مواد كيميائية في البروكلي.. تستهدف خلايا السرطان لتدميرها

فهم أعمق لدور الغذاء في الوقاية من الأورام الخبيثة

TT

لا يزال القرنبيط الأخضر، أو البروكلي، يستحوذ على مستوى لائق من اهتمام أوساط البحث الطبي. وكانت عدة دراسات طبية سابقة قد لاحظت أن ثمة دورا إيجابيا لتناول البروكلي في الوقاية الفاعلة من الإصابة بالأمراض السرطانية، وهو ما تم عرضه سابقا في مجلة «صحتك» في «الشرق الأوسط». ولكن الجديد في شأن علاقة البروكلي بالسرطان هو ما عرضته بشكل لافت للنظر نتائج دراسة الباحثين من جامعة ولاية أوريغون الأميركية التي أظهرت لأول القدرة الانتقائية لمواد «سالفورافان» Sulforaphane الكيميائية المتوفرة بالبروكلي، في القيام بعملية الاستهداف والتدمير الانتقائي للخلايا السرطانية في البروستاتا دون أن تطال، سواء بالاستهداف أو القتل، الخلايا السليمة في البروستاتا.

ومواد «سالفورافان» أحد المركبات الكيميائية النباتية (phytochemicals) ذات الفاعلية المضادة للأكسدة والمتوفرة بغزارة في البروكلي، وأيضا في بقية النباتات من فصيلة الصليبية (cruciferous)، مثل الملفوف والقرنبيط.

وهذه النتائج التي توصل إليها الباحثون من مؤسسة لينيس باولينغ التابعة لجامعة ولاية أوريغن، هي خطوة أخرى مهمة في تقدم المحاولات العلمية لاستخدام مواد «سالفورافان» في الوقاية والمعالجة لأنواع من الأمراض السرطانية. وحاليا تجري بالفعل دراسات طبية إكلينيكية لاستخدام هذه المواد النباتية الكيميائية في الوقاية من الإصابات بنوعين من الأمراض السرطانية، وهما سرطان الثدي وسرطان البروستاتا.

ووفق ما تم نشره في عدد يونيو (حزيران) الماضي من مجلة «موليكلير نيوترشن آند فوود ريسيرش» Molecular Nutrition and Food Research المعنية ببحوث الأطعمة والتغذية، أفاد الباحثون من جامعة ولاية أوريغون بأن مواد «سالفورافان» تعمل كمثبط لنشاط أنزيمات «هيستون دياسيتايليز» histone deacetylase HDAC enzymes. وتمثل عملية تخفيف نشاط هذه الأنزيمات هي أحد أكثر المجالات البحثية الواعدة في معالجة الأورام السرطانية بالطرق الدوائية والطرق الغذائية.

وكانت دراسات طبية سابقة قد تعرفت بشكل أدق على مهام هذه الفئة من الأنزيمات في عمليات نشوء الأورام السرطانية ومدى استمرار الانفلات السرطاني غير المنضبط في نمو الخلايا.

وإحدى آليات عمل هذه الأنزيمات تتعلق بمدى إعطاء مزيد من الحرية للجينات التي تطلق العنان لنمو الخلايا السرطانية دون رقيب أو حسيب، أو تثبيط عمل الجينات الأخرى التي تتغلب ببراعة على الانفلات في نشوء ونمو الخلايا السرطانية. ولذا فإن المواد التي تثبط نشاط هذه الأنزيمات، تقوم تلقائيا بتنشيط عمل الجينات المكبوتة التي تعمل على إعادة الانضباط في نمو الخلايا وتكاثرها بشكل طبيعي وغير سرطاني. ومن هنا دور المواد الكيميائية النباتية، مثل مواد «سالفورافان»، في الوقاية من نشوء الأورام السرطانية.

وأضافت الدكتورة إميلي هاو، الباحثة الرئيسية في الدراسة والمتخصصة في التغذية الإكلينيكية: «من المهم توضيح أن مواد (سالفورافان) آمنة للاستخدام كوسيلة لمنع حصول الإصابات السرطانية أو لمعالجة تلك الإصابات»، وذلك في إشارة منها إلى الحقيقة العلمية القائلة إن كون المادة الكيميائية مستخلصة من منتجات نباتية طبيعية يتناولها الناس، لا يعني تلقائيا أن تناولها كمادة كيميائية وبكميات عالية، هو أيضا آمن، بل ربما يكون ضارا حينئذ. والشواهد على ذلك كثيرة، ومثلا فيتامين سي C وفيتامين إي E ومعادن الصوديوم والبوتاسيوم وغيرها، كلها تتوفر في المنتجات النباتية التي يتناولها غالبية الناس، وهي صحية ومفيدة في ضمن ذلك الإطار. ولكن تناول الكميات العالية منها، التي تتجاوز الحد الذي يحتمله الجسم، قد يكون ضارا. ولذا قالت الدكتورة هاو، إن «وجود المواد النباتية الكيميائية في المنتجات الغذائية التي نتناولها ليس سببا كافيا للقول إن تناولها بكميات كبيرة آمن دائما، ولكن من الواضح أن مواد (سالفورافان) بإمكانها القيام بدقة في انتقاء أهدافها من الخلايا السرطانية، وهي قدرة نبحث عنها دائما في علاجات الأورام السرطانية».

وعلق الباحثون في خلاصة نتائجهم بالقول إن «ما توصلنا إليه من نتائج حول الأمان النسبي لهذه المواد الكيميائية على الخلايا السليمة في البروستاتا له أهمية إكلينيكية تطبيقيه، حيث يمكن أن تتقدم إلى الأمام بحوث استخدام مواد (سالفورافان) لوقاية الإنسان من أنواع الأورام السرطانية. كما أنها تفيدنا بأن تناول الأطعمة الغنية بمواد (سالفورافان)، هو شيء غير ضار وآمن وبسيط ويمكن الحصول عليه بسهولة من أغذية متوفرة حولنا».

* استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض [email protected]