إخطار الإشعاعات النووية والتلوث.. لماذا تبدو مخيفة أكثر؟

14 عاملا تؤثر على إدراك الإنسان الحسي للمخاطر

TT

كارثتان بيئيتان وقعتا في ناحيتين بعيدتين من الكرة الأرضية – غطت وسائل الإعلام أحداثهما وردود فعل الجمهور تجاههما - أظهرتا بوضوح بعض المبادئ السيكولوجية (مبادئ علم النفس) الأساسية الخاصة بالإدراك الحسي perception.

عام 2010 أدت كارثة بقعة الزيت من آبار «ديبووتر هورايزن» إلى تدفق مليون من غالونات النفط نحو مياه خليج المكسيك. وفي عام 2011 تسربت الإشعاعات إلى الأجواء من منشأة فوكوشيما دييتشي النووية اليابانية التي تعرضت لأضرار بعد تعرضها لزلزال مدمر.

وقد طغت أنباء هاتين الحادثتين على نشرات الأخبار على مدى أسابيع، وأدت إلى إثارة المخاوف والقلق حتى لدى أناس يعيشون على مسافات بعيدة منهما ولا يتأثرون بهما. وعلى سبيل المثال أدى انتشار أنباء حول حبوب يوديد البوتاسيوم التي يمكنها درء حدوث سرطان الغدة الدرقية الناجم عن التعرض للإشعاع، إلى لجوء أعداد كبيرة من السكان لتخزينها في الولايات المتحدة التي تبعد آلاف الأميال عن موقع الكارثة، حتى بعد أن وضح أنه لا توجد دلائل على وجود تعرض متزايد للإشعاع النووي.

عوامل مؤثرة

* إن الإدراك الحسي بالخطر، نادرا ما يكون عقلانيا، وبدلا من ذلك فإن الناس يقيمون الأخطار بتوظيف خليط من المهارات الإدراكية (تقييم الأدلة، الاعتماد على التفكير والمنطق للتوصل إلى الاستنتاجات)، وتقييم المشاعر (الحدس أو التصورات).

وقد قدم ديفيد روبيك الخبير في المخاطر بعد مراجعته للأبحاث، 14 من العوامل المحددة، التي تؤثر على الإدراك الحسي للمخاطر.

منشأ الخطر وطبيعته

* الثقة بالمسؤولين: عندما يثق الناس بالمسؤولين الذين يقدمون المعلومات لهم حول خطر معين، أو عن عملية جارية لتقييم الخطر، فإن مخاوفهم تقل مقارنة بالمخاوف التي تتولد لديهم عند توفر أجواء عدم الثقة بالمسؤولين.

* منشأ الخطر: الناس لا يأبهون كثيرا بالمخاطر التي يعرضون أنفسهم إليها، مقارنة بالمخاطر التي قد يتعرضون إليها من قبل الآخرين. فهم فمثلا يغضبون عندما يرون شخصا يتكلم في الجوال وهو يقود سيارته، بينما لا يأبهون عندما يقومون بنفس الشيء هم أنفسهم.

* خدمة «التحكم في الخطر»: الإدراك الحسي لإمكانية التحكم في النتائج يلعب دوره أيضا، إذ إنه يساعد على تفسير سبب عدم خوف شخص ما من قيادة سيارته - على الرغم من أن تصادم السيارات يقتل الآلاف من الناس سنويا - إلا أنه يخاف من ركوب الطائرة.

* طبيعة الخطر: المخاطر في الطبيعة، مثل التعرض لأشعة الشمس، يتم إدراكها حسيا بوصفها مخاطر حميدة نسبيا، مدى الخطر وتصوراته

* بينما تكون الطبيعة الصناعية المؤذية، مثل حوادث الطاقة النووية، أو الهجمات الإرهابية، أكثر تهديدا.

* المدى: إن الأحداث المدمرة التي يمكنها أن تقود إلى مقتل الكثير من الأفراد في وقت واحد، تكون مخيفة أكثر من الأحوال المزمنة التي يمكنها قتل عدد كثير أيضا من الأفراد، ولكن على مدى طويل. وهذا ما يسمح بتفسير السبب الذي يخاف الناس فيه أكثر من الـ«تسونامي» أو الزلازل مقارنة بالنوبة القلبية أو مرض السكري.

* التوعية: التغطية الإخبارية المشبعة للكوارث الشهيرة تزيد من الوعي بمخاطر معينة أكثر من غيرها، وعلى نفس المنوال فإن الحادثة التي تكون قريبة من الشخص، مثل تشخيص مرض السرطان لدى أحد الأصدقاء، تزيد من الإدراك الحسي للخطر.

* التصورات: عندما تكون المخاطر غير مرئية أو يصعب فهمها، تلتبس الأمور على الناس حول طبيعة الخطر، وتصبح الحادثة مخيفة أكثر.

* الفزع: الحوادث التي تسبب الفزع، مثل الغرق أو التهام الحيوانات لشخص حي، تخيف الناس أكثر من الحوادث الأخرى.

*التأثير على الأعمار الصغيرة: يكون الخطر مخيفا أكثر، إن كان يؤثر على الأطفال، فوجود الأسبست خطر مبهم ومعروف

* في مدارس الأطفال مخيف أكثر من وجوده في معمل ما.

* اللاتعيين: الحوادث تثير مخاوف أكبر عندما لا يتحدث المسؤولون عما يعرفونه، أو عندما يكون الخطر مجهولا. وفي حادثة تدفق النفط في خليج المكسيك، مثلا، كان بمقدور المسؤولين تقدير كمية النفط المتسربة ببساطة أكثر من قدرتهم على التنبؤ بتأثيره على الحياة البحرية والسمك.

* خطر معروف: المخاطر الجديدة تدرك حسيا على أنها أكثر خطورة من المخاطر المعروفة، ولذلك فإن فيروس غرب النيل، مثلا، يدرك حسيا على أنه خطر أكبر على الصحة.

* ضحايا معروفو الهوية: الضحايا الذين يقوم الإعلام بتعريف هوياتهم يولدون ردود فعل عاطفية أكثر من الضحايا المجهولين.

* التأثير الشخصي: المخاطر التي تؤثر على الإنسان شخصيا تكون مخيفة أكثر، مقارنة بالأخرى التي تؤثر على الأشخاص الغرباء.

* عامل المتعة: الانخراط في سلوك خطر ربما لا يكون دراسة تأثير المخاطر

* وسيلة جيدة لجلب السرور، ومن الأمثلة عليه الرياضة الشديدة الخطر.

لا يوجد هناك شك في أن الناس الذين يعيشون في مواقع قريبة مباشرة من مواقع الكوارث الكبرى، يعانون من مشكلات عقلية إضافة إلى معاناتهم البدنية، فإعصار كاترينا مثلا أدى إلى زيادة في عدد الإصابة بالاضطرابات العصبية، والإدمان على المخدرات، والعنف المنزلي بين الأشخاص الذين عاشوا في المناطق المنكوبة.

أما الأشخاص المتأثرون بشكل غير مباشر بالكوارث – وفقا لوسائل الإعلام - فإن الخطر الحقيقي عليهم هو الإدراك الحسي العالي أو المبالغ فيه للمخاطر، وهو أمر ليست له أي أسس قوية في الواقع. ولذلك فإن التدقيق في تأثيرات الخطر على المستقبل ستساعد الخبراء على درء حدوث مخاوف لا مبرر لها، وستجاوز أي عوائق توضع أمام الخطوات اللازمة للتكيف مع نتائج تلك المخاطر.

* رسالة هارفارد للصحة العقلية، خدمات «تريبيون ميديا»