عقم الرجل.. يرتبط بطفرة وراثية في الحيوانات المنوية

نقص بروتينات واقية يؤدي إلى مهاجمة الجهاز المناعي للمرأة لها

TT

ذكر فريق عالمي من الباحثين في بحث نُشر في مجلة «ساينس ترانسليشينال ميديسين» (Science Translational Medicine) نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي أن الطفرة الوراثية الشائعة التي تُفقد الحيوان المنوي غطاء البروتين المحصن له والتي تؤدي إلى وقوعه فريسة للجهاز المناعي للأنثى أثناء رحلته إلى البويضة، هي السبب الرئيسي لعقم الرجال في جميع أنحاء العالم.

ويأمل الباحثون أن يساعد اكتشافهم على إيجاد طرق جديدة لمعالجة الزوجين المصابين بالعقم. ويصيب العقم ما بين 10 و15 في المائة من سكان أميركا. وهو يصيب الرجال في نصف هذه الحالات تقريبا.

وقال دكتور غاري تشير، المؤلف البارز المشارك في هذا البحث الأستاذ في مختبر بوديغا مارين بجامعة كاليفورنيا في ديفيس وفي مركز الصحة والبيئة، في تصريح نقله موقع «ميديكال نيوز توداي» الطبي الإلكتروني إنه «في 70 في المائة من الحالات، لا يمكن تحديد خصوبة الرجال ومدى جودتها على أساس عدد حيواناتهم المنوية».

ويأمل هو وزملاؤه ومن ضمنهم الدكتور تشارلز بيفينز، المؤلف البارز المشارك في الدراسة والأستاذ بقسم الميكروبيولوجيا الطبية وعلم المناعة بجامعة كاليفورنيا ديفيس أن تؤدي ما توصلوا إليه من نتائج إلى المساعدة في تفسير ذلك.

* بروتينات الحيامن

* وكان العلماء يقومون ببحث البروتينات المسماة «ديفينسين» (defensins) وهي بروتينات طبيعية مضادة للبكتيريا والجراثيم التي توجد على الأسطح المخاطية، وذلك أثناء سعيهم للتوصل إلى طرق صناعة لقاحات منع الحمل. ووجدوا مصادفة بروتين «بيتا ديفينسين 126» وبدأوا يبحثون خصائصه عن كثب.

ويعد بروتين «بيتا ديفينسين 126» (beta-defensin 126) وهو بروتين «غليكوزيلاتي متعدد البيبتيد» ويُرمز إليه بالجين المعروف بـ«DEFB12». ويعمل هذا البروتين مثل جهاز شامل يسمح للحيوان المنوي بأن يسبح بكفاءة عبر المادة المخاطية في الجهاز التناسلي للأنثى والوصول إلى البويضة دون أن يرصده جهازها المناعي.

ويتم تصنيع البروتين في «بربخ» الرجل، وهي عبارة عن القنوات الملتفة التي تخزن وتنضج وتنقل خلايا الحيوان المنوي من الخصية، حيث تصنع هناك، إلى القناة المنوية، حيث يتم توصيلها إلى مجرى البول قبل القذف. وعندما تكون الحيوانات المنوية في «البربخ»، حيث تقوم بـ«تهيئة» نفسها لرحلة القذف، تحصل على غطاء واق سميك يتكون من «بيتا ديفينسين 126».

وقد اكتشف العلماء ذلك مصادفة، كما يحدث غالبا في العلوم، حيث كانوا يحاولون الحصول على «بيتا ديفينسين 126» نقي لعمل أجسام مضادة للبروتين. ولعمل ذلك كان عليهم تصنيع نسخة مؤتلفة لجين «بيتا ديفينسين 126»، ولكن خلال المحاولة الأولى وجدوا أن الجين به طفرة تمنعه من صناعة البروتين.

لكن عندما استعانوا بحيوانات منوية من متبرع آخر، أصبحوا قادرين على صناعة البروتين.

وقال بيفينز: «لو لم نر هذا في النسيلة الأولى، لكنا ظللنا في حيرة حتى يومنا هذا». واكتشف تشير وبيفينز وزملاؤهما أن الكثير من الرجال يحملون جين «بيتا ديفينسين 126» المتضرر. ووصفوا ما توصلوا إليه بـ«بدائل متسلسلة في (بيتا ديفينسين 126) تحتوي على حذف لاثنين من النيوكليدات، الأمر الذي يؤدي إلى تكون (مرسال الحمض الريبي النووي) mRNA، غير طبيعي».

* جين متضرر

* وعندما قاموا بعمل مسح لعينات الحيوانات المنوية لرجال في أميركا وبريطانيا والصين، وجدوا أن نحو ربع الرجال في جميع أنحاء العالم يحملون نسختين من جين «بيتا ديفينسين 126» المتضرر وخلصوا إلى أن هذا من الممكن أن يؤثر على خصوبتهم بصورة خطيرة.

وقال الباحثون في بيان إنه عندما يتم فحص الحيوانات المنوية لرجال مصابين بالجين المتضرر من خلال المجهر، يجد الخبراء أنها تشبه الحيوانات المنوية الطبيعية وتقوم بالسباحة مثلها تماما.

لكن عندما قاموا بفحص قدرة الحيوانات المنوية على السباحة خلال هلام (جل) حمض الهيالورونيك، وهو جل صناعي تمت صناعته ليشبه المخاط البشري، وجدوا أن نسبة الحيوانات المنوية في ناقلات جينين متضررين «انخفضت بمقدار 84 في المائة بالنسبة لمعدل الاختراق.. مقارنة بأنواع الجينات الأخرى».

وعندما قاموا بإضافة بروتين «بيتا ديفينسين 126» للحيوانات المنوية المتضررة، تحسنت قدراتها الطبيعية.

ويأمل الباحثون أن يؤدي اكتشافهم هذا إلى تطوير اختبار يمكن استخدامه في إرسال الأزواج مباشرة للعلاج باستخدام «الإخصاب بالحقن المجهري»، وهي عملية تقوم بإزالة بويضات المرأة وحقنها مباشرة بالحيوانات المنوية خارج الجسم. ومن الممكن أن يعمل هذا على توفير الوقت والمال والألم الذي ينتج من محاولة معرفة سبب العقم بواسطة العمليات الأخرى.

وفي مرحلة أخرى للدراسة التي تمت في جامعة آنهوي للطب في مقاطعة آنهوي بالصين، قام الباحثون بإجراء دراسة الجماعات المنغلقة للأزواج حديثي الزواج الذين كانوا يحاولون الإنجاب باستخدام الوسائل الطبيعية واكتشفوا أن احتمالية الحمل ضعيفة بالنسبة لهم وتستغرق عملية الإنجاب وقتا طويلا إذا كان الرجل يحمل نسختين من جين «بيتا ديفينسين 126» المعيب.

* «طفرة العقم»

* وخلص الباحثون إلى أن: «هذا التغير المتسلسل الشائع في جين «بيتا ديفينسين 126» وتأثيره الواضح على الوظائف التناسلية الضعيفة سوف يؤدي إلى فهم وتقييم معملي وعلاج أفضل للعقم البشري».

لكن ما سبب شيوع الطفرة التي تؤثر على الخصوبة؟

يذكر تيد تولنر، أحد من قاموا بهذه الدراسة والأستاذ المساعد بقسم طب التوليد والأمراض النسائية بجامعة كاليفورنيا في ديفيس، حيث شارك في هذه الدراسة مع تشير كباحث لما بعد الدكتوراه، أنه «ربما يكون الرجال من متغايري الزيجوت (heterozygotes) - وهم من لديهم جين طبيعي وآخر متضرر وخصوبتهم طبيعية – مميزين بطريقة ما».

وأوضح أن جودة الحيوان المنوي البشري ضعيفة إلى حد ما بالنسبة للحيوانات المنوية للقردة وغيرها من الثدييات، حيث تسبح ببطء ولديها معدلات مرتفعة من الخلايا المتضررة. وذكر تشير أن من الممكن أن يرجع هذا إلى أن البشر يميلون إلى علاقة أحادية طويلة، ولا تكون جودة الحيوان المنوي مهمة بدرجة كبيرة.

من ناحية أخرى ذكر بعض الباحثون أن خصوبة الرجل البشري تهاوت في جميع أنحاء العالم خلال العقود الأخيرة ولا نعرف سبب ذلك.

وقال تشير إن الخطوة التالية هي إجراء بعض الأبحاث لدراسة مشروع عقم مهم في الولايات المتحدة واكتشاف المزيد عن دور جين «بيتا ديفينسين 126» المتضرر.