عندما تكون الرغبة في تناول المأكولات الدهنية.. آلية

دوافع بيولوجية ربما تكون السبب في الانجذاب إليها

TT

«أراهن أنك لن تستطيع أن تأكل واحدة فقط» (كما كانت تذكر الدعايات التجارية لقطع البطاطا المقلية قديما)، وهو بالطبع رهان يخسره معظمنا. لكن ما السبب وراء ذلك؟ هل أن نقص الإرادة هو ما يجعل الوجبات الخفيفة الدهنية وجبات لا تقاوم؟ أم أن هناك دوافع بيولوجية أعمق وراء ذلك؟

أكد بحث مثير للاهتمام أجري حديثا أن الدوافع البيولوجية هي السبب وراء تناول الوجبات الخفيفة الدهنية. فقد ذكر علماء في كاليفورنيا وإيطاليا الشهر الماضي أنه وعند تناول الفئران أطعمة دهنية، تفرز أجسامها مواد كيميائية تشبه الماريجوانا في الأمعاء مما يجعل الفئران تتوق لتناول المزيد.

وتأتي نتائج هذه الدراسة مع دراسات أخرى عديدة أجريت مؤخرا، مما جعل الجدال حول أسباب السمنة أكثر تعقيدا، إذ تشير هذه الدراسات إلى أن أغذية معينة تؤدي إلى تفاعلات كيميائية قوية في الجسم والمخ. بالفعل يزداد وزن الأشخاص لأنهم يتناولون عددا أكبر من السعرات الحرارية فيما يحرقون عددا أقل. ولكن ربما ينتج هذا الاضطرار.. من الأجهزة البيولوجية التي لا يستطيع المرء السيطرة عليها! تقول سوزان كارنيل، الزميلة الباحثة بمعهد التغذية البشرية في جامعة كولومبيا: «أعتقد أن بعض الناس يأتون إلى الحياة ولديهم استجابة سريعة للطعام. وأعتقد أيضا أن هناك عدة أسباب مختلفة للسمنة».

وفي الدراسات الأخيرة التي أجريت على الفئران وقام بها فريق من جامعة كاليفورنيا في إرفين والمعهد الإيطالي للتكنولوجيا في جنوا، كان الهدف هو قياس مدى تأثير المذاق وحده على استجابة الجسم للغذاء. ومن بين الفئران التي تم إعطاؤها وجبات غذائية سائلة ترتفع فيها نسبة الدهون أو السكريات أو البروتينات، ظهر على الفئران التي تناولت سوائل دهنية رد فعل ملحوظ؛ فبمجرد أن وصلت تلك السوائل إلى براعم التذوق لديها، بدأ الجهاز الهضمي يفرز مواد «الإندوكانابينويدات» endocannabinoids، وهي عبارة عن مواد كيميائية مخدرة تماثل المواد التي يفرزها عند تناول الماريغوانا.

دهون «مخدرة»

* وتقوم هذه المواد بوظائف متعددة، من بينها ضبط الحالة المزاجية والاستجابة للضغط وفتح الشهية ونقل الطعام عبر الأمعاء. وجدير بالذكر أن هذه المواد يتم إفرازها عند تناول الدهون فقط وليس السكريات أو البروتينات. وقد تم نشر هذه النتائج على الإنترنت في دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم.

وقال دانيال بيوميلي، مؤلف الدراسة ومدير معهد اكتشاف تعاطي المخدرات والتنمية بجامعة كاليفورنيا في إيرفين: «إن أكثر ما يثير دهشتي ودهشة معظم الناس أن النتائج تقدم مبررا لاتجاهنا إلى تناول المأكولات الدهنية». ويضيف دكتور بيوميلي قائلا: نظرا لأن الدهون ضرورية لعمل الخلايا، «فإن لدينا هذا الدافع التطوري للتعرف على الدهون، وعندما نصل إليها، نستهلك أكبر قدر ممكن منها».

إن اكتشاف أن الإشارة التي تدفعنا إلى تناول المزيد من الدهون صادرة من الأمعاء يبعث الأمل في إمكانية ظهور أدوية علاج غذائي جديدة. وقد رفضت لجنة إدارة الغذاء والدواء الأميركية بالفعل دواء يدخل في إطار العلاجات الغذائية والذي يمنع امتصاص الإندوكانابينويدات، وهو الدواء المعروف باسم «أكومبليا» في أوروبا الذي تم سحبه مؤخرا لما له من أعراض جانبية نفسية خطيرة، تشمل ظهور الأفكار الانتحارية. وتشير الدراسة الجديدة إلى أنه من الممكن أن يتم تحويل الانتباه إلى نظام الإندوكانابينويدات في الأمعاء، مما يمكن أن يقلل من حدوث أعراض جانبية تمتد إلى المخ.

وفي التجارب التي أجريت على الفئران، قام الباحثون بحقن أمعاء الفئران بدواء مثبط للكانابينويدات ووجدوا أن الفئران فقدت رغبتها في تناول الأطعمة الدهنية. وقال دكتور بيوميلي «إن التأثير واضح. فلم تعد الفئران ترغب في تناول هذا النوع من الطعام. لقد توقفت تماما عن تناوله، وكنا مندهشين من هذا».

أدوية مضادة للدهون

* لا تزال هناك سنوات إلى أن يتم إنتاج الدواء الذي يشير إليه هذا البحث، ولكن النتائج تعطي نصيحة عملية للمستهلكين عن الدوافع الحيوية القوية التي تظهر عند تناول وجبات خفيفة من المأكولات السريعة الدهنية.

وقال الدكتور ديفيد كيسلر، الرئيس السابق لإدارة الغذاء والدواء ومؤلف كتاب «انتهاء فرط تناول الطعام» (رودال، 2009): «نعتقد أننا نتناول هذا النوع من الأطعمة لأننا نحبه. ولكن السبب ليس فقط أننا نحبه، وإنما أننا نريده أيضا. يرتبط الأمر كثيرا بالمخ وآلية استجابته».

وتشير دراسات أخرى إلى أن مراكز الشعور بالمكافأة في المخ تتأثر بشدة بالأطعمة التي نتناولها. وعلى سبيل المثال، عند عرض صور مأكولات عالية السعرات الحرارية على سيدات بدينات، يظهر لديهن نشاط أكبر في المخ في مناطق مرتبطة بتوقع المكافأة من ذلك الذي يظهر بتلك المناطق لدى سيدات ذوات وزن طبيعي. «إن مراكز المكافأة تنشط بمجرد قول كلمة (براوني بالشوكولاته)» حسبما ذكرت الدكتورة كارنيل بجامعة كولومبيا.

ولكن يبقى التساؤل حول ما إذا كان بعض الأشخاص لديهم استجابة طبيعية شديدة لأنواع معينة من المأكولات أو أن الإفراط في تناول الطعام مدى الحياة يؤدي إلى تغيرات في المخ والجسم، التي تؤدي بدورها إلى زيادة استجابة الجسم للطعام. لإلقاء الضوء على هذه القضية، تجري الدكتورة كارنيل دراسات على مراهقين ذوي وزن طبيعي وآباؤهم أصحاب أجسام بدينة، ونتيجة لذلك، يكونون عرضة أيضا لخطر الإصابة بالبدانة. وتضيف: «إنني مهتمة بمعرفة ما إذا كان المخ يستجيب بصورة مختلفة حتى قبل أن يصبحوا أصحاب أجساد بدينة».

ويشير الدكتور كيسلر إلى أنه يجب أن يدرك المستهلكون أن الإشارات الطبيعية للجسم عادة ما يسيطر عليها كثرة الاختيارات والرسائل عن الطعام، لذا ينبغي أن نحرص بدرجة أكبر على تناول المأكولات الصحية. وأضاف «إن هذا التأثير قوي للغاية. وهناك سبب حيوي لسلطة الطعام علينا. إنه كفاح حقيقي، وليس فقط مسألة أن تشعر بأنك كسول أو مسلوب الإرادة. لكن السبب هو أنه تم السيطرة على عقلك، غير أن هذا لا يعني أنك لست مسؤولا عن حماية نفسك».

* خدمة «نيويورك تايمز»