طبيب شاب مصاب بآلام حادة في المعدة.. حالته لا تزال غامضة

الأطباء يبحثون عن أسباب زيادة مستويات الكالسيوم لديه

TT

يسأل عمود التشخيص بمجلة «نيويورك تايمز» بشكل منتظم قراءه من الأصحاء أن يدرسوا حالة طبية صعبة ويحاولوا فك اللغز والعثور على تشخيص مناسب. وسيجد القارئ ملخصا لقضية طبية معقدة أكثر مما قد يبدو للوهلة الأولى. وستتيح النتائج المختبرية والصور، التي حصل عليها طبيب الرعاية الأولية، للقارئ (التي لن نقدمها هنا للقارئ العربي) إمكانية الوصول لنفس المعلومات التي حصل عليها أولئك الذين قاموا بحل هذا اللغز الطبي في المقام الأول.

قصة المريض

* استيقظ شاب موفور الصحة، يبلغ من العمر 29 عاما، من النوم لشعوره بآلام مبرحة في الجانب الأيمن السفلي من بطنه. وكان الألم شديدا مثل طعنة خنجر في جنبه، واستلقى الشاب في الفراش، وحاول ألا يتحرك، ولكن مجرد التنفس كان يدفع الخنجر غير المرئي بدرجة أعمق في أحشائه. وكانت هذه النوبات من الألم قد بدأت تصيبه من آن لآخر منذ عدة سنوات، ولكنها لم تصل قط إلى هذه الدرجة من السوء. وكان عادة ما يعزو هذه النوبات إلى التوتر العصبي والقلق، إذ كان هناك سبب بالفعل للتوتر والقلق في هذه المرة، نظرا لأنه كان من المفترض أن يبدأ العمل في وظيفة جديدة في اليوم التالي.

وقد خف الألم قليلا في نهاية المطاف، ولكنه كان مضطرا إلى التحرك بحذر شديد، حيث إن أي حركة أو لفتة غير محسوبة يمكنها أن تجعل عينيه تدمعان من الألم. وقد تمكن من الذهاب إلى الحمام وفتح المرشاش (الدش)، وساعده الماء الساخن على الراحة والاسترخاء، مما جعله يشعر بتحسن، ولكنه كان لا يزال لا يستطيع أن ينحني من دون أن يلهث من الألم الحاد الذي يشعر به في بطنه.

وقد بدأت حالته تتحسن تدريجيا ببطء خلال الساعات القليلة التالية. وفي اليوم التالي كان قادرا على بدء عمله في منصبه الجديد كطبيب يتدرب في مستوصف «مايو كلينيك» ليصبح طبيبا متخصصا في أمراض السرطان.

وعلى الرغم من أن الشاب كان مقتنعا بتشخيصه لنوبات الألم التي كانت تصيبه في معدته، إلا أن زوجته – التي كانت تعمل كطبية أيضا - لم تكن مقتنعة بذلك.

وقد قام الشاب، نتيجة لإصرار زوجته، بتحديد موعد لزيارة طبيب الرعاية الأولية الذي تم تحديده له في مستوصف «مايو كلينيك».

فحص الطبيب

* وكان الانطباع الأول للدكتور إريك تانغالوس عندما التقى مريضه الجديد، هو أنه كان موفور الصحة إلى حد كبير. وكان المريض طويل القامة ونحيلا، ويتميز بكونه هادئ الطباع ودائم الابتسام وجادا في عمله. وقال الشاب عندما سأله تانغالوس عما أتى به في ذلك اليوم، إنه أتى ببساطة للقيام بفحص بدني روتيني، ولكنه لديه بعض الأمور التي يرغب في مناقشتها معه التي كانت تتمثل في النقاط التالية:

* أولا، إن الشاب كان قد قام قبل عام بعمل اختبار للدم – مجرد اختبار روتينيي – وإن هذا الاختبار قد أظهر وجود الكثير من الكالسيوم في دمه. وكان هذا الاكتشاف مهما لأن والده كان يعاني من مشاكل صحية تتعلق بوجود مستويات عالية من الكالسيوم لديه هو أيضا. وقد حاول الشاب أن يقلل من شرب الحليب منذ حصوله على نتائج الاختبار بهدف معرفة ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى خفض مستويات الكالسيوم لديه.

* ثانيا، إن الشاب كانت لديه أيضا بعض البقع الحمراء على أنفه، التي كانت مزعجة وغير جذابة. وكان طبيب أمراض جلدية قد قال له إن هذه البثور كانت تعرف باسم «اليفوم الوعائي» angiofibromas، وإنها كانت تظهر في العادة لدى الأشخاص الذين كانوا يعانون من اضطراب وراثي يسبب التخلف العقلي. وكان المريض قد تخرج بالفعل في كلية الطب في ذلك الوقت، مما دفع طبيب الأمراض الجلدية لأن يقول له مازحا إنه لم يكن قلقا من أن يكون الشاب مصابا بهذا المرض، ونصح الطبيب مريضه بألا يقلق من هذه البثور. ولكن المريض كان مع ذلك منزعجا من هذه البقع الغريبة، التي كان عددها تزداد في كل عام.

* وأخيرا، ذكر الشاب نوبات الألم المتقطعة التي تصيبه في بطنه، التي ازدادت حدتها قبل بضعة أسابيع. وقال إنه لم يفقد شيئا من وزنه وليس لديه إسهال أو دم في برازه، ونادرا ما شكل الألم إعاقة لأنشطته اليومية.

وقال الشاب إنه لم يكن له تاريخ طبي يذكر بخلاف ذلك، حيث إنه لم يسبق له دخول أحد المستشفيات لتلقي العلاج، ونادرا ما كان يمرض، بل إنه حتى لم يعان من أي كسور في العظام من قبل. وكان متزوجا ولديه ابنة في السنة الثانية من عمرها. وكانت والدته على قيد الحياة وبصحة جيدة، بينما كان والده قد توفي بسرطان الرئة عندما كان عمره 14 عاما. وكان شقيق والده قد توفي أيضا وهو لا يزال في مرحلة الشباب، حيث كان لديه ورم في الغدة النخامية. ولم يكن المريض الشاب من المدخنين، ولكنه كان يشرب الخمر في بعض الأحيان، وكان يتمتع بالحيوية والنشاط من الناحية الجسدية.

ولم يجد الدكتور تانغالوس بعد أن قام بفحص المريض أي شيء غير طبيعي فيه سوى شامة كبيرة على الجزء العلوي من ظهره، إلى جانب البثور القليلة الموجودة على أنفه، ومن ثم قرر أنه يرسل الطبيب الشاب إلى طبيب أمراض جلدية ليلقي نظرة على هذه البثور المختلفة، وطلب منه القيام ببعض الفحوصات الطبية لمعرفة سبب ارتفاع مستويات الكالسيوم لديه.

وقد جاءت نتائج الفحوصات الطبية التي طلبها تانغالوس في غضون أيام قليلة، وكانت طبيعية في أغلبها، حيث كان الشيء الوحيد غير العادي هو وجود انخفاض طفيف في نسبة إنزيم «فوسفاتيز قلوية» الذي عادة ما يكون موجودا في الكبد والعظام.

وعلى الرغم من أن بعض الأمراض التي تتسبب في ارتفاع مستويات الكالسيوم في الدم يمكن اكتشافها من خلال الأشعة السينية (أشعة إكس)، فإن نتائج الأشعة السينية للمريض كانت طبيعية.

تشخيصات محتملة

* وهناك عدة تشخيصات مختلفة يمكنها أن تفسر هذا اللغز الطبي وهي كالتالي:

1) السرطان: يمكن أن يؤدي الانتشار النقيلي للسرطان في العظام (أي من موقعه إلى أنحاء أخرى) إلى ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، ولكنه لا يفسر الآلام الحادة المتكررة في البطن. كما أنه لا يفسر أيضا البثور الموجودة على أنف المريض.

2) التسمم بفيتامين دي Vitamin D intoxication: تحصل زيادة في مستويات الكالسيوم عندما يكون هناك الكثير من فيتامين دي في الجسم (وهو ما يحدث عادة نتيجة لتناول الكثير من المكملات الغذائية التي تحتوى على فيتامين دي)، ففيتامين دي هو المسؤول عن تنظيم كمية الكالسيوم التي يمتصها الجسم من الغذاء. ولكن هذا التشخيص لا يفسر بالضرورة آلام البطن أو البثور.

3) مرض السركودية (داء اللحمانية) Sarcoidosis: وهو مرض يصيب خلايا الجهاز المناعي ويجعلها تتجمع معا في شكل حبيبات غير متجبنة في أعضاء الجسم المختلفة، حيث تخلق هذه الحبيبيات الكثير من فيتامين دي النشط، الذي يتسبب بدوره في امتصاص كميات كبيرة من الكالسيوم.

4) فرط كالسيوم الدم الناقص كسلس البول العائلي Familial hypocalciuric hypercalcemia: وهو أحد الأمراض الوراثية الذي يتمثل في عدم القدرة على التخلص من الكالسيوم في البول، وعلى الرغم من أنه مرض نادر، فإنه يتسبب في وجود مستويات عالية من الكالسيوم في الدم. ولكنه نادرا ما يسبب أي أعراض أخرى.

5) فرط الدرقية Hyperthyroidism: يؤدي هرمون الغدة الدرقية إلى إفراز العظام للكالسيوم، وبالتالي فإن زيادة إفراز هرمون الغدة الدرقية غالبا ما يسبب زيادة مستوى الكالسيوم في الدم وهشاشة العظام.

6) فرط الجار درقية Hyperparathyroidism: وهو مرض ينجم عن فرط إفراز هرمون الجار درقية المسؤول عن تنظيم كمية الكالسيوم في الدم.

* خدمة «نيويورك تايمز»