نوبات من «الحكة المائية».. لم ينجح الأطبـــاء لسنوات في تشخيصها

أعراض متشابهة مع الحساسية إلا أن أسبابها مختلفة

TT

بدأت المشكلة بصورة تدريجية لدرجة أن كاريل غريغسبي لم تول لها قدرا كبيرا من الاهتمام. قبل 12 عاما عانت المصورة المحترفة، التي تعيش في مدينة أوستن، من نوبات متكررة من الحكة الشديدة، كان معظمها في ذراعها ورجليها. وكانت هذه النوبات تظهر من دون سابق إنذار وتختفي خلال ساعات.

وكانت غريغسبي تعرف أنها تعاني من حساسية تجاه العفن وحبوب اللقاح. ولكن كانت هذه نوبات مختلفة، حيث كان يبدو جلدها طبيعيا، ولم يكن حك الجلد يؤدي إلى زيادة الشعور بالحكة. كان ذلك شعورا غير عادي. وتقول غريغسبي: «كنت أشعر وكأن مجموعة من النمل الصغير تتحرك تحت جلدي».

نوبات الحكة وفي عام 2005، بدا أنها تعاني من نوبة حكة كل يوم سبت تقريبا، وفي بعض الأحيان داخل المنزل عندما تستعد لتصوير حفل زفاف، وفي بعض الأحيان أثناء عملية التصوير. وخشيت غريغسبي من أن يكون عملها يمثل عنصر ضغط بالنسبة لها، ولكنها تساءلت كيف يمكن ذلك، بينما كانت تستمتع بتصوير حفلات الزفاف ولا تشعر بأي نوع من القلق.

وتقول غريغسبي إنه في مرات كثيرة تكون الحكة سيئة جدا لدرجة أنها تقفز إلى سيارتها وتذهب سريعا إلى غرفة طوارئ مجاورة على أمل أن يتعرف الطبيب على المشكلة. ولكن أثناء جلوسها في غرفة الانتظار، يذهب هذا الشعور بالحكة، وتشعر وكأنها حمقاء! وقد تغادر قبل أن ترى الطبيب، وتشعر بالراحة لأنه لم يكن عليها أن تصف الأعراض التي تبدو أعراضا جسدية - نفسية.

وبعد أشهر على زيارتها لغرفة الطوارئ، عرفت غريغسبي السبب غير المحتمل لنوباتها الشديدة وإحساسها بالحكة. في البداية، حسبت غريغسبي، التي تبلغ من العمر حاليا 64 عاما، أن مشكلتها ربما تكون رد فعل مبالغا فيه تجاه نوع من الصابون أو أحد المحاليل التي توضع على الجلد. ولذا غيرت أنواع الصابون والمحاليل عدة مرات، وبعد ذلك رتبت زيارة لطبيب الحساسية، الذي أجرى اختبارات للجلد خاصة لإثارة النوبات، ولكنها لم تؤد إلى ظهور نفس الحكة. وقال لها إنه يشك في أن المشكلة هي بسبب تفاقم حساسيتها من الفطريات والعفن.

ووصف الطبيب عدة مضادات للهستامين، وقال لها إن عليها استخدام مراوح ومصابيح في الأماكن المعرضة للرطوبة. ولكن لم تفلح أي من هذه الأشياء، وأصبحت النوبات تتكرر بوتيرة أسرع.

وقامت غريغسبي بشراء مناشف جديدة. وحاولت أن تبقى بعيدة عن الحمام الملحق بغرفة النوم، لأنها كانت تخشى من أنه يوجد في الحمام صغار الفطر. واستخدمت حماما مختلفا في منزلها. وعندما لم يفلح شيء من هذا، بدأت تفكر في أن مشكلتها لها علاقة بالتوتر.

* «حكة مائية» وفي عام 2006 استشارت طبيب الأمراض الباطنية، الذي حولها بعد 3 زيارات إلى طبيب الأمراض الجلدية جاي فيرنز. وخلال أول موعد لهما، في ظهيرة أحد أيام الجمعة من شهر أكتوبر (تشرين الأول)، أمطر فيرنز غريغسبي بأسئلة، كان معظمها يركز على وقت النوبات والأمور التي يحتمل أن تكون سببا في ذلك.

وبعد ذلك نصحها بأن تأخذ حمامات باردة وأن تتصل به يوم الاثنين لتخبره بما إذا كانت المياه الباردة قد أحدثت أي نتيجة. ويقول فيرنز: «أثناء تعليمنا، نتعلم أن الحكة سبب كبير للشكوى من جانب المرضى». وأشار إلى أن الحكة من دون سبب معروف تنشأ عن أسباب كثيرة. وفي معظم الحالات لا تكون مضرة وتنتهي بالقليل من العلاج أو من دون أي علاج. ولكن قد تكون الحكة أيضا عرضا لمرض خطير، بما في ذلك سرطانات كثيرة واضطرابات في الدم.

ويقول فيرنز إنه في بادئ الأمر حسب أن غريغسبي قد تكون لديها الأرتكاريا (cholinergic urticaria) وهو نوع من الحكة تثيره الحرارة، رغم أنه لم تكن لديها البثور الحمراء التي ترى تقليديا في هذه الحالة. وبعد ذلك ظهر له تشخيص آخر غريب، وهو تشخيص قضى جزءا من يوم إجازته الأسبوعية بحثا عنه، تحسبا للخطأ في التشخيص الأول. ويوم الاثنين قالت غريغسبي إن المياه الباردة فاقمت من الحكة، مما جعله يلغي الفرضية الأولى.

وقال فيرنز لها: «أعرف ما لديك». كانت غريغسبي تعاني من علامات تقليدية لحالة تعرف بالحكة المائية aquagenic pruritis، وهي إجهاد الجلد بسبب المياه – ليس عندما تشربه ولكن عندما يلمس الماء جلدها. ويتذكر فيرنز، الذي قال إنه كان قد علم عن هذا الاضطراب خلال تدريبه كطبيب مقيم في بداية التسعينات من القرن الماضي: «لم أر حالة واحدة لهذا المرض. ولأنه نادر للغاية، فقد كان علي البحث ومعرفة ما يجب القيام به».

وتتسبب الحكة المائية، التي يساء تشخصيها عادة، في حكة زائدة ومتكررة مركزة في الأذرع والأقدام، وفقا لما ذكره مكتب الأمراض النادرة التابع لمعاهد الصحة الوطنية. ولأسباب غير معروفة، لا يتأثر عادة الوجه والرأس الراحتين والأخمصان والأغشية المخاطية.

ويقول فيرنز: «يعتقد الكثير من المرضى أنهم أصيبوا بالجنون، ولا يصدقهم الأطباء. ويعاني هؤلاء المرضى من مشكلات في النظافة وربما يعانون من إحباط شديد». ويكون معظم من يعانون من ذلك في منتصف العمر أو ذكورا كبار السن، ويبدو أن الاضطراب ينتشر في عائلات.

وبالنسبة إلى الكثيرين، تبدأ النوبات خلال دقائق من التعرض للمياه بغض النظر عن درجة حرارتها ويمكن أن تستمر ما بين 10 دقائق وساعتين. ولا يظهر على الجلد أي علامات على وجود مشكلة.

ولا يعرف سبب الاضطراب، رغم أن بعض الباحثين يعتقدون أنه ربما يكون مرتبطا بمادة «أستيل كولين»، وهي مادة كيميائية تنقل إشارات من الأعصاب إلى العضلات. وقبل التشخيص، يجب استبعاد مسببات أخرى للحكة غير المفهومة.

وتقول غريغسبي إنها فوجئت بالتشخيص، الذي يوضح لها توقيت النوبات المحيرة، فتلك النوبات التي ظهرت أثناء استعدادها لحفل زفاف كانت نتيجة لحمام تأخذه دوما قبل أن تبدأ أي مهمة عمل. والنوبات التي تظهر أحيانا خلال التقاط صور يمكن أن تفسرها صورة مميزة لها، حين وقفت غريغسبي وكانت رجلاها منغمسة حتى الركبتين داخل بحيرة لتصور عائلات جالسة على منصة. وتقول إنها «شعرت براحة كبيرة لأن هذا الأمر.. ليس في رأسي»، أي أنه لم يكن وهميا.

وأعطى فيرنز لغريغسبي البريد الإلكتروني لمجموعة على شبكة الإنترنت لأفراد يعانون من الحكة المائية (health.groups.yahoo.com/group/aquagenicskin). وتقول غريغسبي عنه إنه كان مصدرا مهما للمعلومات التي وفرت لها الراحة. وسرعان ما جربت علاجا اقترح على الموقع، ووجدت أنه قلل من الحكة: حمام ساخن ثم استخدام مجفف شعر على المناطق المصابة.

علاج ضوئي وتتذكر غريغسبي ذلك قائلة: «جعلني أشعر بأن لدي جلدا عاديا لأول مرة على مدار 10 أعوام بعد الاستحمام». كما وصف لها فيرنز أحد الكريمات من مادة كابسيسين، وهي عنصر نشط في الفلفل الحار، الذي وجدت دراسات أنه يكون فعالا لبعض مرضى الحكة المائية.

ولاحظت غريغسبي، وهي من عشاق الغولف، أنه عندما تسمر بشرتها من التعرض للشمس، تقل مرات حدوث النوبات. وفي عام 2009، وبعد أخذها حمام شمس في مركز صحي، بدأت جلسات معالجة بالضوء 3 مرات في الأسبوع داخل عيادة فيرنز.

ومعروف أن العلاج بالضوء يؤتي نتائج طيبة مع اضطرابات الجلد الأخرى، بما في ذلك الصدفية والإكزيما، وقد عثر فيرنز على دراسات تؤكد على نجاحه في علاج الحكة المائية. ويقول فيرنز إنه بالنسبة للأشعة فوق البنفسجية ذات النطاق الضيق المستخدمة في المعالجة بالضوء فإن احتمالية الإصابة بسببها بسرطان الجلد أقل مما يحدث في حمامات الشمس التقليدية. وبعد 6 أشهر، ذهب شعورها بالحكة تقريبا.

ولكن كان الذهاب إلى الطبيب 3 مرات في الأسبوع مشكلة بالنسبة لها على ضوء مواعيد عملها، وذلك في عام 2010 طلب فيرنز من شركة التأمين التي تتبعها أن تدفع مقابل العلاج الضوئي داخل المنزل.

وبعد عدة أشهر من الجدل، وافقت شركة التأمين على جهاز قيمته 5700 دولار، ركب في غرفة نوم غريغسبي، وكانت تستخدمه عندما تحتاج، وتقوم بجلسات علاج مدتها 4 دقائق لذراعيها ورجليها وجذعها كل 3 أيام.

وقد ساعدتها هذه الجلسات، ومعها الحمام الساخن واستخدام مجفف الشعر، على أن تعيش حياتها من دون الشعور بالحكة بدرجة كبيرة. ورغم أنها تعلمت كيف تتعامل مع المشكلة، فإنها تشعر بالحيرة لإصابتها بذلك في بادئ الأمر. وتقول: «يمثل ذلك لغزا كبيرا بالنسبة لي».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»