تجارب على عقار جديد يقضي على ألزهايــمر.. قبل بدايته

تجرى على أشخاص سليمين لديهم جينات متوارثة للإصابة بالمرض

TT

يقول الخبراء إن هذه الدراسة ستكون واحدة من الدراسات القليلة التي تم إجراؤها على الإطلاق لاختبار بعض العلاجات المصممة خصيصا للوقاية من أي مرض محتم وراثيا. وبالنسبة لمرض ألزهايمر، تعد هذه التجربة السريرية غير مسبوقة، حيث يقول فرانسيس كولينز، مدير «معاهد الصحة الوطنية الأميركية»: «تعتبر هذه التجربة هي الأولى من نوعها التي تركز على أشخاص طبيعيين، ولكنهم معرضون في نفس الوقت لخطر الإصابة بألزهايمر بمعدلات مرتفعة للغاية».

وسوف يأتي المشاركون من مختلف دول العالم للمشاركة في هذه التجربة السريرية الخاصة بألزهايمر، التي ستتضمن 5000 شخص يعيشون في ميديلين وكولومبيا والقرى الجبلية النائية خارج المدن.

جينات متوارثة

* يبدأ خلل (ضعف) الإدراك (cognitive impairment) في الظهور على أفراد العائلات الذين يعانون من طفرات جينية محددة في عمر الخامسة والأربعين تقريبا، بينما يظهر الخرف الكامل (full dementia) في عمر الواحدة والخمسين تقريبا، حيث ينسى هؤلاء الأشخاص سنوات عملهم الأولى نتيجة لتلاشي ذكرياتهم ومهاجمة المرض لقدراتهم على الحركة وتناول الطعام والكلام والتواصل بصورة سريعة.

وسوف يشارك 300 من أفراد العائلات في هذه التجربة المبدئية، حيث تفصل الكثير من الأعوام بين الإصابة بالطفرة الجينية وظهور الأعراض، التي تبدأ في البروز في عمر الثلاثين.

تقول غلاديس بيتانكور، 39 عاما وأحد أفراد العائلات المشاركات في التجربة: «بسبب هذه الدراسة، أصبحنا نشعر بأننا لسنا وحدنا». وقد توفيت والدة غلاديس بمرض ألزهايمر وظهرت أعراض المرض بالفعل على ثلاثة من أشقائها، لذا قامت غلاديس باستئصال رحمها بسبب الخوف من أن تكون حاملة لهذه الطفرة الجينية، وبالتالي تقوم بنقلها لأولادها. تضيف غلاديس: «أحيانا نشعر بأن حياتنا تنتهي، ولكننا نشعر الآن أن هؤلاء الناس يحاولون مساعدتنا».

تستمر هذه الدراسة لخمسة أعوام وتصل كلفتها إلى 100 مليون دولار، ولكن في خلال عامين فقط، فقد توضح الاختبارات المتطورة ما إن كان هذا العقار يساعد على إبطاء تراجع الذاكرة أو التغييرات التي تحدث في المخ أم لا، وفقا للدكتور إيريك ريمان، المدير التنفيذي لـ«معهد بانر لألزهايمر» في فونيكس، ومدير الدراسة.

يشير بعض خبراء ألزهايمر غير المشاركين في الدراسة إلى أنه على الرغم من إصابة نسبة صغيرة جدا من الأشخاص الذين يعانون من ألزهايمر بهذا النوع من الجينات المبكرة التي تؤثر على هذه العائلة الكولومبية، فمن المتوقع أن تسفر هذه التجارب عن بعض المعلومات التي يمكن تطبيقها على ملايين من الأشخاص المصابين بالشكل التقليدي من مرض ألزهايمر في شتى أنحاء العالم.

ويقول الدكتور ستيفن ديكوسكي، الباحث في مرض ألزهايمر الذي يشغل منصب عميد كلية الطب بجامعة فيرجينيا ونائب رئيس الجامعة: «توفر لنا هذه التجارب فرصة هائلة للإجابة على عدد هائل من الأسئلة، بينما، وفي نفس الوقت، توفر لهؤلاء الأشخاص بعض المساعدة السريرية الهامة، التي ما كانوا ليحصلوا عليها أبدا من دون هذه التجارب». كان ديكوسكي واحدا من مجموعة كبيرة من الخبراء الذين تم استشارتهم في وقت سابق حول هذا الأمر، ولكنه غير مشارك في هذه التجارب.

يعاني نحو 5.4 مليون مواطن أميركي من مرض ألزهايمر، ومن المتوقع ارتفاع هذا الرقم مع تقدم الجيل الحالي في العمر. ويخطط فريق الدكتور ريمان لإجراء تجربة مماثلة تشمل بعض المواطنين الأميركيين حول المخاطر المتزايدة للإصابة بألزهايمر التقليدي في مرحلة متأخرة. أعلنت الدراسة أنها ستتضمن عددا صغيرا من الأميركيين الذين يعانون من بعض الطفرات الجينية، التي من المؤكد تسببها في الإصابة المبكرة بمرض ألزهايمر.

تعد هذه التجربة جزءا من الخطة الوطنية الأولى للحكومة الفيدرالية لمعالجة مرض ألزهايمر، والتي كشفت عنها النقاب كاثلين سيبيليوس، وزيرة الصحة والخدمات الإنسانية، الشهر الماضي. وفي خطوة غير معتادة، قامت الحكومة بتخصيص 50 مليون دولار من موازنة العام الحالي لـ«معاهد الصحة الوطنية الأميركية» لإجراء بعض الأبحاث المبشرة للغاية، والتي لا يمكن تأجيلها، بما في ذلك هذه التجربة التي ستجرى في كولومبيا ودراسة أخرى حول ما إن كان الإنسولين المستنشق من الممكن أن يخفف من ضعف الإدراك المعتدل (mild cognitive impairment)، وفقا للدكتور كولينز. سوف يتم تخصيص مبلغ 100 مليون دولار في عام 2013 لـ«معاهد الصحة الوطنية الأميركية»، التي يذهب معظمها لإجراء الأبحاث، فضلا عن التعليم والرعاية والدعم وجمع البيانات.

وبالتأكيد فإن تحقيق النجاح في تجربة كولومبيا ليس أمرا مضمونا، حيث تفشل تجارب كثيرة، فضلا عن عدم نجاح الأبحاث التي أجريت على مرض ألزهايمر في اكتشاف علاج لهذا المرض تستمر فعاليته لأكثر من أشهر قليلة. وعلى الرغم من ذلك يقول الخبراء إنه من الممكن أن تكون هناك احتمالات نجاح أكبر لتجربة بعض العقاقير قبل ظهور أعراض ألزهايمر بأعوام، حيث إن المخ وقتها لن يكون قد دمره هذا المرض بعد. سوف تساهم «معاهد الصحة الوطنية الأميركية» في تمويل هذه التجربة بمبلغ 16 مليون دولار، فضلا عن 15 مليون دولار تأتي من بعض المتبرعين عن طريق «معهد بانر لألزهايمر»، بالإضافة إلى نحو 65 مليون دولار تتحملها شركة «جينينتيك»، شركة عقاقير أميركية.

عقار موجه

* يقوم عقار الكرينزوماب (Crenezumab) بمهاجمة صفائح (ترسبات) الأميلويد (amyloid plaques) في المخ، فإذا كان بإمكان العقار منع حدوث مشكلات في الإدراك أو الذاكرة فسوف يعرف العلماء أن هذا المنع أو التأخير هو أمر ممكن، وأن السر يكمن في استهداف الأميلويد قبل أعوام طويلة من الإصابة بالخرف. يعتقد الكثير من الباحثين المختصين بألزهايمر أن الأميلويد هو السبب الأساسي وراء الإصابة بمرض ألزهايمر.

وفي عام 2010 تناولت صحيفة «نيويورك تايمز» موضوع انتشار الخرف بين هذه العائلة الكولومبية الكبيرة، مشيرة إلى آمال العلماء في اختبار بعض العقاقير لمنع الإصابة بالخرف. تطلب إقناع شركات الأدوية للاستثمار في هذا المجال أشهرا كثيرة، حيث إن هناك بعض الأمور العملية والأخلاقية التي يتضمنها إعطاء عقاقير لبعض الأشخاص الذين يتمتعون بصحة جيدة أو هؤلاء الذين يعيشون في البلدان النامية، حيث يتمتع بعضهم بقدر ضئيل من التعليم ورواتب هزيلة ويؤمنون بخرافات قديمة حول هذا المرض الذين يطلقون عليه اسم «لا بوبيرا»، أو الحماقة.

يقول ريتشارد سكالير، نائب المدير التنفيذي لشؤون البحث والتطوير المبكر في شركة «جينينتيك»: «كان أول شيء فعلته هو أن سألت نفسي: هل نقوم باستغلال حاجة هؤلاء الأشخاص؟ وكانت الإجابة بالنفي بالقطع». ويؤكد سكالير أن هناك توازنا في المخاطر، حيث إنه في حالة عدم القيام بهذه الأبحاث «فسوف يصاب هؤلاء الأشخاص بهذا المرض اللعين بالتأكيد».

تضمنت التجارب التي تم إجراؤها حول العلاجات الواقية من المرض - بما في ذلك الجنكو بيلوبا (ginkgo biloba)، وهو علاج استبدال الهرمونات للنساء وعقار مضاد للالتهابات - بعض الأشخاص الذين لم تتأكد إصابتهم بألزهايمر، حيث إما باءت هذه التجارب بالفشل وإما تسببت في بعض الآثار الجانبية العكسية.

يقول ريمان إن اختبار العقاقير على مثل هؤلاء الأشخاص يتطلب «الكثير من المتطوعين الأصحاء والكثير من الأموال والكثير من السنوات».

يعتبر السكان الكولومبيون مثاليين لإجراء مثل هذه التجارب، حيث يتوافر عدد كبير من السكان بالدرجة الكافية للحصول على نتائج قوية، فضلا عن سهولة تحديد أي هؤلاء الأشخاص سيهاجمهم المرض ومتى.

يرجع اختيار عقار الكرينزوماب لاستخدامه في تجربة كولومبيا بصورة جزئية بسبب عدم وجود أية آثار جانبية سلبية للعقار على ما يبدو، على عكس العقاقير الأخرى التي تقوم بمسح الأميلويد من المخ، وفقا للدكتور فرانسيسكو لوبيرا، طبيب أعصاب من كولومبيا، الذي عمل مع هذه العائلة على مدى عقود، والذي يقود الدراسة. تسببت العلاجات الأخرى المضادة للأميلويد في حدوث استسقاء حول الأوعية الدموية، وهو خلل في السوائل قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.

يتم إعطاء عقار الكرينزوماب لبعض الأشخاص الذين يعانون من أعراض بسيطة ومتوسطة من مرض الخرف في اثنتين من التجارب السريرية التي تجرى في الولايات المتحدة الأميركية وكندا وغرب أوروبا لمعرفة ما إن كان هذا العقار يساعد على تقليل تدهور الإدراك أو تراكم الأميلويد، طبقا لشركة «جينينتيك».

وفي التجربة الكولومبية، التي من المتوقع أن تبدأ في أوائل العام القادم، سوف يتلقى 100 من أفراد العائلة، الذين يعانون من طفرات جينية، هذا العقار بصورة يومية على مدار أسبوعين عن طريق الحقن في أحد المستشفيات، بينما يتلقى 100 شخص آخرون، يحملون مثل هذه الطفرات الجينية، عقارا وهميا (placebo). وسوف يقوم الباحثون بإشراك 100 شخص غير حامل للمرض في هذه التجربة، نظرا لأن الكثير من الناس لا يريدون معرفة ما إن كانوا مصابين بمثل هذه الطفرات الجينية أم لا، حيث سيتلقون عقارا وهميا.

اختبارات الذاكرة

* قام الباحثون بتطوير مجموعة من خمسة اختبارات متطورة خاصة بالذاكرة والإدراك، أظهرت قدرتها، في بعض الدراسات الأخرى، على اكتشاف التغييرات الطفيفة التي تحدث في القدرة على التذكر والتفكير والتي لا يتم ملاحظتها عادة. ويقول الدكتور بيري تاريوت، مدير «معهد بانر لألزهايمر» وأحد قادة الدراسة، سوف تتضمن إجراءات الدراسة تذكر الكلمات وأسماء الأشياء والتفكير غير اللفظي وتذكر الزمان والمكان، فضلا عن اختبارات للرسم تتضمن نسخ بضع الأشكال المعقدة.

يقول تاريوت إن الباحثين سيقومون أيضا بتقييم التغييرات التي تحدث في الحالة الانفعالية للأشخاص مثل «الهياج والحزن والبكاء والقلق والاندفاع، وهي الملامح الرئيسية لهذا المرض في مرحلة الظهور».

سوف يقوم العلماء أيضا بعمل بعض القياسات الفسيولوجية، بما في ذلك التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET scans)، الذي يقيس الأميلويد وكيفية حدوث التمثيل الغذائي للجلوكوز في المخ، بالإضافة إلى التصوير بجهاز الرنين المغناطيسي (scansM.R.I.(، الذي يقيس معدلات انكماش المخ، فضلا عن اختبارات السائل الدماغي الشوكي (cerebral spinal fluid tests)، الذي تقيس الأميلويد وبروتين تاو، وهو بروتين يوجد في خلايا المخ الميتة.

إذا أدى تناول هذا العقار إلى حدوث تحسن في أي من هذه المؤشرات، فقد يمكن هذا العلماء من علاج أحد هذه التغييرات الفسيولوجية المبكرة، تماما كما يتم معالجة ارتفاع ضغط الدم والكولسترول لمنع الإصابة بأمراض القلب، طبقا لريمان.

ينتشر ألزهايمر في عائلة والد ووالدة مارسيلا أغوديلو، التي تبلغ من العمر 17 عاما وتعيش في ميديلين، حيث إن والديها أبناء عمومة من بعيد. شاهدت مارسيلا جدتها لأمها وهي تموت، فضلا عن التدهور الشديد في حالة والدها، الذي يبلغ من العمر 55 عاما، والذي كان يعمل تاجرا للمواشي تملؤه الحيوية، لدرجة أنه لم يعد يقوى على المشي أو الكلام أو حتى الضحك. وتقول مارسيلا إنه مع الاستمرار في هذه الأبحاث: «يزداد أملنا في الوصول إلى علاج، أو حتى على الأقل في حياة أفضل».

* خدمة «نيويورك تايمز»