الكولسترول وسرطان البروستاتا

كل ما هو صحي للقلب صحي أيضا للبروستاتا

TT

لو سألت الرجال عن أكثر مخاوفهم الصحية، لأجابك أكثرهم بأن الكولسترول وسرطان البروستاتا يقعان في أول القائمة. وهذا أمر مفهوم، خاصة أن مستويات الكولسترول الضارة تساهم في حدوث النوبة القلبية والسكتة الدماغية، وهما السببان القاتلان، الأول والرابع، في حدوث الوفيات في أميركا، فيما يتوفى بسرطان البروستاتا 32 ألفا من الرجال فيها سنويا.

ومع هذا، وبينما يتفهم غالبية الرجال الصلة بين الكولسترول وبين أمراض القلب والأوعية الدموية، فإن القليل منهم يشكّون في وجود صلة بين الكولسترول والسرطان. وقد بدأت الأبحاث الجديدة في تغيير هذه التصورات الأخيرة.

* مخاوف أولى

* في الماضي، وعندما أخذ العلماء يتأكدون من وجود صلة بين ارتفاع مستويات الكولسترول وبين أمراض القلب، كانوا يقومون أيضا بإبداء مخاوفهم من أن انخفاض مستويات الكولسترول - رغم أنه يحمي القلب - قد يزيد من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا.

وبالفعل فإن سلسلة من دراسات حول السكان أجريت منذ الثمانينات من القرن الماضي كانت قد أفادت بوجود عدد عال من الإصابات لدى الأشخاص من ذوي مستويات الكولسترول المنخفضة. وقد قادت تلك الأبحاث إلى ازدياد القلق من تناول الأدوية المخفضة للكولسترول وهو القلق الذي وصل إلى أعلاه عند طرح أول دواء من أدوية الستاتين statins عام 1987. ومن حسن الحظ فقد ظهر أن المخاوف لم تكن تستند إلى أي أساس.

وعند التدقيق اللاحق ظهر أن الإصابة بالسرطان تقود إلى انخفاض الكولسترول وليس العكس. ويسمي الأطباء هذه العلاقة بـ«التسبب المعاكس» reverse causation إذ إن المصابين بالسرطان يتناولون القليل من الطعام ويفقدون وزنهم، ولذلك تنخفض مستويات الكولسترول لديهم بعد حدوث السرطان. كما أن عقودا من الخبرات حول استعمال أدوية الستاتين تظهر أن هذه الأدوية الشائعة الاستخدام لا تؤدي إلى زيادة خطر حدوث الأورام.

* آمال مبكرة

* والآن وبعد انحسار المخاوف الأولى، أخذت الأبحاث في إنعاش الآمال بأن خفض الكولسترول قد يقود إلى منع حدوث سرطانات معينة. وكما نجحت أدوية الستاتين مرة في زيادة المخاوف فإنها أخذت الآن في إنعاش الآمال. ورغم عدم وجود أدلة نهائية تشير إلى أن العلاج بأدوية الستاتين تقلل من الأخطار الكلية للسرطان، فإن كثيرا من، وليس كل، الدراسات يفترض أن هذه العقاقير ربما تقلل من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا وخصوصا من حدوث الأورام الخبيثة جدا، التي تعتبر الأكثر أهمية.

* إشارات جديدة

* وقد أشارت دراستان إلى احتمال أن تقوم مستويات الكولسترول المنخفضة في الدم بحماية البروستاتا إضافة إلى حمايتها للقلب.

ولم تهدف دراسة «تجربة درء سرطان البروستاتا» The Prostate Cancer Prevention Trial (PCPT) إلى التدقيق في الكولسترول، بل إلى تقييم «عملية الدرء الكيميائية» بواسطة عقار «فيناستيرايد» finasteride («بروسكار» Proscar، أو الدواء الجنيس) الذي أجازته وكالة الغذاء والدواء لعلاج الرجال المصابين بتضخم البروستاتا الحميد. ومنذ عام 1993 أشرف الباحثون على اختبار 18 ألفا و882 رجلا من الذين تم الكشف عليهم بفحص البروستاتا يدويا، الذين كان مستوى «مولد المضادات الخاص بالبروستاتا» PSA لديهم أقل من 3.1 نانوغرام لكل مليلتر، لتناول الحبوب الوهمية أو عقار «فيناستيرايد» بجرعة 5 مليغرامات (ملغم) يوميا. وبنهاية فترة 7 سنوات أصبح 5 آلاف و615 رجلا من الذين تناولوا الحبوب الوهمية والذين خضعوا لأخذ خزعة من البروستاتا مقبولين للانخراط في دراسة الكولسترول.

وتم قياس مستويات الكولسترول لدى كل متطوع في بداية الدراسة، الأمر الذي سهل على العلماء مقارنة قراءات الكولسترول مع نتائج تحليل الخزعات المأخوذة من البروستاتا.

وظهر أن خطر ظهور أورام سرطانية خبيثة قوية في البروستاتا قل بنسبة 59% لدى الرجال الذين كانت مستويات الكولسترول لديهم أقل من 200 ملغم لكل ديسيلتر، مقارنة بالرجال الذين كانت لديهم مستويات كولسترول أعلى. ولم تسجل علاقة بين الكولسترول وبين الأورام السرطانية الأقل قوة في البروستاتا.

وظهر أن التأثير الواقي - كما يبدو - لمستويات الكولسترول المنخفضة يظل مستمرا حتى عند الأخذ بنظر الاعتبار العوامل الأخرى التي تلعب دورها في الإصابة بهذا السرطان، ومنها السمنة، وقلة الرياضة وتناول اللحوم الحمراء. ومن سوء الحظ أن الدراسة لم تسجل تأثير تناول أدوية الستاتين.

وشملت الدراسة الثانية أيضا تحليلات جديدة لبيانات استخلصت من تجربة منتهية، وهي في هذه الحالة دراسة درء حدوث السرطان بواسطة «ألفا - توكوفيرول» و«بيتا - كاروتين» Alpha - Tocopherol, Beta - Carotene Cancer Prevention (ATBC) Study.

وبدأت تلك التجربة عام 1985 وشملت 29 ألفا و93 رجلا فنلنديا من المدخنين، الذين تطوعوا لتناول فيتامين «إي» E (»ألفا - توكوفيرول»)، «بيتا - كاروتين»، أو كليهما، أو تناول الحبوب الوهمية. وانتهت التجربة عام 1993 بالتوصل إلى نتائج تستحق الاهتمام الكبير وهي أن «بيتا - كاروتين» قد زاد من خطر حدوث سرطان الرئة.

إلا أن المسألة لم تنته عند هذا الحد، فقد أخذ الباحثون بمتابعة المتطوعين حتى عام 2003، ثم دققوا في مستويات الكولسترول الأصلية الأولى لديهم للتحقق من مدى التنبؤ الذي يقدمه الكولسترول حول حدوث السرطان.

وفي هذه الدراسة على المدخنين، ظهرت صلة مستوى الكولسترول الكلي القليل مع زيادة خطر حدوث السرطان في السنوات التسع الأولى من فترة المتابعة ولكن ليس في السنوات التي تبعتها، الأمر الذي يشير بقوة إلى وجود حالة «التسبب المعاكس» - أي وبمعنى آخر، أن السرطان الذي لم يكن مشخصا حينذاك هو الذي تسبب في تدني مستوى الكولسترول.

ومن جهة أخرى ظهر أن المستويات العليا من الكولسترول العالي الكثافة HDL (الحميد) لها صلة بتقليل خطر سرطان البروستاتا بنسبة 11%، ما يفترض أن ما هو مفيد للقلب ربما يكون مفيدا أيضا للبروستاتا. ولكن وما دام الرجال الذين يمتلكون مستويات عالية من الكولسترول الحميد هذا كانوا أكثر نحافة وأكثر نشاطا بدنيا فإنه ليس من الواضح إن كان الدور الوقائي ينجم عن الكولسترول الحميد نفسه أم عن عوامل نمط الحياة.

آفاق المستقبل لقد كانت تلك الدراستان مهمتين وإن لم تتصفا بالكمال، فقد افترضت الدراسة الأولى (PCPT) أن المستويات القليلة من الكولسترول الكلي ربما تقلل من خطر حدوث أورام سرطانية خبيثة قوية، إلا أنها لم تختبر تأثير أدوية الستاتين. أما الدراسة الثانية (ATBC) فتفرض أن مستويات الكولسترول HDL الحميد ربما تكون ذات صفة وقائية، إلا أن الدراسة لم تظهر إن كانت تلك الفوائد الواضحة ناجمة عن هذا الكولسترول أو عن عوامل نمط الحياة التي تعزز من مستويات الكولسترول الحميد.

إن الأبحاث الطبية شبيهة بفزورة لتشكيل صورة تتكون من قطع متناثرة، إذ تضيف الدراسات قطعا صغيرة الواحدة بعد الأخرى. إلا أن استكمال الصورة حول تأثير مستويات الكولسترول على البروستاتا، يحتاج إلى سنوات عديدة.

وبينما يعكف الأطباء على دراساتهم تلك فإن على الرجال أن يعلموا أن كل ما هو صحي للقلب صحي أيضا للبروستاتا.

* رسالة هارفارد «مراقبة صحة الرجل»، خدمات «تريبيون ميديا».