التعلق بالشاشات الإلكترونية.. واضطراب  نقص الانتباه وفرط الحركة

إدمان الأطفال على الألعاب الافتراضية والتلفزيون قد يرتبط بهم

TT

نقلت إحدى الأمهات رسالة من معلمة المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها ابنها، موجهة إلى الطبيب جاء في نصها: «عزيزي الطبيب أعتقد أن الطفل بحاجة إلى إجراء فحص لحالة (اضطراب نقص الانتباه)». وقالت الأم: «كانت قلقة من أن الطفل دائم الحراك في المدرسة ولا يؤدي واجبه بشكل كامل. وهو دائما ما يقع في مشكلات بالمدرسة». ولكنها أردفت: «أستبعد أن يكون مصابا باضطراب نقص الانتباه وبفرط الحركة، فأنا أعلم ذلك».

لماذا تعتقد ذلك؟ لأن بمقدور ابنها الجلوس لساعات أمام أجهزة ألعاب الفيديو في تركيز كامل، من هنا يقينها بأن ابنها غير مصاب بنقص الانتباه.

* تركيز على الشاشة هذا التأكيد سمعته مرات عديدة عندما يعاني أحد الأطفال من مشكلات في الانتباه، وأحيانا ما يثير الآباء النقطة نفس الخاصة بشاشات التلفزيون فيقول أحدهم: «إن ابني يجلس أمام التلفزيون لساعات، ولذا فلا يمكن أن يصاب باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة».

الحقيقة أن قدرة الطفل على التركيز أمام الشاشة، على الرغم من عدم قدرته على ذلك في أماكن أخرى، هي إحدى سمات اضطراب نقص الانتباه المصحوب بفرط الحركة. وهناك علاقات عصبية وسلوكية معقدة تربط الشاشات والانتباه. ويعتقد العديد من الخبراء أن هؤلاء الأطفال يقضون المزيد من الوقت أمام ألعاب الفيديو ويشاهدون التلفزيون أكثر من نظرائهم.

لكن خيال الطفل مع الشاشة هل يشكلان سببا أم نتيجة لمشكلات الانتباه أو كليهما؟ لا يزال هذا سؤالا معقدا يحاول الباحثون الإجابة عنه.

هذا النوع من العلاقة التي تجذب الأطفال إلى ألعاب الفيديو أو التلفزيون ليس هو النوع الذي يحتاجونه للتقدم في المدرسة أو في مكان آخر في الحياة العملية، حسب الدكتور كريستوفر لوكاس، أستاذ الطب النفسي للأطفال المساعد بكلية كطب جامعة نيويورك، الذي يرى أنه «ليس انتباها دائما في غياب المكافآت، وهو تركيز دائم في حالة المكافآت المتقطعة المتكررة».

ربما يلعب الأطفال من أجل تجميع النقاط أو تحقيق مستويات، لكن مكافأة المخ ربما تكون في إطلاق الناقل العصبي. والأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد يجدون ألعاب الفيديو أكثر متعة من الأطفال الآخرين لأن دوائر الإثابة الناقلة ربما مع ذلك تكون قاصرة.

وقد وجدت دراسة واحدة على الأقل أنه عندما يعالج الأطفال المصابون باضطراب نقص الانتباه المصحوب بفرط الحركة بأدوية الميثيلفيدنت المنبهة، التي تزيد من نشاط الناقلات العصبية في المخ، يلعبون ألعاب الفيديو بصورة أقل. ويشير المؤلف إلى أن ألعاب الفيديو قد تعمل كنوع من التطبيب الذاتي لهؤلاء الأطفال. ومن ثم، فإن زيادة الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشة ربما تكون نتيجة اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. لكن بعض الباحثين يبدون خشية من إمكانية أن تكون سببا مرضيا أيضا. فقد وجدت بعض الدراسات أن الأطفال الذين يقضون أوقاتا طويلة أمام التلفزيون ربما يصابون بمشكلات في الانتباه في ما بعد.

* التلفزيون ومشكلات الانتباه

* خلصت الدراسة التي نشرتها دورية «بيدياتريكس جورنال» في عام 2010، إلى أن قضاء الأطفال أوقاتا طويلة أمام شاشات التلفزيون كان مرتبطا بمشكلات الانتباه في كل من أطفال المدارس وطلبة الجامعات.

ويقول الدكتور ديمتري كريستاكيس، أخصائي طب الأطفال بكلية طب بجامعة واشنطن، الذي يدرس العلاقة بين الأطفال والإعلام، إن الحوافز التي تقدمها ألعاب الفيديو تتعلق بالسرعة، ومدى سرعة تغيرات الشاشة في الدقيقة، فإذا ما اعتاد مخ الطفل على هذه السرعة واليقظة الشديدة التي يحتاجها للاستجابة والفوز، فإن الطفل ربما يجد في النهاية حقائق العالم مخيبة لآماله وعديمة الجدوى.

غير أن دراسة نشرت في عام 2007 في دورية طب النفس الإعلامي قارنت مشاهدة التلفزيون في مجموعة من الأطفال الذين شخصت حالتهم بنقص الانتباه وفرط الحركة، ومجموعة عادية. ووجد الباحثون أن الاختلافات كانت تعود لعوامل عائلية وبيئية، من بينها ما إذا كان الأطفال لديهم أجهزة تلفزيون في غرف نومهم. ولم يبد مرض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة أنه يشكل أي نوع من الاختلاف. والعلاقة بين اضطراب نقص الانتباه أو فرط الحركة والشاشات، حسب المؤلف، كانت معقدة.

وقامت الدكتورة إليزابيث ورك، أستاذة الطب النفسي في جامعة كنتاكي، هي الأخرى بدراسة قدرة الأطفال على فهم القصص المتلفزة. وعلى الرغم من قدرة الأطفال على استعادة الحقائق من القصص التي شاهدوها مثل الأطفال الآخرين، فإنه كانت هناك اختلافات في قدرتهم على فهم القصص وتبين أسباب الأحداث المهمة في القصة. وقالت إن «السبب في حدوث أمر ما، والسبب في قيام الشخصية تلك بهذا العمل، هو الأمر الذي يشوبه القصور لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة».

وأشار زميلها في الدراسة الدكتور ريتشارد ميليك، الأستاذ بجامعة كنتاكي، إلى أنه بجانب الآثار الأولية لهذه المشكلة بالنسبة للأداء الأكاديمي، فإن هذه النتيجة قد تلقي الضوء على الصعوبات الاجتماعية.

وقال إن «عدم القدرة على رؤية العلاقات العرضية ريما يؤثر على هذه المشكلة الاجتماعية التي عاصرناها على مدى 30 عاما. فهؤلاء الأطفال يعانون من مشكلات اجتماعية، وهم مرفوضون بدرجة كبيرة من أقرانهم».

ويرى الخبراء أن ذلك ربما يكون فجوة في القدرة على إدامة الذات، فالأطفال الذين يعانون من مشكلات في مهاراتهم الاجتماعية ربما يلجأون إلى الشاشات للصحبة الإلكترونية.

أما الأطفال الذين يحتاجون إلى مكافآت كيميائية عصبية فيسعون إلى النشاط الذي يوفر مثل هذه المكافآت، فالأطفال الذين يعانون من مشكلات اجتماعية يقضون المزيد من الأوقات بمفردهم أمام شاشات التلفزيون. أما الأطفال الذين يعانون في الفصول الدراسية فيكونون بارعين في العالم الافتراضي. وأنا أتحدث مع الآباء ممن لديهم أطفال مصابون بمرض اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة بشأن ما ينبغي وما لا ينبغي القيام به. فينبغي أن لا توضع تلفزيونات في غرف الأطفال، والعناية بشأن نوعية ومحتوى الألعاب خاصة الألعاب العنيفة منها، ووضع قيود على الوقت الذي يقضيه الأولاد أمام الشاشات والبحث عن سبل أخرى لإدارة علاقات الأسرة.

وإذا لم أستطع أن أخبر والدي الطفل بما يأملون سماعه مني، فعلى الأقل يمكنني التأكيد على خيال الأطفال مع الشاشات اللامعة. ربما تعلمنا شيئا بشأن عقولهم وعلم الأعصاب والجوائز وحتى الرغبة والتعلم.

* خدمة «نيويورك تايمز»