الجراحة بالروبوتات.. هل هي أفضل من الجراحة التقليدية؟

تجربة تسويقية باهظة الثمن تستفيد منها الشركات المصنعة أكثر من المستشفيات

TT

انتشرت إعلانات تروج داخل المستشفيات للعمليات الجراحية بالروبوتات. هل هي أفضل من العمليات الجراحية التقليدية؟

نفذت أول جراحة روبوتية في أواسط الثمانينات من القرن الماضي. وتجرى الآن آلاف الجراحات بمساعدة الروبوتات. ولعل أفضل عبارة لوصف هذه العمليات هي أنها عملية «توظيف الأدوات الروبوتية» (robotic instrumentation) لأنه وفي كل الأحوال يوجد جراح من البشر يشرف عليها ويتحكم بيديه فيها.

جراحة المنظار

* وحتى ومن دون استخدام الروبوتات فإن الكثير من العمليات الجراحية لم تعد تستخدم الأيدي بكثرة كما كانت في الماضي. وعلى مدى عقود من السنين أخذ الجراحون ينفذون عمليات شائعة في البطن - مثل استئصال المرارة بواسطة جراحة المنظار - وهي أداة تشبه الأنبوب تصمم بكاميرا فيديو موضوعة عند طرفها - وكذلك الأدوات الجراحية الطويلة الأخرى التي تدخل إلى الجسم عبر شق صغير.

ويراقب الجراحون الصور المكبرة على شاشات إلكترونية لرؤية ما يقومون به، ولذا يكون بمقدورهم التحكم بحركة الأدوات. وقد تدرب الجراحون تدريجيا على هذه العمليات، وأضحت الجراحة بالمنظار أسهل في بعض الجوانب من جراحة شق الجسم ورؤية ما في داخله على المكشوف ولمس أنسجة المريض الخاضعة للجراحة. كما أن الشقوق الصغيرة التي تتطلبها عمليات الجراحة بالمنظار أدت إلى فروق كبيرة في وضعية المرضى، إذ قلت آلامهم، وقل حدوث الندوب، كما قلت فترة شفائهم، وفترة تنويمهم في المستشفيات.

جراحة روبوتية

* وقد جرى الترويج للجراحة الروبوتية بوصفها الجيل الجديد لجراحة المنظار. وفي أغلب العمليات الشائعة لها لا يقف الجراحون قرب طاولة العملية، بل يتابعون لقطات شريط مصور على الشاشة يعرض الصور المجسمة. ويستخدمون أدوات تحكم بالكومبيوتر لتوجيه الأذرع الروبوتية الكبيرة التي تقوم بالمناورة والتحكم بالأدوات الجراحية في داخل الجسم.

وهذه الروبوتات غالية الثمن (أكثر من مليون دولار للواحد منها)، كما أن كلفة إدارتها عالية (إذ تستخدم أدوات جراحية لمرة واحدة فقط أثناء كل عملية جراحية).

فائدة أم بدعة؟

* إنها تقنية مدهشة، لكن ما فوائدها؟ ومن سوء الحظ أنه لا يوجد إلا القليل من الدلائل حتى الوقت الحالي التي تشير إلى أن الجراحة الروبوتية تفيد المريض أو الجراح. وعلى سبيل المثال لم تشِر الدراسات التي قارنت بين الجراحة الروبوتية وجراحة المنظار على غدة البروستاتا إلى أي تحسن حقيقي لفترة الشفاء، أو في النتائج الوظيفية النهائية (مثل تأثيرها على حدوث العجز الجنسي، أو المشكلات البولية).

ومع هذا يقتني الكثير من المستشفيات هذه الروبوتات لا لحاجتها الطبية إلى هذه الآلات أو لفوائدها المعروفة، بل نتيجة ذكاء الشركات الصانعة للروبوتات الطبية في الترويج لها وتسويقها.

وما إن يمتلك المستشفى الآلات الروبوتية هذه حتى يشرع في تبرير مقتنياته بالترويج للجراحة الروبوتية، ولذلك نشهد الإعلانات عنها داخل المستشفيات.

ويوظف الجراحون الآن هذه الآلات لإجراء عمليات القلب والمستقيم والغدة الدرقية، وغيرها. ويجري الجراحون في مستشفى ماساتشوستس العمومي، الذي أعمل فيه، عمليات الجراحة الروبوتية.

ومع تفتحي للأفكار ورؤيتي لبعض الفوائد من هذه الآلات، إلا أنني ومع هذا أرى أن الجراحة الروبوتية هي عبارة عن تجربة تسويقية عالية التكاليف باهظة الثمن تستفيد منها بالدرجة الرئيسية الشركات المصنعة لها. وينبغي على مؤسسات الرعاية الصحية أن تتجنب الوقوع في فخ المقولة التي تقول: «إن كل ما هو جديد.. أفضل دوما».

* طبيب في متشفى ماساتشوستس العمومي، عضو هيئة تحرير رسالة «هارفارد» الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».