الرضا بمكونات الحياة اليومية.. حماية للقلب من الأمراض

القناعة كنز من الصحة لا يفنى

TT

تواترت الأدلة العلمية على أن المشاعر النفسية السلبية، مثل الاكتئاب والتوتر، عوامل ذات تأثيرات مهمة في رفع احتمالات خطورة الإصابة بالأمراض القلبية، وأيضا في رفع احتمالات تدهور الحالة الصحية لدى من هم بالفعل مرضى بشرايين القلب. وبالمقابل ليس واضحا لدى أطباء القلب ما إذا كان لبعض المشاعر النفسية الإيجابية فوائد في حماية صحة القلب وتقليل احتمالات تدهوها، مثل الشعور بالقناعة و«الرضا بالمقسوم» والسعادة بما تم الحصول عليه وتحقيقه.

وتحديدا، هل يمكن اعتبار القناعة والرضا بجوانب معينة من أنشطة الحياة ومكوناتها، عناصر تنبئنا بمدى احتمالات حصول الإصابات بأمراض شرايين القلب؟ هذا ما ذكره الباحثون من «يونيفيرستي كولدج» بلندن وكلية الطب بجامعة هارفارد الأميركية، في فذلكة تعليل الغاية من إجراء دراستهم المنشورة ضمن عدد يوليو (تموز) الحالي من المجلة الأوروبية للقلب «European Heart Journal»، التي كانت بعنوان «صحة القلب حين القناعة والرضا بالحياة» (Heart health when life is satisfying).

إن الحاجة إلى التحقق من صدق هذه العلاقة حيوية ومهمة، وكثير من الناس حينما يذكر لهم أن شخصا ما أصيب بأحد المظاهر المرضية لاعتلال شرايين القلب، أو حتى حينما يفكرون في الأمر بالنسبة لأنفسهم، فإن أول ما يطرحونه من تعليقات غالبا ما يكون من نوع: «لقد كان يرهق نفسه بالتفكير في المستقبل»، أو «عانى كثيرا من الأزمات النفسية في الآونة الأخيرة»، أو «كان كثيرا ما يتحسر على أشياء فقدها»، أو «كثيرا ما كان أولاده وبناته يجلبون له المتاعب»، وغير ذلك من التعليلات التي لا علاقة لها بتساؤلات أخرى أقرب ما تكون إلى نوعية تتعلق بانضباط نسبة السكر لديه أو مدى ارتفاع ضغط الدم عنده أو نسبة الكولسترول في دمه.

وتكونت شريحة المشمولين بالدراسة من نحو 8 آلاف رجل وامرأة من العاملين البريطانيين، والأصحاء في الحالة الصحية لقلوبهم، والمشمولين بالأصل في مشروع برنامج الدراسة البحثية «وايتهول» الثانية (Whitehall II cohort). وقام الباحثون بمتابعة عوامل خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب (Coronary risk factors) لديهم، كارتفاع الضغط والكولسترول وانضباط نسبة سكر الدم والتدخين وغيرها، إضافة إلى متابعة التقييم الذاتي لمستوى القناعة والرضا بسبعة جوانب من مكونات الحياة اليومية لهم.

والجوانب هي: علاقة الحب العاطفية، وأنشطة أوقات الفراغ، ومستوى المعيشة، والعمل الوظيفي، والحالة الأسرية، والأداء الجنسي، والتقييم الذاتي للنفس. وكان التقييم الذاتي لمستوى القناعة والرضا بتلك الجوانب يتم وفق مقياس مكون من سبع درجات لكل منها.

وتتبع الباحثون مدى حصول ثلاثة أنواع من الأحداث الصحية ذات العلاقة بالإصابة بأمراض شرايين القلب ومضاعفاتها، مثل الشكوى من آلام الذبحة الصدرية (angina)، وحصول نوبات الجلطة القلبية غير القاتلة (non - fatal myocardial infarction)، أو الوفاة نتيجة لمرض في شرايين القلب التاجية (CHD death). وتم تجميع المعلومات الطبية هذه من برامج المتابعة الطبية وملفات المرضى بالمستشفيات، وذلك خلال نحو ست سنوات من بعد بدء الدراسة الطبية.

وبعد تحليل النتائج تبين للباحثين أن ارتفاع مستويات القناعة والرضا بأربعة من جوانب الحياة اليومية كان مرتبطا بتدني معدلات خطورة الإصابة بأمراض شرايين القلب، بنسبة تجاوزت 13%، ولدى الرجال والنساء على السواء. وهذا الانخفاض في الإصابات القلبية كان بتلك النسبة من الإيجابية بغض النظر عن مدى وجود العوامل التي تعتبر تقليديا «عوامل خطورة» الإصابة بأمراض الشرايين القلبية، أي بغض النظر عن مستوى ضغط الدم أو معدل كولسترول الدم، أو مدى الانضباط في نسبة السكر بالدم، أو التدخين أو عدمه. ووصف الباحثون هذه النتيجة وفق معطيات التحليل العلمي بأنها مهمة إحصائيا.

والجوانب الحياتية التي لاحظ الباحثون أنها «ذات تأثيرات إيجابية» على سلامة شرايين القلب كانت هي: العمل الوظيفي، والحالة الأسرية، والأداء الجنسي، والتقييم الذاتي للنفس. والجوانب الحياتية التي لم يكن لها تأثير على صحة شرايين القلب كانت: العلاقة العاطفية، وأنشطة أوقات الفراغ، ومستوى المعيشة.

وأضاف الباحثون أن التأثيرات الإيجابية كانت تتصف بأنها ذات علاقة «الجرعة بالمفعول» (dose response). بمعنى أنه كلما ارتفع معدل الرضا بالمقسوم في تلك الجوانب الحياتية اليومية الأربعة، زاد مقدار الانخفاض في إصابات أمراض الشرايين القلبية.

وبعد، يبقى السؤال مع معرفة هذه النتائج العلمية، ومع تذكرنا حرص آبائنا وأمهاتنا على تذكيرنا دوما بأن «القناعة كنز لا يفنى»، كيف لأحدنا أن يصنع القناعة والرضا بما يمتلك في حياته؟ والإجابة ربما تبدأ من البدء في رؤية ما نمتلكه في أيدينا بعين وعقل وقلب متبصر بحقائق الأمور، دون أن نمد النظر إلى ما رُزق به غيرنا ليتمتع به في هذه الحياة الدنيا. ثم تأتي بعد هذا بقية خطوات صناعة القناعة والرضا في النفس بما نملكه في حياتنا.

استشاري باطنية وقلب مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض