أجهزة مسح الجسم الكامل في المطارات .. هل هي آمنة صحيا؟

جدال علمي حول تعريضها المسافرين للإشعاع

TT

السلامة مسألة مثيرة للالتباس، إذ تتجه الأنظار دوما عندما يتعلق الأمر بها إلى ما يقال عنها وإلى مبدأ عملها. ووفقا لمقالة نشرت في مجلة «أرشيفات الطب الداخلي» عام 2011 الحالي، فإن كان مفهوم «السلامة» هو الانتفاء المطلق لأي خطر فإن الجواب على السؤال الخاص بأجهزة المسح من النوع الذي يستخدم مستويات ضئيلة من أشعة إكس: «هل هي آمنة؟»، يكون على أكثر الاحتمالات: «لا، ليست آمنة». ولكن إن كانت «السلامة» تعني وجود زيادة ضئيلة جدا في الأخطار - ضئيلة إلى حد أن لا يهتم أي شخص عاقل بها بشكل جدي - فإن الجواب يبدو هنا: «نعم، آمنة».

* نوعان من الأجهزة

* بدأت الوكالة الفيدرالية الأميركية المسؤولة عن أمن المطارات، وهي «إدارة أمن النقل» (TSA)، بوضع أجهزة مسح الجسم الكامل للمسافرين على الرحلات الجوية بعد أعياد الميلاد عام 2009.

وهناك نوعان من أجهزة مسح الجسم، الأول أجهزة المسح العاملة على موجات المليمتر الراديوية «millimeter - wave scanners»، والنوع الثاني هو الأجهزة العاملة على أشعة إكس (الأشعة السينية) المرتدة «backscatter x - ray scanners»، (التي تتبعثر فيها الأشعة بزاوية تزيد عن 90 درجة - المحرر). وتستخدم الأجهزة الأولى موجات راديوية، ولا تولد أشعة مؤينة.

وعندما نتحدث عن الإشعاع فإننا نعني عادة وجود أشعة مؤينة تمتلك الطاقة والخصائص الأخرى المدمرة للحمض النووي «دي إن إيه» للإنسان، الأمر الذي يؤدي إلى الإصابة بالسرطان. وتؤدي هذه الأشعة المؤينة عندما تكون جرعاتها عالية إلى احتمال التسبب في حدوث حروق، بل وقد تؤدي إلى الموت. وتستخدم أجهزة الأشعة السينية في الحقيقة أشعة مؤينة بجرعات واطئة من أشعة إكس.

ويستخدم في مطارات الولايات المتحدة حاليا نحو 500 جهاز لمسح الجسم الكامل، نصفها تقريبا من تلك العاملة على موجات المليمتر، والنصف الآخر العاملة على الأشعة السينية.

* إشعاع قليل

* وكتبت المقالة المنشورة في «أرشيفات الطب الباطني» الدكتورة ريبيكا سميث - بايندمان البروفسورة في علم الإشعاع وعلم الأوبئة والإحصاء البيولوجي في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، وباتريك ميهتا الطالب بجامعة كاليفورنيا في بيركلي. وتتناول الدكتورة سميث - بايندمان على نطاق واسع مواضيع عن مخاطر الإشعاع من أجهزة التصوير الطبي، وخصوصا مخاطر المسح والتصوير الطبقي المقطعي.

وبدأ الباحثان مقالتهما بتقديم تقديرات حول مدى تعرض الجسم للأشعة من جهاز مسح الجسم الكامل بأشعة إكس المرتدة تراوحت مقاديرها بين 0.03 و0.1 ميكروسيفرت. ووحدة ميكروسيفرت (microsievert) هي وحدة قياس يفترض فيها أن تأخذ بعين الحسبان التأثيرات البيولوجية للإشعاع (غالبا ما تستخدم في الولايات المتحدة وحدة قياس أخرى هي «ريم - rem». ويعادل ميكروسيفرت واحد 100 ميكروريم).

ويتعرض جسم الإنسان للإشعاع الطبيعي المحيط بنا بمقدار يقارب 2.4 ميليسيفرت من الإشعاع سنويا، وهذا المقدار أعلى بـ24 ألف مرة من مقدار الإشعاع الأعلى الذي يتعرض له الجسم من أجهزة أشعة إكس لمسح الجسم الكامل.

وقدم الباحثان أيضا مقارنات أخرى، فقد ظهر أن مقدار الإشعاع الذي يتعرض له الجسم أثناء تكرار وجوده 50 مرة في أجهزة المسح الكامل بأشعة إكس المرتدة يساوي مقدار الإشعاع الذي يتعرض له الجسم أثناء تصوير أسنانه بأشعة إكس. وكذلك فإن مقدار الإشعاع أثناء تكرار وجود الجسم 1000 مرة في أجهزة المسح تلك يساوي مقدار الإشعاع عند تصوير الصدر بأشعة إكس، بينما يساوي مقدار الإشعاع عند التصوير الطبقي المقطعي للحوض والبطن مقدار الإشعاع الذي يتعرض له الجسم أثناء وجوده 200 ألف مرة داخل أجهزة المسح بأشعة إكس المرتدة! وتعرض الرحلات الجوية الإنسان لإشعاع إضافي بسبب تغلغل الإشعاع من الفضاء إلى طبقات الجو العليا. ووفقا لتقديرات الباحثين فإن مقدار الإشعاع من أجهزة مسح الجسم الكامل في المطارات لا يشكل سوى أقل من 1% من مقدار الإشعاع الذي يتعرض له المسافر على طائرة في رحلة تستغرق 6 ساعات.

* لا خطر من السرطان

* الخطوة التالية كانت تقدير خطر الإصابة بالسرطان نتيجة التعرض لجرعة قليلة من الأشعة المؤينة. وقد اعتمد الباحثان في حساباتهما على نموذج «اللاعتبة» الخطي (linear no - threshold model). ومفهوم «الخطي» (linear) يعني أنه كلما زادت جرعة الإشعاع ازداد خطر السرطان. أما مفهوم «اللاعتبة - no - threshold» (لا توجد عتبة محددة المقدار لجرعة الإشعاع) فيعني أن أي تعرض للإشعاع - مهما كان ضئيل الجرعة - يمكن أن يتسبب في خطر إضافي، للإصابة بالسرطان.

ويعتمد نموذج اللاعتبة الخطي على عملية استشراف للتقديرات اللاحقة لحالات التعرض لجرعات أعلى. وليس من الواضح مدى دقة هذا النموذج في تحديد الخطر الحقيقي للإصابة بالسرطان نتيجة التعرض لجرعات ضئيلة من الإشعاع، إلا أنه يستخدم على نطاق واسع، وهو مقبول ويشكل إحدى قواعد حماية المقاييس والمواصفات في علم الإشعاع. وقد وظف الباحثان هذا النموذج لحساب خطر السرطان لدى ثلاث مجموعات: كل المسافرين جوا، المسافرون الأكثر ترحالا، والفتيات من عمر 5 سنوات الأكثر ترحالا.

ولكن لماذا اختيرت فئة الفتيات الصغار من عمر 5 سنوات الأكثر ترحالا؟ الجواب يتكون من ثلاثة جوانب، أولا لأن الأطفال أكثر حساسية للإشعاع، ولذلك فإن هذه الفئة تمثل أسوأ السيناريوهات. وثانيا لأن الأشعة من أجهزة مسح الجسم الكامل في المطارات لا تتغلغل إلى أعماق الجسم كثيرا، ولذا الأعضاء القريبة من سطح الجسم مثل منطقة الصدر والثديين ستكون أكثر الأعضاء تأثرا. وثالثا لتوافر نماذج لتحديد أخطار سرطان الثدي.

وتورد هذه النتائج في الجدول اللاحق. ومن الصعب تصور أي شخص يقرأ هذه النتائج ويعتبرها تقديرات دقيقة جدا، اللهم إلا إذا اعتبرناها معبرة عن خطر صغير إضافي. إذ يظهر من الجدول أن 6 إصابات بالسرطان تضاف إلى 40 مليون إصابة! وذلك لا يشكل إلا زيادة بنسبة 0.000015%. ولذا فقد وصف الباحثان الخطر الإضافي بأنه «تافه في الحقيقة».

ومن الطبيعي القول إن كل النتائج هي من قبيل الافتراض، فلا يوجد هناك مليونان من الفتيات الأميركيات من عمر 5 سنوات يقمن برحلة ذهاب ومجيء كل أسبوع. وكانت الفكرة من وراء وضع هذه التقديرات توظيف معادلات تلقي الضوء على احتمالات الإصابة بالسرطان.

خلافات علمية إلا أن الخبراء لا يتفقون جميعهم مع هذه النتائج، فبعضهم يقول إن خطر السرطان ربما يكون أعلى من ذلك لأن جرعة المسح لمرة واحدة قد تكون أعلى. أما الآخرون فيوظفون الطرق الرياضية للتوصل إلى نتائج لتقديرات مختلفة لعدد الإصابات بالسرطان.

وفي مقالة نشرت في أبريل (نيسان) 2011 الحالي في دورية «راديولوجي» قدر الدكتور ديفيد برينر الباحث في جامعة كولومبيا أن تنفيذ مليار عملية تصوير داخل أجهزة مسح الجسم الكامل بأشعة إكس المرتدة سيؤدي إلى حدوث 100 إصابة إضافية بالسرطان، الأمر الذي «لن يعتبر عند ذاك خطرا تافها على السكان».

ويتمثل موقف الدكتور بيرنر حول خطر السرطان الناجم عن استخدام أجهزة المسح بأشعة إكس المرتدة بأنه أمر ربما يكون مقبولا، ما دامت الأجهزة تؤمن سلامة المسافرين من الإرهابيين.

ولكن هناك النوع الآخر وهو أجهزة المسح بموجات المليمتر التي لا تولد أي أشعة مؤينة. لماذا لا تستخدم إذن؟ تقول إدارة أمن النقل إن الاستثمار مع عدد من مجهزي أجهزة التصوير سيمكنها من زيادة التنافس بينهم للتوصل إلى نظم متطورة فعالة أرخص ثمنا.

* رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».