علاج الصدمات عند الأطفال.. في وقت قصير

برنامج أميركي علاجي جديد للمتعرضين لإساءات جسدية ونفسية

TT

في كل عام يقع ملايين الأطفال من كافة الطبقات الاجتماعية في العالم ضحايا لأحداث مسيئة أو عنيفة، أو قد يشاهدون تلك الأحداث، وهو ما قد ينتج عنه أعراض نفسية طويلة الأمد. وتتراوح تلك الأحداث بين الاعتداء الجنسي والجسدي وحتى التعرض لكارثة طبيعية، مثل حريق أو حادث سير خطير.

وفي معظم الأحوال، تكون الصدمات النفسية غير معروفة للآباء أو القائمين على رعاية الأطفال أو لا يتم التعامل معها على نحو فعال على الإطلاق، مما قد يتسبب في عواقب وخيمة على الأطفال وأسرهم أو على المجتمع ككل. ويتعرض هؤلاء الأطفال لخطر كبير يتمثل في حدوث مشاكل سلوكية والرسوب في المدرسة وإدمان المخدرات أو الكحوليات أو التحول إلى العنف.

وإذا لم يتلق الطفل العلاج اللازم، فقد تستمر ردود فعل ما بعد الصدمة إلى مرحلة البلوغ، مسببة اضطرابات في التغذية والشخصية والمزاج وصعوبة في تكوين علاقات والقلق المستمر والمشاكل البدنية غير المبررة والسلوكيات العنيفة أو المسيئة.

صدمات نفسية

* وطبقا لتقرير تم نشره أوائل شهر أبريل (نيسان) الماضي من قبل مؤسسة «سيف هوريزون» Safe Horizon، وهي مجموعة لمساعدة الضحايا تدير مراكز لمساعدة الأطفال في مدينة نيويورك، ومركز الصدمات العنيفة عند الأطفال Childhood Violent Trauma Center في جامعة ييل، يزيد احتمال تعرض الأطفال الذين واجهوا إساءة أو تجاهل، للقبض عليهم في سن الأحداث بنسبة 59 في المائة وفي سن البلوغ بنسبة 28 في المائة واحتمال ارتكابهم جريمة عنيفة بنسبة 30 في المائة، مقارنة بالأطفال الذين لم يتعرضوا للإيذاء. ويواجه الأطفال من الإناث معدلات حدوث حمل في سن المراهقة أعلى بكثير، كما أن احتمالات قيامهن بإساءة معاملة أولادهن أعلى بكثير.

وعلى الرغم من ذلك، هناك أخبار سارة في هذا الصدد، حيث أشار التقرير إلى برنامج تدخل قصير وفعال بصورة كبيرة تم تطويره في «مركز الصدمات العنيفة عند الأطفال» الذي يقلل إلى حد كبير من الأعراض التي تنتاب الأطفال المصابين بصدمات نفسية والأشخاص القائمين على رعايتهم، وذلك طبقا لستيفن مارانز، وهو أستاذ الطب النفسي ومدير المركز.

وقام فريق جامعة ييل، بالتعاون مع طاقم مركز «سيف هوريزون»، بتعديل هذا البرنامج لتلبية احتياجات الأطفال وعائلاتهم الذين يواجهون الآثار الرهيبة المحتملة للاعتداء الجنسي والبدني. وقد تحدثت مع أمهات اثنين من الأطفال، حيث قالت الأولى، وهي ربة منزل من ستاتن آيلاند، أنها شعرت بالصدمة عندما علمت أن ابنتها البالغة من العمر 12 عاما ظلت تتعرض لتحرشات جنسية لمدة ثلاثة أعوام من قبل قس وصفته بأنه: «كان بمثابة أحد أفراد العائلة». وأضافت الأم أن القس قد حذر الفتاة من إبلاغ أبويها لأنهما لن يصدقانها أبدا.

وقالت الأم الثانية، وهي مديرة مالية تنفيذية من بروكلين، إنها كانت: «مدمرة - انهارت حياتي بالكامل» عندما كشف لها ابنها البالغ من العمر 10 سنوات أنه قد تعرض للاغتصاب من قبل صديق له يبلغ من العمر 11 عاما أثناء أحد تجمعات الأطفال للعب.

وقالت الأم: «لقد ذهلت عندما علمت أن ابني قد فقد براءته بهذا الشكل، ولم تكن عندي ولا عند والده أي فكرة عن كيفية علاج هذا الأمر».

وعلى الرغم من ذلك، لم تضع كلتا السيدتين الوقت في الحصول على المساعدة، حيث أبلغت الأم الأولى الشرطة عن تلك الإساءة، ثم قمت الشرطة بإحالتها إلى مركز «سيف هوريزون»، بينما أخذت الأم الثانية نجلها إلى غرفة الطوارئ، حيث قامت ممرضة بالاتصال بالشرطة، والتي قامت بدورها بتحويلها إلى نفس المركز.

جلسات علاجية

* وفي كلتا الحالتين، وفي الكثير من الحالات المشابهة، استفاد الأطفال وآباؤهم بصورة كبيرة من 4 - 6 جلسات منظمة مع أطباء مدربين. وعلى عكس الاستشارات التقليدية، والتي غالبا ما تكون غير منظمة وطويلة وقد لا تتضمن الطفلين والقائمين على رعايتهما معا.

يتبع هذا البرنامج نمطا ثابتا، حيث يتم عقد جلسة أولا مع القائمين على رعاية الأطفال تتبعها جلسة مع الطفل ثم جلستان مع الأطفال والقائمين عليهم معا. وفي كل جلسة، يقوم مستشارون مدربون بالعمل على تعزيز الشفاء من خلال بث الطمأنينة وتقديم الدعم، حيث يقومون بقياس فعالية هذا التدخل عن طريق إجراء فحوصات قبل وبعد عقد الجلسات. وإذا اقتضت الحاجة، قد تتم إحالة الطفل أو القائمين على رعايته إلى تلقي المزيد من العلاج.

والآن، تبلي تلك الفتاة، التي أصحبت مشتتة الذهن للغاية في المدرسة ورفضت مرارا وتكرارا أي تلامس جسدي مع أفراد عائلتها، بلاء حسنا في فصلها الدراسي، حيث يحتضنها زملاؤها في الفصل، بعدما خفت ذكرياتها عن تلك الإساءة. وينعم الآن فتى بروكلين وعائلته براحة البال والطمأنينة بعدما تأكدوا من أن ما حدث لم يكن خطأهم، على الرغم من شعورهم بالهلع في البداية.

وقالت والدة هذا الطفل: «من دون مساعدة مركز (سيف هوريزون)، الذي كان بمثابة الملجأ لنا في وقت الإعصار، كنا سنتعرض لأضرار هائلة جراء تلك الأحداث، حيث لم أرغب في أن تؤثر تلك الحادثة على نجلي في المستقبل. لقد عمل الأطباء على علاج نجلي من خلال بعض الأمور، حتى أصبح يعتقد الآن أن ما حدث لم يكن أمرا ذا أهمية كبيرة».

برنامج جديد

* وفي عام 2010، قام الدكتور مارانز والدكتور ستيفن بيركاويتز، الذي يعمل الآن طبيب نفسي للأطفال في جامعة بنسلفانيا، وكارلا سميث ستوفر، وهي أستاذ مساعد في «مركز دراسة الأطفال» في كلية الطب جامعة ييل، بنشر نتائج تجربة سريرية حول برنامج العلاج الجديد، الذي يسمى «العلاج التدخلي للصدمات النفسية عند الأطفال وعائلاتهم» Child and Family Traumatic Stress Intervention. وقامت «مجلة علم نفس الطفل والطب النفسي»، (The Journal of Child Psychology and Psychiatry) بنشر تلك الدراسة التي تضمنت 106 من الأطفال المصابين بصدمات نفسية تتراوح أعمارهم ما بين 7 و18 عاما، بالإضافة إلى القائمين على رعايتهم، والذين تم توزيعهم بصورة عشوائية على أربع جلسات خاصة بالتدخل المنظم أو جلسات الدعم التقليدي للأطفال المصابين بصدمات نفسية.

وعندما تم تقييم التجربة بعد ثلاثة أشهر، أشارت النتائج إلى أن الأشخاص الذين خضعوا لجلسات التدخل كانوا أقل عرضة للإصابة بأعراض ما بعد الصدمة، مثل اضطرابات النوم أو الأفكار الدخيلة أو الاكتئاب أو القلق أو نوبات الغضب أو مشاعر العجز أو اليأس.

ويشير الباحثون إلى انخفاض احتمال إصابة الأطفال الذين استكملوا برنامج التدخل باضطراب متطور لما بعد الصدمة بنسبة 65 في المائة، مقارنة بالأطفال الآخرين في مجموعة المقارنة، بينما انخفض احتمال تعرضهم لاضطرابات ما بعد الصدمة بصورة كلية أو جزئية بنسبة 73 في المائة.

وتقول ريتا غارزا، وهي المتحدثة باسم المركز، إنه وكما هو موضح في الدراسة التي نشرت، فإن نتائج التجربة التي أجرتها «سيف هوريزون» على نحو 500 طفل خضعوا لبرنامج التدخل: «تحاكي نتائج التجربة الأصلية التي تم إجراؤها في جامعة ييل».

* ويشير مارانز إلى انخفاض أعراض الصدمات النفسية للأطفال المشاركين في التجربة بنسبة 54 في المائة وإلى الاستفادة الكبيرة التي حصل عليها القائمون على رعاية هؤلاء الأطفال.

قال مارانز: «عندما يتم ترك الأطفال وحدهم ولا يجدون كلمات لوصف ردود الفعل الخاصة بالصدمة، تصبح الأعراض وسلوكيات الأعراض هي وسيلته الوحيدة للتعبير. وفي كثير من الأحيان يكون القائمون على رعاية الأطفال غير قادرين على فهم العلاقة بين الحدث الذي يعتبر بمثابة الصدمة وبين السلوكيات والأعراض التي تظهر على أطفالهم. ويحتاج الأطفال إلى اعتراف وتفهم الأشخاص القائمين على رعايتهم لكي يتعافوا من تلك المشاكل».

وأضاف مارانز: «يعزز برنامج التدخل الأمل والثقة وقد يؤدي إلى حدوث فرق فوري وملموس في الحياة اليومية للأطفال الذين عانوا حتى من أسوأ أشكال الإساءة».

وقال أكثر من 90 في المائة من القائمين على رعاية الأطفال الذين شاركوا في هذا البرنامج إنهم قد تعلموا مهارات جديدة وإنهم سوف يوصون باتباع هذا البرنامج، الذي قد يكون بمثابة النعمة لمراكز علاج الأطفال في شتى أنحاء البلاد.

وقالت نانسي أرنو، وهي المسؤولة عن الأطفال والمراهقين وخدمات علاج الصحة الذهنية في «سيف هوريزون»: «لدينا الآن طريقة قياسية لتقديم برنامج تدخل مبني على أدلة للأطفال وعائلاتهم والذي يتميز بأنه قصير وفعال بطريقة كبيرة، حيث تتزايد أعداد الأطفال الذين يحتاجون لمثل هذا النوع من المساعدة».

وقالت غارزا: «تخضع المراكز الست الموجودة في بعض المناطق المختلفة إلى عملية تدريب، حيث إننا نرغب في استخدام هذا البرنامج في شتى أنحاء البلاد. ويجب أن يكون الأطفال الموجودون في أي مكان قادرين على الحصول على مثل هذا النوع من المساعدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»