الأطفال.. ومخاطر سوء التغذية

يتسبب في نحو 50% من مجمل وفيات الأطفال في الدول النامية

TT

أصبحت مشكلة سوء التغذية مشكلة عالمية يعانيها الكثير من الناس حول العالم، خاصة الرضع والأطفال المبتسرين (الخدج) والأطفال في المراحل الأولى من العمر.

وفي تعريف منظمة الصحة العالمية (WHO) لسوء التغذية، أوضحت أن الخلل يحدث في الخلايا بين كمية الغذاء والطاقة وبين احتياجات الجسم ليستمر في النمو والقيام بوظائفه الحيوية. ومن أكثر الفئات تأثرا بسوء التغذية: النساء والأطفال؛ إذ يتعرض ما يقرب من 25% إلى 50% من النساء في أفريقيا وجنوب آسيا لنقص الوزن، وهو الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى إنجاب رضع ناقصي الوزن (underweight).

ومن المعروف أن سوء التغذية يسهم بشكل كبير في وفيات الأطفال في الدول النامية بنسب تقترب من 50%، ويكفي أن نعرف أنه في عام 2001 كانت نسبة الوفيات بين الأطفال نتيجة لسوء التغذية تقترب من 54% من إجمالي نسبة وفيات الأطفال لأسباب مختلفة. وقد قدرت الأمم المتحدة أنه بحلول عام 2015 سوف تصل نسبة الأطفال الذين يعانون سوء التغذية إلى نحو 17.6% من تعداد سكان العالم.

هزال وتورم

* كان لفظ سوء التغذية لنقص البروتين قد تم استخدامه للمرة الأولى عام 1920، ويتم استخدامه بكثرة الآن، خصوصا في الدول النامية؛ حيث يلعب فقر الظروف البيئية من النظافة والتهوية الجيدة والرعاية الصحية دورا في زيادة نسبة الإصابة بالعدوى الفطرية والطفيلية، التي تؤثر بدورها على صحة الطفل وتضعف من نموه.

ويتم تقسيم سوء التغذية نتيجة لنقص البروتين حسب وجود استسقاء أو تورم Edema، وكذلك الكثير من الفروق الإكلينيكية، إلى قسمين رئيسيين، وهما: «الهزال التدريجي marasmus» في حالة غياب التورم أو الاستسقاء بالجسم، و«الهزال لنقص البروتين kwashiorkor» الذي يصاحبه تورم واضح.

وبجانب نقص البروتين، يعاني ملايين الأطفال في العالم كله، خاصة في الدول النامية، نقص الفيتامينات والمعادن الضرورية للنمو، مثل الحديد واليود والزنك وفيتامين إيه، بينما شهدت معدلات نقص فيتامين بي وفيتامين سي تراجعا في السنوات الأخيرة.

أعراض سوء التغذية

* من المعروف أن نقص الغذاء يؤثر تقريبا على كل أنسجة الجسم؛ فالبروتين الموجود في الغذاء يدخل في صناعة الأحماض الأمينية اللازمة لبناء بروتين الجسم وتكوين العضلات والأنسجة المختلفة؛ لذلك يؤدي سوء التغذية إلى حدوث تغير كبير في الجهاز المناعي للطفل، وهو الأمر الذي يجعل الطفل عرضة للكثير من الأمراض، خاصة الإسهال، الذي يزيد من فقدان المواد الغذائية، كما يؤثر على فقدان الشهية، مما يزيد من تفاقم المرض.

وكذلك يتعرض الأطفال لتغير سلوكي نتيجة لسوء التغذية، ويتمثل في البلادة وعدم التفاعل الاجتماعي مع الآخرين والتأخر في اكتساب المهارات الحركية. وبالضرورة يحدث نقص في الوزن وتأخر في معدلات النمو، وتصاحبه أيضا أعراض نتيجة لنقص الفيتامينات والمعادن الموجودة في الجسم، مثل نقص الحديد الذي يؤدي إلى الأنيميا والإجهاد والصداع، ونقص فيتامين دي الذي يؤدي إلى لين العظام ومرض الكساح، ونقص فيتامين إيه الذي يؤدي إلى ضعف النمو والعمى الليلي وتغيرات في الشعر والأظافر، وكذلك نقص الزنك، ويؤدي إلى تضخم الكبد والطحال وزيادة الصبغة في بعض مناطق من الجسم وتأخر التئام الجروح والكثير من المشاكل الصحية.

ومن أهم العلامات المميزة لسوء التغذية: التورم الذي يعطي الشكل الخاص والمتضاد للأطفال الأفارقة ضحايا المجاعات؛ حيث يظهر هزال الجسم مع انتفاخ البطن نتيجة لضعف جدار البطن.

وإذا كان نقص الغذاء يلعب الدور الرئيسي في سوء التغذية في الدول الفقيرة، فإن العدوى بالأمراض، خاصة المزمنة منها، تمثل السبب الأساسي لسوء التغذية في الدول المتقدمة، وذلك لعدة أسباب، أهمها: أن الأطفال المصابين بأمراض مزمنة، مثل أمراض القلب أو الأورام السرطانية أو الفشل الكلوي، يعانون في أغلب الأحوال فقدانا للشهية، مما يؤثر على قدرتهم على تناول الغذاء، فضلا عن أن الالتهابات النسيجية، التي تصاحب الأمراض المزمنة، تزيد من أعباء الجسم وتؤدي إلى زيادة احتياجاته من السعرات الحرارية، كما أن الأمراض المزمنة التي تصيب الجهاز الهضمي أو الكبد تؤثر سلبا على الهضم والامتصاص والتمثيل الغذائي للطعام.

تشخيص سوء التغذية

* يتم أولا الحصول على التاريخ المرضي بدقة وعناية لمعرفة وجود أمراض مزمنة قد تكون المسبب لسوء التغذية، وكذلك معرفة مصادر المياه التي يشرب منها الطفل والعادات الغذائية للعائلة، ويجب خضوع الطفل للكشف الإكلينيكي الكامل وقياس الوزن ومعرفة إذا كان مناسبا للطول والعمر، خاصة في الأطفال أقل من 3 سنوات. وكذلك يتم التشخيص عبر قياس نسبة البروتين (الزلال) في الدم serum albumin، ويعتبر القياس الأهم. وكذلك إجراء صورة كاملة للدم (CBC)، التي من شأنها أن توضح وجود أنيميا نقص الحديد أو حامض الفوليك أو فيتامين بي 12. وأيضا قياس سرعة الترسيب التي تشير إلى وجود التهابات نسيجية، وقياس نسبه الأملاح والمعادن بالدم، وعمل تحليل كامل للبول والبراز.. ومن المهم الكشف عن وظائف الغدة الدرقية ووظائف الكلى.

الوقاية من سوء التغذية

* تتم الوقاية من سوء التغذية بداية من الحمل؛ حيث إن العناية الجيدة بالأم والتغذية السليمة لها تقللان من تعرض الجنين - والطفل مستقبلا - لسوء التغذية. كما يجب تشجيع الرضاعة الطبيعية في السنة الأولى من عمر الطفل، خاصة في الدول الفقيرة؛ حيث إن البدائل الصحية المعوضة للبن الأم لا تكون متوافرة – غالبا - في مثل هذه الدول.

وكذلك ينبغي تشجيع إعطاء المعادن والفيتامينات والأملاح اللازمة للنمو، خاصة الحديد واليود والزنك.. وتشير دراسات إلى أن إعطاء الزنك من الممكن أن يساعد في الوقاية من الإسهال، مما يساعد بدوره في الوقاية من مخاطر الإصابة بسوء التغذية. ويجب أيضا العمل على محاولة تحسين الظروف المعيشية وتوفير المياه الصحية للشرب ومعالجة مختلف أنواع العدوى مبكرا.

علاج سوء التغذية

* يتم عمل تقييم كامل للحالة الصحية للطفل، ويبدأ على الفور التدخل العلاجي تبعا لنظام غذائي معين. ويجب التعامل مع الأطفال الذين يعانون التورم (edema) بعناية؛ حيث إن التورم في بعض الأحيان قد يخفي مظاهر سوء التغذية الحاد.

ويتم حساب السعرات الحرارية المناسبة للطفل المصاب، التي تكون في حدود 120 إلى 150 سعرة (كيلو كالوري Kcal) لكل كيلوغرام من وزن الطفل يوميا. وقد يحتاج الأطفال المصابون بالأمراض المزمنة إلى كميات أكبر من السعرات. كما يجب إعطاء الطفل الأملاح والمعادن المختلفة، وكذلك الفيتامينات اللازمة مثل الحديد وحمض الفوليك وفيتامين بي 12.

ويتم إعطاء البروتين بالتوازي مع السعرات الحرارية المناسبة، ويتم الحكم على تحسن الحالة بالزيادة التي تطرأ على وزن الطفل. وفي الحالات بالغة السوء، يجب إدخال الطفل إلى المستشفى، خاصة إذا اقترنت الحالة بالجفاف أو عدم القدرة على التغذية عن طريق الفم؛ حيث يتم إعطاء الغذاء عن طريق أنبوبة التغذية المعدية في المستشفى. وبعد الخروج من المستشفى يجب الاستمرار في المتابعة المستمرة للزيادة في الوزن والطول.

* اختصاصي في طب الأطفال