أنيميا البحر المتوسط.. تهدد حياة الأطفال

تنتج عن تكسير كريات الدم الحمراء

TT

تعتبر أنيميا البحر المتوسط (Thalassemia) من أشهر أسباب أمراض الدم الوراثية المزمنة عند الأطفال في مصر، وتختلف درجة خطورة المرض اختلافا كبيرا يتراوح بين حامل للمرض دون أعراض إلى أعراض شديدة الخطورة ومهددة للحياة. وعلى مستوى العالم يوجد ما يقرب من 15 مليون مريض يعانون من الأعراض الإكلينيكية لمرض الثلاسيميا الذي تعتبر تسميته «أنيميا البحر المتوسط» غير دقيقة تماما علميا لأنها تعطي انطباعا خاطئا بوجود المرض في منطقة البحر المتوسط فقط، لأن المرض يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم.

* أنيميا البحر المتوسط

* وتاريخيا اشتهر المرض في منطقة حوض البحر المتوسط في اليونان وإيطاليا ومالطا، والاسم مشتق من الأصل اليوناني للمرض، وكلمة «thalassa» وتعني «بحر»، بينما تعني كلمة «haema» باليونانية «دم»، ومعظم مرضى هذا النوع من الأنيميا من مواطني حوض البحر المتوسط، وهي ناتجة عن تكسير كريات الدم الحمراء، حيث يقوم الجسم بتكوين نوع غريب من الهيموغلوبين يكون السبب في تكسير كرة الدم والإصابة بالأنيميا. ومن المعروف أن البروتين الموجود في الهيموغلوبين للبالغين يتكون من 4 جزيئات، وهذه الجزيئات عبارة عن جزيئي «ألفا» (Alpha) وجزيئي «بيتا» (Beta). وتحدث أنيميا البحر المتوسط نتيجة لخلل أو طفرة جينية في تركيب أحد الجزأين، ولذلك يوجد نوعان من الأنيميا تبعا لنقص أحد الجزيئين.

- النوع الأول «بيتا» (Beta thalassemias)، ويصاب به المرضى من حوض البحر المتوسط ومن بينهم مصر، وهو النوع الأشهر من المرض، وحينما يتم الإشارة إلى مرض الثلاسيميا يكون المقصود في الأغلب هذا النوع من المرض. وتوجد عدة أنواع إكلينيكية من المرض، ولكنّ هناك نوعين تبعا لشدة المرض إلى ثلاسيميا كبرى (Thalassemia major) أو ثلاسيميا صغرى (Thalassemia minor).

- النوع الثاني «ألفا» (Alpha thalassemias) ويصاب به المرضى من سكان جنوب آسيا والصين.

* الثلاسيميا الكبرى

* تبدأ أعراض الثلاسيميا في الظهور غالبا بعد النصف الثاني من السنة الأولى من عمر الطفل. وأهم هذه الأعراض الشحوب الذي يظهر تدريجيا نتيجة لفقد الجسم الكثير من كريات الدم الحمراء، ويكون تركيز الهيموغلوبين من 3 إلى 7 تقريبا، وكذلك يعاني الطفل من التعب السريع وزيادة سرعة ضربات القلب، وظهور الاصفرار في ملتحمة العين نتيجة لزيادة تكوين الصفراء بطريقة غير مباشرة نظرا لتكسير كريات الدم، وتغير لون البراز، ولكن يبقى لون البول كما هو، باستثناء حالات الأنيميا الحادة يكون لون البول أحمر نتيجة لنزول الهيموغلوبين بكثرة في البول. كما يرصد تضخم في حجم الكبد والطحال نتيجة لزيادة تكوين كريات الدم تعويضا لفقد كريات الدم نتيجة لتكسيرها. ومن المعروف أن النخاع العظمي هو المسؤول الرئيسي عن تكوين كريات الدم الحمراء، ولكن نظرا للأنيميا المستمرة لا يستطيع النخاع العظمي وحده تلبية حاجة الجسم من الكريات الحمراء.

كما يحدث تضخم في النخاع العظمي وكذلك زيادة حجم العظام أو تشوهها، خصوصا في منطقة الوجه نتيجة للإنتاج المستمر لتعويض النقص، ويكون الطفل أيضا عرضة للكسور أكثر من غيره، وتأخر ملحوظ في النمو، ويكون الطفل عرضة باستمرار للعدوى المختلفة.

يعاني أيضا الأطفال مرضى الثلاسيميا من مضاعفات نقل الدم باستمرار وأهمها تراكم الحديد، التي يمكن أن تؤثر سلبا على وظائف الكثير من أعضاء الجسد الحيوية وتسبب أمراضا مثل السكري وفشل القلب وتضخم الكبد. وبالنسبة لمرضى الثلاسيميا الصغرى فهم تقريبا لا يعانون من أي أعراض باستثناء بعض الأنيميا الطفيفة، وغالبا ما يتم الخلط بينها وبين أنيميا نقص الحديد، ولكن يمكن التمييز بينهما بسهولة بمقياس مستوى الحديد في الجسم.

* مضاعفات نقل الدم

* من أهم مضاعفات نقل الدم: نقل العدوى بالأمراض التي تنتقل بواسطة الدم. ويأتي أهم هذه الأمراض مرض الكبد الوبائي «سي» (HCV)، خصوصا في مصر، ولذلك يجب فحص الدم بدقة والتأكد من سلامته. ويعتبر تراكم الحديد في الجسم أحد أهم مضاعفات نقل الدم المتكرر، بالإضافة إلى زيادة امتصاص الحديد من الجهاز الهضمي، وهو الأمر الذي يحتم ضرورة التخلص من الحديد الزائد عن طريق عقاقير معينة تتحد مع الحديد وتقلل من نسبته الزائدة (chelating agents)، وبذلك تحمي الجسم من مخاطر زيادته وتأثيره السيئ على أجهزة الجسم المختلفة، وخصوصا القلب، وهي بذلك ساعدت في زيادة متوسط أعمار الأطفال مرضى الثلاسيميا.

يتم إعطاء هذه العقاقير بعد نحو سنة أو سنتين من نقل الدم بصورة دورية عن طريق الحقن سواء بالوريد أو العضل أو تحت الجلد بجرعات من 30 إلى 40 ملغم - كلغم يوميا لمدة 5 أيام في الأسبوع عن طريق التنقيط بواسطة جهاز معين، لمدة تتراوح ما بين 8 وحتى 12 ساعة، ويستحسن أن تكون أثناء نوم الطفل. وهذه الأدوية لها أعراض جانبيه مثل الحساسية وضعف السمع. وتوجد أيضا عقاقير عن طريق الفم تتحد مع الحديد وتساعد في إزالة الحد الزائد عن احتياجات الجسم، وهذه الأدوية أثبتت فاعلية في تقليل نسبة الحديد، بالإضافة إلى سهولة تناولها مما يجعلها عملية أكثر.

* فحوصات الثلاسيميا الكبرى

* عمل صورة كاملة للدم (CBC) التي تظهر أنيميا شديدة، ويكون مستوى الهيموغلوبين ما بين من 3 إلى 7 غم، وكذلك يقل حجم كرة الدم ومحتوى الهيموغلوبين بها.

* أخذ عينة من النخاع العظمي في بعض الحالات لاستبعاد بعض الأمراض الأخرى.

* عمل فصل للهيموغلوبين الذي يوضح استمرار الهيموغلوبين الجنيني، وهو الأمر الذي يجب أن يختفي بعد 6 شهور من الولادة وإحلاله بالهيموغلوبين العادي.

* ارتفاع نسبة الصفراء بالدم نتيجة لتكسير كريات الدم.

* ارتفاع مستوى الحديد بالدم.

* وجود هيموغلوبين في البول في حالات الأنيميا الحادة.

* عمل أشعة إكس على العظام التي توضح تضخم النخاع العظمي، وكذلك يمكن تشخيص وجود كسور في العظام في الأشعة.

* يتم عمل أشعة على القلب والصدر لتشخيص وجود تضخم أو فشل في القلب، وكذلك يتم عمل رسم قلب وأشعة تلفزيونية على القلب.

علاج الثلاسيميا الكبرى

* نقل الدم. يعتبر هو العلاج الأساسي في مرضى الثلاسيميا وهناك عدة نظم لنقل الدم وتهدف إلى حفظ مستوى الهيموغلوبين نحو 10، ويحتاج المريض إلى نقل الدم بصورة دورية من 4 إلى 6 أسابيع، ويستحسن أن يكون محتوى الدم في معظمة كريات دم حمراء (Packed RBC) نحو من 10 إلى 15 ملغم - كلغم، ويستحسن في بعض المرضى اللذين حدثت لهم حساسية من قبل غسل كريات الدم الحمراء بمحلول ملحي، وأيضا يتم إعطاء العقاقير التي تقلل من الحساسية، ويجب بطبيعة الحال مراعاة أن يكون الدم من نفس الفصيلة.

ولنقل الدم فوائد كثيرة، حيث إنه يمكن المريض من ممارسة النشاط العادي فضلا عن تحسين الحالة الصحية العامة، وأيضا يقلل من نمو النخاع العظمي حيث لا يكون هناك حاجة لإنتاج المزيد من كريات الدم، وكذلك يمنع نمو العظام وتشوهها ويقلل من المخاطر على القلب.

* استئصال الطحال (Splenectomy). يتم استئصال الطحال في بعض المرضى الذين يحدث لديهم زيادة في تكسير كريات الدم الحمراء ويحتاجون إلى تقل دم أكتر من 200 إلى 250 ملغم - كلغم في السنة لحفظ مستوى الهيموغلوبين فوق 10، ويتم إجراء العملية الآن بأقل نسبة خطورة حتى إنه يمكن إجراؤها بالمنظار الجراحي، ويتم إعطاء تطعيمات قبل العملية، وكذلك إعطاء جرعات مناسبة من المضادات الحيوية بعد العملية لتفادي العدوى.

* حمض الفوليك. يتم إعطاء حمض الفوليك بجرعة 1 ملغم - كلغم في اليوم لتعويض نقص حمض الفوليك.