تراجع في وفيات الملاريا.. بفضل الجهود العالمية

المرض يودي بحياة الأطفال ويعرض الكبار للخطر

TT

يعتبر مرض الملاريا بلاء للبشرية منذ القدم، وهو من أخطر التحديات الصحية التي تواجه العالم، ويمثل مشكلة كبيرة ويحصد الكثير من الوفيات على مستوى العالم، خصوصا البلدان التي يكون فيها المرض مستوطنا في أفريقيا وأميركا اللاتينية وبعض مناطق من آسيا والشرق الأوسط. والأطفال هم الأكثر تضررا من المرض، وخصوصا من سن 6 شهور وحتى 5 سنوات، وهناك طفل واحد يموت بالملاريا كل 30 ثانية على مستوى العالم.

إصابات ووفيات

* ويعيش ما يقرب من 40% من البشر في أماكن تتفشى فيها الملاريا ويصاب بالمرض نحو 300 مليون شخص سنويا. وعلى الرغم من الجهود المستمرة التي تبذلها منظمة الصحة العالمية لمحاولة السيطرة على المرض، وأيضا مع زيادة حجم الإنفاق سواء في الأبحاث المتعلقة بالمرض أو العلاج أو التوعية في بلدان العالم المختلفة، وهو الأمر الذي ضاعف فاتورة تكلفة المرض من 149 مليون دولار عام 2000 إلى ما يزيد على مليار دولار في عام 2008، إلا أن كل هذه الجهود لم تقد إلى إزالة الإصابات والوفيات على مستوى العالم، ويكفي أن نعرف أن عدد الوفيات جراء الإصابة بالملاريا في عام 2010 كان 1.2 مليون شخص، وذلك تبعا للدراسة التي رصدها معهد القياسات الصحية والتقييم (Institute for Health Metrics and Evaluation) بالولايات المتحدة، وأيضا جامعة كوينزلاند (University of Queensland) بأستراليا، وهي الدراسة التي تم نشرها مؤخرا في فبراير (شباط) الحالي في دورية «لانسيت» الطبية (The Lancet)، وكانت الدراسة بعنوان «تحليل منهجي لوفيات الملاريا في الفترة من عام 1980 وحتى عام 2010».

على الرغم من فرضية أن غالبية وفيات الملاريا تحدث بين الأطفال دون سن الخامسة، حيث إن من الثابت أن التعرض للملاريا في الطفولة المبكرة يساعد على تكوين مناعة لدى البالغ تجعله يقاوم خطر الموت بالمرض، ومع ذلك تبين أن هناك نسبة كبيرة من الوفيات من الأطفال الأكبر سنا والبالغين أيضا، ومن إجمالي الوفيات البالغ عددهم 1.2 مليون شخص كان هناك 42% من الوفيات في الفئة العمرية الأكبر، حيث كان 78000 من الوفيات تتراوح أعمارهم بين عمر الخامسة والخامسة عشرة، وكان نحو 445000 من الخامسة عشرة وأكثر. ومنذ عام 1985 كانت أعداد الوفيات تتزايد كل عام حتى وصلت إلى ذروتها في عام 2004، حيث بلغ عدد الوفيات 1.8 مليون شخص، ومنذ ذلك الحين أخذ عدد الوفيات يتناقص كل عام، وفي الفترة من 2007 وحتى 2010 بلغت نسبة النقص في حالات الوفاة نحو 7%.

أسباب الإصابة

* تتم الإصابة بالمرض نتيجة لنوع من الطفيليات يسمى «البلازموديوم» (Plasmodium). وهو عدة أنواع، ولكن هناك أربعة أنواع منه يمكنها إصابة الإنسان، تختلف من مكان إلى آخر، وكذلك تختلف شدة المرض تبعا لنوعيه الطفيل، والنوع الأكثر خطورة وأيضا الأكثر انتشارا في أفريقيا يسمى «بلازموديوم فالسيبرم» (P falciparum). ويتم نقل المرض إلى جسم الإنسان عن طريق أنثى بعوضة معينة تسمى «أنوفلس» (Anopheles) التي تنقل المرض إلى دم الإنسان عن طريق اللدغ، حيث إن الطفيل يحتاج إلى البعوض والإنسان لتكملة دورة حياته، ويستكمل دورة حياته في كرات الدم الحمراء والكبد.

كما يمكن أن ينتقل المرض في أحيان نادرة عن طريق نقل الدم في المناطق التي تتفشى فيها الملاريا، خصوصا أن المتبرعين بالدم لا تظهر عليهم أي أعراض إكلينيكية مثل ارتفاع درجة الحرارة أو أي أعراض أخرى مصاحبة للعدوى (asymptomatic parasitemia)، وذلك لأن كثرة التعرض للمرض تخلق نوعا من المناعة الجزئية تقلل من أعراض المرض، وأيضا يمكن أن ينتقل المرض من خلال الأم إلى الرضيع أثناء الحمل عن طريق المشيمة في المناطق التي تتوطن فيها الملاريا.

والفئات الأكثر عرضة للإصابة بالملاريا هم الأشخاص المسافرون إلى المناطق التي يتفشى فيها المرض أو الأشخاص الذين لم يتعرضوا للإصابة من قبل، وبالتالي لا توجد لديهم مناعة من المرض.

الأعراض والمضاعفات

* يبدأ ظهور الأعراض بعد فترة حضانة تختلف من نوع من الطفيليات إلى آخر، وتتميز هذه الأعراض بصورة شبه كلاسيكية بنوبات مفاجئة من الشعور بالرعشة أو (القشعريرة) تستمر من ساعة إلى ساعتين، ويتبعها ارتفاع في درجة الحرارة مع نوبات من العرق الغزير، وتعود درجة الحرارة إلى الحد الطبيعي وأحيانا تحت الطبيعي. وتستمر هذه النوبات من 48 إلى 72 ساعة، كما يصاحب هذه الأعراض أعراض أخرى تشبه الإنفلونزا، مثل السعال وآلام المفاصل أو آلام في العضلات والصداع.

وفي حالات الإصابة الشديدة، وخصوصا بطفيل فالسيبرم (P falciparum) يحدث التهاب في خلايا المخ في ما يعرف بالملاريا الدماغية (Cerebral malaria)، وهي أهم المضاعفات. وتحدث تشنجات متعددة ومسؤولة عن أكبر عدد من الوفيات، وأيضا تحدث أنيميا (فقر الدم) تسوء سريعا، وكذلك تضخم في الطحال وأيضا ارتشاح في الرئتين وفشل كلوي وانخفاض في مستوى السكر في الدم ونزيف تلقائي وغيبوبة. وهذه المضاعفات يتأثر بها أكثر الأطفال والسيدات الحوامل، ويمكن أن تؤدي هذه الأعراض إلى الوفاة إذا لم يتم العلاج الكافي سريعا.

التشخيص والعلاج

* يجب أخذ تاريخ المرض للمريض بدقة والسؤال عن السفر حتى ولو كانت مجرد فترة بسيطة إلى بعض المناطق الموبوءة بالملاريا، وعليه يجب العلاج بشكل فوري بمجرد حدوث ارتفاع في درجة الحرارة دون الانتظار للتأكد من التشخيص. وكذلك يعتمد الطبيب في التشخيص على السؤال عن الأعراض المميزة للمرض، وأيضا يتم أخذ عينة من الدم لتأكيد التشخيص وتحديد نوعية الطفيل، ويتم أيضا عمل صورة دم كاملة، تظهر نقصا في الهيموغلوبين الذي يكون شديدا لدى الأطفال المصابين، وأيضا يتم إجراء تحاليل لوظائف الكبد والكلى، تظهر تدهورا في الوظائف.

وباستثناء الحالات التي تصحبها مضاعفات «بلازما فالسيبرم» وتحمل أكثر معدلات الوفاة، إذا لم يتم علاجها بشكل جيد، فإن حالة معظم مرضى الملاريا تتحسن في خلال 48 ساعة وتعود درجة الحرارة إلى المعدل العادي في خلال 96 ساعة.

بالنسبة للعلاج تستخدم في حالات الإصابة العادية غير المصحوبة بمضاعفات، الأدوية المضادة للملاريا عن طريق الفم. ولكن في حالات المضاعفات تستخدم عن طريق الحقن الوريدي، وفي الأغلب يتم استخدام أكثر من نوع من مضادات الملاريا، وذلك لتقوية التأثير وكذلك لمحاولة مقاومة عدة أنواع من الطفيل. وبالنسبة للحوامل والأطفال يمكنهم تناول هذه الأدوية، ولكن بجرعات معينة وبحرص شديد، ومن أشهر هذه الأدوية عقار الكينين (quinine) وكذلك عقار الكيندين (quinidine) وأيضا عقار الكلوركوين (chloroquine)، نظرا لإمكانية عمل مقاومة من الطفيل لمثل الأدوية، تم التوصل إلى عقار وتم اعتماده من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في عام 2009، وهذا النوع الجديد (artemisinins) يعطي نتائج جيدة.

وللوقاية من الملاريا تتم توعية المسافرين إلى المناطق الموبوءة بالملاريا، بمحاولة تفادي لدغ البعوض بارتداء الملابس الطويلة وتغطية معظم مناطق الجسم واستخدام مواد طاردة للبعوض، وكذلك مكافحة البرك والمستنقعات والرش الدائم لها بالمبيدات الحشرية، وكذلك يستحسن في حالة السفر تناول العقاقير المضادة للملاريا قبل السفر بأسبوع وبعد العودة لمدة أربعة أسابيع.