الباحثة جين غودال تتحدث عن «شيخوختها»

درست الهرم لدى الشمبانزي والإنسان

TT

أمضت الباحثة جين غودال، 77 عاما، معظم حياتها في دراسة الشمبانزي. وقد شجعها على ذلك عالم الأنثروبولوجيا الشهير لويس ليكي، حيث عسكرت غودال، وهي بعد في السادسة والعشرين من عمرها، في حديقة مدينة غومبي الوطنية في تنزانيا لمراقبة مجموعة من قرود الشمبانزي البرية عن قرب، حيث ينسب لها فضل اكتشاف أن قرود الشمبانزي تستطيع استخدام الأدوات، وأنها ليست نباتية، وأنها تقوم برعاية بعضها البعض، وأنها تلجأ أحيانا لاستخدام العنف ضد بعضها. كما أنها استغلت أيضا السنوات التي قضتها في إجراء البحوث، والتي تعد من أطول المشاريع البحثية العلمية على مستوى العالم، لإظهار مدى الارتباط الوثيق بين البشر وقرود الشمبانزي.

وتركز غودال الآن، فيما تصفه بأنه الفترة الأخيرة من حياتها، بشكل أكبر على الأطفال، حيث تشجعهم من خلال حملة «الجذور والبراعم» على أن يصبحوا أصدقاء طيبين للبيئة، وقد أجرت صحيفة «واشنطن بوست» أخيرا لقاء مع غودال حول عملية الشيخوخة، سواء من منظور قرود الشمبانزي أو من منظورها هي البشري الفريد.

* شيخوخة القرود

* لقد قضيت حياتك تدرسين قرود الشمبانزي، فهل يمكنك أن تصفي لنا كيفية حدوث عملية الشيخوخة بها؟

- ما سيلاحظه المرء على القرود المسنة في أي مكان، سواء أكانت في البرية أم الأسر، هو ضعف أسنانها وتآكلها، وانكماش أجسامها، وفقدانها للمعانها، حيث يتغير لونها من الأسود اللامع إلى البني الرمادي، كما تصبح عيونها غائرة، وتتباطأ حركتها، ويميل أفرادها إلى العزلة والانفراد، والابتعاد عن الجماعات المستثارة.

ونلاحظ هنا فرقا كبيرا بين الذكور والإناث المسنة، حيث لا يحدث انقطاع حقيقي للطمث لدى الإناث المسنة، إذ أنها تستمر في إنجاب الأطفال كل 5 سنوات، حتى عندما تبلغ الأنثى مرحلة متقدمة من العمر، وهو ما يمكن وصفه بمأساة عدم انقطاع الطمث. وغالبا ما يموت الطفل الأخير لأن الأم تكون قد بلغت من العمر عتيا بحيث لا تستطيع توفير التغذية السليمة له.

* وماذا عن ذكور الشمبانزي المسنة؟

- أغلب قرود الشمبانزي التي تعيش في البرية لا تطول أعمارها إلى هذا الحد، ونظرا لأن الذكر المسن قد يشعر بالوحدة الشديدة، فإنه قد يكون علاقات وثيقة مع غيره من الذكور، حيث كثيرا ما نجد اثنين من الذكور المسنة تتسكع معا وتستميل بعضهما البعض.

* من الذي يتزاوج مع الإناث المسنة؟

- الجميع يتزاوج معها، حيث إنها تكون محبوبة بشكل أكبر من الذكور، كما أنها لا تشعر بالخوف، وتعرف كل الحيل، وتحظى بشعبية كبيرة، وهو ما يعد شيئا طيبا إلى حد كبير، ولكن ينبغي علينا أن نتذكر أنه لا يوجد الكثير من الإناث الكبيرة جدا في العمر، حيث إن معظم قرود الشمبانزي البرية لا تعيش أكثر من 50 عاما.

ويقترب سن أكبر أنثى في قرود الشمبانزي التي تعيش في الأسر، والتي تدعى «ليتل ماما»، من عمري أنا في الوقت الحالي، حيث لا يقل عمرها عن 74 عاما. وهناك اثنتان من الإناث البرية الكبيرة حقا في السن، وهما «أولد فلو»، التي كان عمرها يتجاوز الـ50 عاما عندما توفيت، والتي كان لديها نوع من انقطاع الطمث، كما أنها كانت قد أصبحت ضعيفة للغاية، مما أدى إلى وفاة طفلها الأخير، وكان في رفقتها طوال الوقت ابنها ذو الثمانية أعوام، بحيث لم تكن تسير بمفردها قط.

والأنثى الثانية هي «سبروت». ومن القصص الجميلة التي تروى عنها أن ابنها البالغ الرائع، «ساتن»، قد هدد أحد الذكور الشباب، عندما كان عمره 23 عاما، لأنه كان يريد الاستيلاء على ثمرات إحدى الأشجار، مما دفع الذكر الشاب إلى التراجع بعيدا والصراخ، فسمع أخوه الأكبر صراخه، وأخذ يتأرجح من شجرة إلى أخرى حتى بلغ موضع شقيقه، وهجم الاثنان معا على «ساتن»، ولكن فجأة برزت من بين فروع الأشجار أنثى مسنة، منكمشة، لا يتعدى وزنها نصف وزن الذكور الثلاثة، وقفزت فوق الذكور الثلاثة، وأخذت تضرب الشقيقين بيديها الصغيرتين والنحيلتين للغاية، حتى فرا هاربين. ولم تكن هذه الأنثى المسنة سوى «سبروت»، والدة «ساتن».

* ولكن هل تعلمت شيئا عن عملية الشيخوخة من قرود الشمبانزي؟

- كلا في الحقيقة، فأنا لا أعتقد أن ما أعرفه عن الشيخوخة قد تعلمته من دراستي لقرود الشمبانزي.

«شيخوختي»

* هل تشعرين بأنك سيدة مسنة؟

- أنا لا أشعر بأنني في سن معينة، ورغم أن سن الـ78 تبدو سنا كبيرة، فإنني لا أشعر بأنني سيدة مسنة، حيث لم يصبح عقلي ضبابيا بعد.

* هل تشعرين بأوجاع وآلام؟

- أول علامات الكبر في السن هي عدم القدرة على الوقوف بسهولة من وضع الجلوس على الأرض، حيث كنا أنا وأختي نجأر بالشكوى في أحد الأيام، وأتذكر أن والدتي - كل أفراد عائلتي عاشوا حتى تجاوزوا الـ90 من أعمارهم – ظلت تراقب أختي وهي تحاول النهوض من على الأرض بعدما أصبحت مضطرة إلى الاستناد على أحد الكراسي لكي تتمكن من الوقوف، وقد أدركت لحظتها أننا قد كبرنا في السن بحيث لم نعد نستطيع الوقوف من وضع الجلوس على الأرض قفزا.

ولكنني ما زلت قادرة على اتخاذ أوضاع صعبة والجلوس في أماكن ضيقة، حيث ذهبنا في الليلة الماضية لتناول العشاء في منزل أحد الأشخاص ولم تكن هناك مساحة كافية في السيارة، واضطررت لحشر نفسي في المقعد الخلفي، ولم أشعر إطلاقا أنني في سن الـ78.

* من منكن تتمتع بلياقة بدنية أفضل، أنت أم أختك؟

- أنا أتمتع بلياقة بدنية أفضل منها، رغم أنها تصغرني بأربع سنوات، إلا أنها تعاني من ألم في ركبتها منذ فترة، وينبغي عليها أن تسعى لعلاجها، ولكن حالتها الصحية تعتبر جيدة تماما بخلاف ذلك، حيث إنها لم تمرض قط، لأننا كنا سعيدتي الحظ وورثنا جينات جيدة، سواء من ناحية الأب أو من ناحية الأم.

* هل ما زلت تسافرين 300 يوم في السنة؟ وأليست هذه السفريات الكثيرة مرهقة جسديا؟

- أنا الآن أسافر أكثر من ذلك، بشكل لم أكن أستطيع أن أفعله عندما كان عمري 30 عاما، حيث كنت أمرض بسرعة، رغم أنني كنت أواصل الجولة التي أقوم بها، وقد أصبت بالحمى في إحدى المرات، ولكنني لم أكن أعرف هذا في ذلك الوقت، وقد ذهبت إلى الطبيب، الذي قال لي: «إن لديك الكثير من الأجسام المضادة، فمتى أصبت بالحمى الغدية؟»، وعندما قلت له إنني لم أكن أعرف أنني مصابة بتلك الحمى، قال لي: «هذا هو السبب في أنك تشعرين بضعف شديد». وقد اضطررت بضع مرات للتوقف في منتصف إحدى المحاضرات التي كنت ألقيها، حيث شعرت بأنني على وشك الإغماء، وكان ذلك عندما كنت في الثلاثين والأربعين من عمري، أما الآن فإنني أقترب من الثمانين.

وأعتقد أنه أمر مشجع للغاية أن يعرف الأشخاص الذين بلغوا الثمانين من عمرهم بالفعل، والذين يعتقدون أنهم قد أصبحوا مسنين للدرجة التي تمنعهم من القيام بأي شيء، أن المرء يمكن أن يكون أقوى في سن الـ78 منه عندما كان في الثلاثين أو الأربعين من عمره، حيث أصبحت أكثر تصميما الآن، رغم علمي بأن عمري على هذه الأرض قد أصبح قصيرا.

* كيف تحافظين على هذه الحيوية الكبيرة الموجودة بداخلك؟

- هناك الكثير من الأشياء التي ينبغي علي القيام بها! ولحسن الحظ فإنني أعود إلى غومبي مرتين في السنة، وأصر دائما على قضاء يوم بمفردي، من الأيام الأربعة الثمينة التي أقضيها في غومبي، حتى أتمكن من تجديد نشاطي وطاقتي الروحية، وعندما أكون في إنجلترا، موطني الأصلي، والبلد الذي ترعرعت فيه، حيث تعيش أختي وعائلتها وكلابهم الأليفة، فإنني أحصل على الاسترخاء من خلال اصطحاب تلك الكلاب في جولة على الأقدام عبر الأماكن التي كنت ألعب فيها وأنا طفلة.

مواكبة التطورات

* هل تواكبين التطورات التكنولوجية؟

- أنا أستخدم البريد إلكتروني، ولدي جهاز كومبيوتر محمول أحمله معي أينما ذهبت، وأستخدمه في الكتابة، ولكنني لم ولن أمتلك جهاز «بلاك بيري»، وإن كان هذا لا يمنع من أنني لدي بالفعل هاتف جوال، ولكنني لا أعرف رقمه، حيث لا أستخدمه سوى في الاتصال بمن أريد عند الحاجة، ولذلك أبقيه مغلقا دائما، فهو لا يشكل جزءا من حياتي، وبالإضافة إلى ذلك هناك من يقوم بكتابة مدونة لي، ولكنني لا أستخدم موقع «تويتر»، وعندما يسألني الناس للانضمام إليهم على موقع «فيس بوك»، فإنني أقوم بحذف تلك الرسالة.

والمجال المهم الذي كانت فيه التكنولوجيا مفيدة حقا هو أنها جعلتنا قادرين على رسم خرائط عالية الدقة لجميع أنحاء غومبي، حيث أصبح لدينا نظام تحديد المواقع، كما أصبح لدينا هواتف جوالة تعمل بنظام «أندرويد» والتي لا أدري ما هي على وجه التحديد، حيث إنني لا أدعي قدرتي على فهم هذه الأشياء التي يستخدمها مراقبو الغابات الذين يساعدون على حماية الغابات والمحافظة عليها وعلى قراهم.

* ما الذي ما زلت تأملين في فعله؟

- تنمية المشاريع التي أقوم بها بالفعل، مثل برنامج الجذور والبراعم البيئي للشباب، والذي يديره معهد جين غودال، والذي يتم تنفيذه في 100 بلد.

كما أنني أقوم بتشجيع الناس على التفكير في العواقب المترتبة على الخيارات التي يتخذونها، مثل الأشياء التي يقومون بشرائها، وبلد المنشأ الذي أتت منه، والمواد المستخدمة في صناعتها، ومدى بعد المكان الذي جلبت منه، ومدى تسخير الأطفال في صنعها إذا كانت تلك الأشياء قادمة من الهند أو الصين، وانطوائها أو عدم انطوائها على استخدام القسوة الرهيبة ضد الحيوانات، مثل لحوم حيوانات المزرعة التي نشتريها، حيث تتعرض تلك الحيوانات للتعذيب.

وأحاول، بالإضافة إلى ذلك، الاستفادة من وجهة نظري الأيكولوجية الخاصة، مثل إطفاء الأنوار قبل النوم، وغلق جهاز الكومبيوتر، حيث إن هذه الأمور التي تبدو صغيرة وقليلة الأهمية تحدث تغيرا كبيرا جدا عندما يقوم بها الملايين من الناس.

ورغم أن أملي كبير في الشباب، فإنني أشعر في الوقت نفسه أنه من المهم جدا التحدث مع صناع القرار.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»