كيف تساعد التمارين الرياضية.. في الحفاظ على نشاط الدماغ؟

الأنشطة الخفيفة للأشخاص الأكبر سنا تحسن الذاكرة

TT

يبعث بحث علمي جديد الطمأنينة في نفوس هؤلاء الذين يأملون في المحافظة على نشاط دماغهم وصحته حتى مرحلة منتصف العمر، وما بعدها. ويبدو أن النشاط شديد الأهمية في هذا الصدد، على الرغم من عدم إثبات العلماء بعد أن التمارين من الممكن أن تحول دون الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة، مثل مرض الزهايمر. ولكن ماذا عن الشعور بالضجر وفقدان الذاكرة الذي يزحف ببطء في الثلاثينات من العمر، عندما تتبخر أسماء الأشخاص ومكان وضع مفاتيح السيارة؟ ليس هذا هو مرض الزهايمر، ولكنه يبعث على القلق.

هل يستطيع النشاط أن يدرأ تقدم فقدان الذاكرة البطيء، والحفاظ على مهارات استرجاع المفردات، بحيث تقفز كلمة «تحسن» إلى العقل عند الحاجة إليها؟

* الرياضة والدماغ

* تم نشر عدد من الدراسات المهمة الجديدة التي تجيب عن هذه الأسئلة الكثيرة. وربما يعد أكثرها تشجيعا قيام الباحثين الكنديين بقياس كمية الجهد المبذول والوظائف المعرفية لمجموعة كبيرة من البالغين خلال فترة تمتد من عامين حتى خمسة أعوام. ولم يمارس أغلب المتطوعين تمارين رياضية ولم يبذل أحد منهم على الإطلاق جهدا شديدا. وتضمنت أنشطتهم بصورة عامة «السير حول البناية والطهي وأعمال الحديقة والتنظيف، ومثل هذا النوع من الأعمال» وذلك حسبما ذكرت لورا ميدلتون، الأستاذ المساعد بجامعة واترلو بأونتاريو وأحد مؤلفي هذه الدراسة التي نُشرت أخيرا في مجلة «أرشيفات الطب الباطني».

رغم ذلك، كانت تأثيرات هذا النشاط المتواضع على الدماغ لافتة للنظر، كما ذكرت دكتورة لورا. في الوقت الذي ساءت فيه معدلات المتطوعين الذين يميلون إلى قلة الحركة، وهم كثر في هذه الدراسة، خلال سنوات تم فيها فحص الوظائف المعرفية، وقد أظهرت أكثر المجموعات نشاطا انخفاضا أقل في هذه الوظائف. كما استطاع نحو 90 في المائة من الأشخاص الذين بذلوا قدرا أكبر من الجهد يوميا أن يفكروا ويتذكروا الأشياء بصورة جيدة نسبيا عاما بعد عام. وقالت الدكتورة ميدلتون: «توضح نتائجنا أن التمارين العنيفة ليست ضرورية لحماية العقل، أعتقد أن هذا شيء جيد، من الممكن أن يشجع الأشخاص الخائفين من هذه التمارين على النهوض والحركة».

وظهرت النتيجة نفسها في دراسة أخرى نُشرت في الدورية العلمية نفسها. وتشير هذه الدراسة إلى أن أغلب النساء ممن هن في السبعين من عمرهن ويعانين من مرض في الأوعية الدموية أو عوامل أخرى تزيد من احتمال تطور الحالة قد أتموا الاختبارات الإدراكية واستطلاعات حول أنشطتهن، خلال فترة امتدت إلى خمسة أعوام.

وكذلك لم يكن نشيطات وخفيفات الحركة، فلم يكن بينهن عداءات في سباق المارثون. وكانت أكثرهن نشاطا تمارس رياضة المشي. ومع ذلك ظهر «انخفاض طفيف في معدل وظائفهم المعرفية» بين المجموعة النشطة، كما ذكر مؤلف الدراسة. ولا تزال قدرتهم على التذكر أو التفكير متدنية، لكن ليس بسرعة قليلات الحركة.

* أنشطة خفيفة

* وقال جاي كانغ، الأستاذ المساعد في كلية الطب بجامعة بريغام ومستشفى النساء بكلية الطب جامعة هارفارد وأحد مؤلفي هذه الدراسة: «إذا كانت هناك امرأة غير نشطة تبلغ 70 عاما وتتراجع وظائفها العقلية بسرعة 50 ميلا في الساعة، فإنها عندما تبلغ الخامسة أو السادسة والسبعين ستتراجع بسرعة 75 ميلا في الساعة. لكن الوظائف العقلية للأشخاص النشطين الذين يبلغون السادسة والسبعين من العمر في هذه الدراسة تتراجع بسرعة 50 ميلا في الساعة». ويضيف جاي أن المشي وغيره من الأنشطة الخفيفة منحتهن خمس سنوات إضافية ليتمتعن خلالها بقدرة عقلية أفضل.

وقال الدكتور إريك لارسون، نائب رئيس قسم الأبحاث بمعهد «جروب هيلس ريسيرش» في سياتل ومؤلف افتتاحية هاتين الدراستين: «إذا كان بإمكاننا أن نؤجل بداية تدهور الوظائف العقلية خمس أو عشر سنوات أو أكثر فإن هذا سيغير ديناميكية التقدم في السن».

وأضاف قائلا: «لا أحد منا يرغب في أن يخسر ذاكرته». لذا فإن الأبحاث المتنامية التي تربط بين النشاط والوظائف العقلية التي تحسنت تعد (نداء للتنبيه). وعلينا أن نجد سبلا لحثّ الجميع على الحركة».

وقد أدى هذا إلى تزايد أهمية دراسة جديدة حول الدماغ والتمارين التي نشرت الشهر الحالي في مجلة «البيولوجيا العصبية لتقدم العمر»، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين من حولنا ممن لا تستهويهم رياضة المشي أو العناية بالحديقة، وما أكثرهم. وقد أوضح علماء من مختبر الشيخوخة والحراك وعلم الأعصاب الإدراكي بجامعة كولومبيا البريطانية ومؤسسات أخرى أنه، ولأول مرة، تغير تمارين رفع الأثقال الخفيفة من قدرة النساء المتقدمات في السن على التفكير وكيفية تدفق الدم داخل خلايا الدماغ. وبعد مرور 12 شهرا من رفع الأثقال مرتين أسبوعيا، أظهرت النساء تحسنا ملحوظا في القدرة على ممارسة العمليات العقلية بصورة أكثر من مجموعة من النساء اللاتي انتهين من برنامج لحفظ التوازن واللياقة. وقد أظهرت أشعة الرنين المغناطيسي أن أجزاء من الدماغ التي تتحكم في هذا النوع من التفكير بدت أكثر نشاطا لدى الذين تدربوا على رفع الأثقال.

وقالت تيريسا ليو أمبروس، الأستاذة المساعدة بالجامعة ورئيسة الفريق الذي أجرى هذه الدراسة: «إننا لا نحاول توضيح أن رفع الأثقال أفضل من تمرينات رياضة الأيروبك. ولكن يبدو أن هذا خيار عملي، وإذا استمتع الأشخاص به، كما حدث مع المشاركين في الدراسة وواظبوا على ممارسته»، ربما يتمكن الكثير منا تحسين التراجع في النشاط العقلي الذي يحدث في مرحلة نهاية العمر.

* خدمة «نيويورك تايمز»