نوبات ألم مجهولة.. ظلت أسبوعين من دون تشخيص

تحدث بسبب مرض وراثي نادر

TT

في أحد أعدادنا، تحدينا قراءنا المتمتعين بصحة جيدة أن يشخصوا حالة رجل عمره 30 عاما مصاب لمدة أسبوعين بألم حاد في البطن. وقد كتب أكثر من 600 قارئ بعض التقييمات شديدة التعمق حول مشكلة هذا المريض. إلا أن التشخيص الصحيح هو.. بورفيريا حادة متقطعة (Acute Intermittent Porphyria). وكان أول من توصل للتشخيص الصحيح للحالة الدكتورة هيلاري سليغمان، من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، التي تقول إنه أثناء دراستها الطب في بايلور في هيوستن، عرفت أن هناك 5 أسباب للإصابة بآلام البطن الحادة لا يجب إغفالها. وكان مرض البورفيريا أحد هذه الأسباب. وهي دائما ما تفكر في هذا المرض حينما ترى مريضا مصابا بهذا النوع من الألم.

التشخيص

* يعتبر مرض البورفيريا الحادة المتقطعة واحدا من مجموعة اضطرابات مرضية نادرة تتوارثها الأسر، وفيه لا يتم إنتاج جزء مهم من الهيموغلوبين يعرف باسم الهيم heme على النحو الملائم. ويعاني مرضى البورفيريا الحادة المتقطعة من أعراض تتمثل في الشعور بألم شديد بالبطن وإمساك وارتفاع في ضغط الدم وتسارع في ضربات القلب التي عادة ما تستمر لعدة أيام. ويمكن ربطها أيضا بمشكلات عصبية – مثل التنميل والشعور بوخز خفيف، بل والضعف العام – إضافة إلى اضطرابات عقلية. وفيما بين حالات ظهور الأعراض المرضية، ربما يكون المرضى في حالة طبيعية تماما.

يعتبر هذا المرض الوراثي نادرا. وفي الولايات المتحدة، يصاب به أقل من 5 أفراد بين كل 100 ألف شخص. غير أن المرض قد بات أكثر ندرة لأن معظم من ورثوا الخلل الجيني المسؤول عن حدوث المرض لن تظهر عليهم أي أعراض مرضية مطلقا. وعادة ما تحفز الأعراض أنواعا من العلاج أو صورا أخرى من التحفيز البيئي.

كيف تم التشخيص؟ تم استدعاء الدكتور رون بالمون، اختصاصي أمراض الجهاز الهضمي الذي قام بفحص المريض عندما أحيل لأول مرة إلى مستشفى ماونت سيناي، لفحص المريض مجددا عندما عاد مرة أخرى إلى المستشفى. وركز بالمون في البداية على تاريخ المريض والفحص الجسدي له، ثم فحص السجلات الطبية للمريض لمعرفة ما إذا كانت هناك أي دلالات كامنة بها تدل على الإصابة بالمرض. وبالفعل، كانت هناك دلالات.

وفيما لم تنتب بالمون المفاجأة من معظم المعلومات التي وجدها، توصل إلى اكتشاف مهم. فبعد يوم من خضوع المريض لجراحة استكشافية، طلب الجراح إجراء فحص لعيار البورفوبيلينوجين porphobilinogen في البول، وهو اختبار لتحديد ما إذا كانت هناك إصابة بمرض البورفيريا. ولم تأت نتيجة الاختبار إلا بعد أيام من رجوع المريض إلى منزله، ولهذا السبب، لم تتم الإشارة إليها من قبل الطبيب الذي أمر بإجراء الفحص، ولم يتم إخبار المريض بها.

نتائج مؤكدة

* بوصفه اختصاصيا في أمراض الجهاز الهضمي، كان بالمون خبيرا بمرض البورفيريا، لكنه لم يكن متأكدا مما إذا كان يمكن الاعتماد على هذا الفحص أم لا. كانت نسبة البورفوبيلينوجين لدى المريض عالية جدا – فقد كانت أكثر 40 مرة من النسبة الطبيعية لهذا المكون البيولوجي في البول.

ولكن هل كان هذا يعني أنه مصاب بمرض البورفيريا؟ لم يكن بالمون متأكدا، لذلك كرس وقتا لمحاولة جمع معلومات عن هذا المرض. وعلم أن فحص البول الذي طلب إجراءه يتطلب فحص متابعة، للتحقق من النتائج وتحديد نوع البورفيريا الذي يكشف عنه على وجه التحديد.

وأدرك بالمون أنه مع مرض بهذه الغرابة، يزداد احتمال أن تكون نتيجة الفحص الإيجابية (الدالة على الإصابة بالمرض) خاطئة عن كونها مؤشرا حقيقيا دالا على الإصابة بأحد أنواع مرض البورفيريا. ومن ثم، أرسل الفحص التأكيدي. وبعدها، أرسل فحوصا خاصة ببعض الأمراض الأخرى التي يمكن أن تؤدي للتوصل إلى نتيجة إيجابية خاطئة في فحص البورفوبيلينوجين في البول.

وكان المريض وزوجته سعيدين بأن بالمون ربما يكون قادرا على تحديد سبب الشعور بهذا الألم الشديد. وأجرى هو وزوجته بحثا على الإنترنت عن مرض «البورفيريا الحادة المتقطعة». وكلما قرآ المزيد، زاد يقينهم من أن هذا هو التشخيص الصحيح.

وتحدث النوبات المؤلمة (البورفيريا الحادة المتقطعة) عادة عند الصيام أو اتباع نظام غذائي يحتوي على نسبة منخفضة من الكربوهيدرات. وكان المريض قد اتبع نظاما غذائيا منخفض الكربوهيدرات في الأسابيع التي سبقت بدء شعوره بالألم. وعادة ما يتسبب مرض البورفيريا الحادة المتقطعة في ارتفاع ضغط الدم وتسارع معدل ضربات القلب – على الأقل في أوقات الشعور بالألم. وقد ظهرت على هذا المريض أيضا أعراض تسارع في ضربات القلب وارتفاع شديد في ضغط الدم – وهي أعراض لم تعتره من قبل مطلقا.

وعلى مدار الأيام التالية، خف شعور المريض بالألم، واتجه إلى تناول أدوية لتخفيف الشعور بالألم تؤخذ عن طريق الفم وتم إخراجه من المستشفى. ولم تأت نتائج المجموعة الثانية من فحوص البورفيريا طوال عدة أيام. وعندما جاءت النتائج في النهاية، تم التأكيد على تشخيص الإصابة بالبورفيريا الحادة المتقطعة.

تجنب نوبات المرض

* ويستطيع المريض المصاب بمرض البورفيريا الحادة المتقطعة تفادي حالات الإصابة بالألم عن طريق محاولة تجنب العوامل المسببة للإصابة – في حالة هذا المريض، تجنب النظام الغذائي منخفض الكربوهيدرات. وفي حالة ما إذا أصيب مريض بإحدى هذه الحالات المرضية رغم محاولته تجنب العوامل المحفزة، يمكن أن يساعد تناول دواء يحمل اسم «الهيماتين» Hematin)) في تخفيف الألم بسرعة.

جينات وراثية

* بمجرد اطلاعه على النتيجة، أطلع بالمون المريض وزوجته بها، وأحالهما إلى عيادة البورفيريا بمستشفى ماونت سيناي. وأكد فحص الحامض النووي «دي إن إيه» على أن المريض يحمل الخلل الوراثي المتسبب في الإصابة بهذا المرض.

وتم إجراء فحص لوالد المريض، وتبين أنه يحمل الخلل الوراثي نفسه. ورغم ذلك، لم يكن يعلم شيئا مطلقا عن إصابته بهذا الخلل، لأنه كان واحدا من بين كثيرين لديهم هذا الجين، ولكن لم تظهر عليهم أعراض المرض. ونظرا لأن هناك احتمال بنسبة 50 - 50 لوراثة هذا الجين، يناقش المريض وزوجته ما إذا كان عليهما إجراء فحص لابنيهما والوقت المناسب لإجراء مثل هذا الفحص.

وفي هذه الحالة، فقد استفاد المريض من التشخيص السريع نسبيا لإصابته بمرض البورفيريا. ورغم أن أسابيع الألم ربما تكون قد بدت سنوات بالنسبة للمريض، فإن متوسط وقت التشخيص بالنسبة لغالبية المصابين بهذا المرض يكون خلال سنوات وليس أسابيع، حسب ديزيري ليون هوي، المدير التنفيذي لمؤسسة البورفيريا الأميركية. وعندما التقى المريض وزوجته بمرضى آخرين مصابين بمرض البورفيريا في مستشفى ماونت سيناي، أصابتهما الدهشة والفزع من سماع القصة المعتادة عن المعاناة لسنوات من حالات ألم قبل تشخيص الحالة.

ومع ذلك، فقد تم إغفال التشخيص تقريبا. فلو لم يعد المريض مجددا إلى مستشفى ماونت سيناي لدى إصابته بالألم مجددا، لما أمكنه أن يتعرف على نتيجة الاختبار الإيجابية. من يعلم الفترة الذي قد يحتاجها للحصول على التشخيص الصحيح؟

تحدث بالمون مع الجراح الذي أمر بإجراء الفحص. وكانت عادة هذا الطبيب أن يجري فحصا لتحديد ما إذا كانت هناك إصابة بالبورفيريا بعد جراحة استكشافية أجريت له بعد شعوره بألم حاد في البطن أثبتت عدم إصابته بالمرض، غير أن هذه النتائج لم يتم الكشف عنها حتى عودة المريض إلى منزله. وفي هذا المستشفى ومستشفيات أخرى، لا يتم إرسال نتائج الفحص إلى الطبيب الذي أمر بإجرائه، بل يتم حفظها في السجل الخاص بالمريض. وبمجرد عودة المريض إلى المنزل، غالبا ما لا يتم الاطلاع على الملف الخاص به حتى عودته إلى المستشفى. وأحيانا، لا يتم الاطلاع عليه حينها.

وقد وضعت بعض المستشفيات نظما للتحقق من أن نتائج فحوص ما بعد الخروج من المستشفى لا توضع في بعض الملفات التي لا يتم فحصها. وفي مستشفى برينغهام ومستشفى أمراض النساء في بوسطن، قام الدكتور أنوج دالال بتصميم نظام كومبيوتر يتعقب نتائج ما بعد الفحص، وعندما تأتي نتيجة بعد عودة أحد المرضى إلى المنزل، يتم إرسالها عبر البريد الإلكتروني بشكل مؤتمت إلى كل من الطبيب الذي أمر بإجراء الفحص وطبيب الرعاية الأولية.

وإلى أن تصبح هذه الأنواع من النظم شائعة، فإن مرضى أمثال هذا الرجل المصاب بألم في المعدة يكونون عرضة للانتظار من دون أن يتم تشخيص حالتهم المرضية، حتى عندما يكون هناك تشخيص متاح.

* خدمة «نيويورك تايمز»