام الهاتف الجوال في الليل، ومع الاستمرار لساعات في مشاهدة التلفزيون حتى في حجرات النوم، ومع غيرها الكثير من الممارسات التي تحرم الجسم من إنتاج المواد الكيميائية التي تسهل النوم الطبيعي.

لذا، لا نستغرب لو أن بعض الباحثين الطبيين حاول البحث في خبرات الشعوب القديمة حول كيفية تسهيل النوم. ومن ذلك ما عرضه الباحثون السويسريون في عدد 21 يونيو (حزيران) من مجلة «كارنت بيولوجي» Current Biology المعنية بالبحوث الحديثة في علم الأحياء، وتحدثوا فيه عن نتائج دراستهم تأثيرات التأرجح البطيء لسرير النوم على نوم البالغين، وأن تسهيل النوم مع اهتزاز الأرجوحة لا يختص فقط بالأطفال الصغار الذين ينامون بسهولة مع اهتزازات أرجوحة المهد، بل حتى إن البالغين يجدون في ذلك وسيلة طبيعية سهلة للخلود إلى النوم. واستلهم الباحثون وسيلة الاختبار من «الأرجوحة الشبكية» hammock.

وتذكر المراجع التاريخية أن كريستوفر كولومبس لاحظ استخدام السكان الأصليين لجزر الهند الغربية للأسرة المصنوعة من شبكة الحبال، والمعلقة بين الأشجار، ونقلها إلى أوروبا مع الأشياء الأخرى التي جلبها معه إلى العالم القديم. مثل الطماطم والبرتقال والبطاطا والقهوة والشوكولاته وغيرها. وصحيح أن استخدام «الأرجوحة الشبكية» تطور، ومنافعها تعددت للحماية أثناء النوم في الغابات أو غيرها، إلا أنها ظلت وسيلة للاستجمام على الشواطئ ومتعة للكثيرين في النوم. ولكن أيضا ظلت دون تعليل علمي لذلك.

وتقول الدكتورة صوفيا شوارتز، الباحثة المشاركة بالدراسة من جامعة جنيف: «هناك اعتقاد شائع بأن الاهتزاز والتأرجح يجلبان النوم، ومنذ أزمنة سحيقة ونحن نهز مهد الطفل كي نسهل عليه النوم. لكن لا يزال الغموض يكتنف آلية حصول هذا. وفي دراستنا كانت الأهداف اختبار مدى صحة تسهيل الاهتزاز لنوم البالغين، وأيضا محاولة فهم وتعليل كيفية حصول هذا على مستوى عمل الدماغ».

وقام الباحثون بدراسة نوعية نوم مجموعة من البالغين الأصحاء الذين لا مشاكل لديهم في النوم، عند نومهم على أسرة «الأرجوحة الشبكية». وقارنوا فيها بين تثبيت تلك الأسرة وتأرجحها واهتزازها، على نوعية النوم. وتمت في الدراسة مراقبة نشاط الدماغ بشكل علمي دقيق.

وتبين للباحثين أن تأرجح الاهتزاز يطيل في مدة المرحلة الثانية من مراحل النوم الخمس. والمرحلة الثانية هي التي لا تصاحبها «حركة العين السريعة»، وتمثل عادة نصف المدة من النوم الذي يوصف بأنه نوم مريح وجيد. كما لاحظ الباحثون أن تأرجح الاهتزاز ساعد في سرعة دخول الدماغ إلى مراحل النوم العميق وخروجه من حالة اليقظة. وأعطت الدراسة تفاصيل مثيرة لنشاط الدماغ وراحته خلال النوم تحت تأثير التأرجح البطيء والهادئ للاهتزاز.

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض