مخاوف الطفولة.. الطبيعية والمرضية

تتعدد أسبابها ويسهل علاجها

TT

يشعر الكثير من الآباء بالقلق حيال شعور أبنائهم بالخوف المبالغ فيه من شيء معين بحد ذاته، وهو إحساس مبرر بالطبع، فضلا عن أن المخاوف المرضية (Phobias) تستوجب العلاج السلوكي بالفعل.

ولكن بداية يجب معرفة الفارق بين المخاوف الطبيعية (Fears) والمخاوف المرضية (Phobias) وتأكيد أن إحساس الخوف إحساس طبيعي وفطري ويتعرض له جميع البشر باختلاف أعمارهم وثقافاتهم وبيئاتهم، ونبدأ تلك المخاوف في مرحلة الطفولة، وهو يختلف من مكان وثقافة معينة لأخرى، بمعنى أن الأطفال الذين يعيشون في الريف معتادون مثلا على وجود الحيوانات الأليفة، وبالتالي لا تمثل مخاوف بالنسبة لديهم بعكس الأطفال الموجودين في المدن، الذين لم يعتادوا مشاهدة تلك المشاهد، وفي المقابل يكون أطفال المدن معتادين على الشوارع العريضة، التي تعبر بها الحافلات الضخمة بسرعة كبيرة ولا تثير فزعهم.

الآلية التي يشعر بها الإنسان بالخوف تبدأ عند استشعار الإنسان بالخطر من شيء ما، ويقوم الجسم بإرسال إشارات معينة إلى المخ ويتفاعل المخ مع هذه المؤشرات ويحفز الجهاز العصبي لإرسال إشارات إلى جميع أجزاء الجسم للتعامل مع ذلك الخطر، وتزيد سرعة ضربات القلب وسرعة التنفس ويزيد ضغط الدم ويزيد ضخ الدم إلى العضلات ويقوم الجسم بإفراز العرق لمحاولة تقليل درجة حرارة الجسم، وهذه التغيرات الجسدية تزيد أو تقل من شخص لآخر.

الخوف الطبيعي

* الخوف الطبيعي ليس ضارا، فمن المعروف أن إحساس الخوف الطبيعي يمكن أن يساعد الإنسان ويحميه من المخاطر ويحفزه لعمل احتياطات تحميه من مخاوفه مثل: خوف الطالب من الرسوب يجعله يداوم على استذكار دروسه بانتظام واجتهاد، لتجنب مخاطر الرسوب أو خوف الطفل من العقاب إذا تم إتلاف أشياء معينة تجعله يتجنبها.

وحتى في المرحلة العمرية الأكبر، وبخاصة في مرحلة المراهقة يلعب الخوف دورا وقائيا لكثير من المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المراهق مثل الخوف من أخطار الإصابة بالأمراض المختلفة المتعلقة بالعادات الضارة بالصحة مثل: التدخين أو إدمان المخدرات أو مخاوف التعرض للبدانة، تجعل المراهق حريصا في تناول الأطعمة التي من شأنها أن تزيد من احتمالات البدانة، ويعتبر الخوف في هذه الحالة بمثابة تحذير أو علامة على الطريق الصحيح، ومثل بقية العواطف يمكن للخوف أن يكون بسيطا أو متوسطا أو شديد الوطأة، وهو الأمر الذي يستوجب العلاج.

المخاوف المرضية

* تعتبر المخاوف المرضية التي تنتاب الأطفال هي واحدة من أشهر المشكلات النفسية التي تواجهه الصغار، وتسمى «المخاوف الخاصة» (Specific phobia) وهي الخوف الشديد والمستمر من أشياء أو مواقف محددة، التي لا تمثل في الحقيقة مخاوف في مثل نفس الفئة العمرية أو نفس البيئة. وتكون استجابة الطفل لهذه المؤثرات استجابة عضوية ونفسية، وهو ما أشارت إليه فحوصات أشعة الرنين المغناطيسي لدراسة وظائف المخ، التي توضح الاستجابة العصبية من المخ نتيجة لمؤثر مخيف.

توجد أسباب متعددة للمخاوف الخاصة، وبعض النظريات تعزز وجود عامل جيني في الشعور بالخوف، وبخاصة إذا كان أحد الأبوين يعاني من أعراض الخوف المرضي من شيء معين؛ ولكن تختلف المخاوف بالطبع بالنسبة للآباء عن الأبناء، وكذلك الآباء الذين عانوا من القلق المرضي والإحباط (depressive disorder and anxiety). كذلك فإن لنظرية الارتباط الشرطي (conditioning reflex theory) دورا كبيرا في شعور الأطفال بالخوف المرضي، بمعنى أن الطفل يربط بين شخص أو مكان معين وحدوث نوع من أنواع الألم، مما يجعل هذا الشخص أو المكان في حد ذاته مصدرا للخوف بالنسبة للطفل؛ مثل: زيارة طبيب الأطفال واضطراره إلى تناول العلاج عن طريق الحقن على سبيل المثال.. وهو ما يجعل الطفل يربط بين زيارته الطبيب وخوفه من الألم الناتج عن الحقن. ونتيجة لذلك يعاني الكثير من الأطفال من المخاوف الشديدة من مجرد الوجود في عيادة طبية ورؤية الطبيب في زيه المميز.

ومن هنا يجب أن تمتنع الأمهات تماما عن نهي الأطفال عن فعل شيء معين وربطه بما يثير مخاوف الطفل مثل عملية «الحقن» تحديدا، أو إثارة مخاوف الطفل من العقاب العنيف للأب أو المدرس أو ما شابه ذلك، وهو ما يمثل عبئا نفسيا شديدا على الأطفال، وبخاصة في عالمنا العربي، حيث ينتشر مثل هذا السلوك الخاطئ في التربية.

مدى انتشار المخاوف

* قدرت إحصائيات المعهد الوطني للصحة العقلية (National Institute of Mental Health) في الولايات المتحدة الأميركية نسبة حدوث المخاوف المرضية بين الأطفال بنحو7 في المائة، ولم تختلف النسبة بين الأجناس المختلفة في نفس البلد، ويختلف العمر الذي تبدأ المخاوف الخاصة في الظهور باختلاف المخاوف نفسها ومثلا، يبدأ الخوف من الظلام والدماء والحيوانات والعواصف في مرحلة الطفولة، بينما تبدأ مخاوف الارتفاعات أو الأماكن المغلقة في مرحلة المراهقة، وتكون الفترة العمرية من 10 إلى 13 عاما هي ذروة الوقت الذي يشعر فيه الطفل بالمخاوف الخاصة، ويعاني الأطفال الإناث في الأغلب من المخاوف أكثر من الأطفال الذكور؛ ولكن لا توجد فروق في الجنس في بعض المخاوف الخاصة مثل الخوف من الارتفاعات.

الأعراض والتشخيص

* بداية يجب أن نوضح أن الخوف الطبيعي منتشر بين الأطفال، وبخاصة في مرحلة ما قبل الدراسة، ونادرا ما يتم تشخيص المخاوف الخاصة (Phobias) في مثل هذا الوقت؛ ولكن يجب على الآباء ملاحظة ما إذا كانت مخاوف الطفل غير منطقية ومبالغ فيها من شيء معين بحد ذاته، وفي الأغلب يحاول الطفل جاهدا الهروب من المواقف أو الأشياء التي تثير مخاوفه، سواء كانت أشخاصا أو مواقف، وعند تعرضه لذلك يمكن أن يبدأ الطفل في البكاء، وقد يعاني من رعشة في اليدين وعرق غزير وسرعة ضربات القلب وإحساس بالغثيان أو الشعور بالدوار؛ بل وأحيانا يصل الأمر إلى حد الإغماء.

يجب على الأسرة اللجوء إلى النصيحة الطبية إذا استمرت هذه المخاوف لأكثر من 6 أشهر، وبدأت تتعارض مع الروتين اليومي للطفل؛ بمعنى أن يتجنب الذهاب إلى أماكن معينة أو مواقف معينة أو يتعرض لحالة من الخوف إذا لم يتمكن من تجنب الموقف، وبخاصة إذا كانت الاستجابة ثابتة في كل مرة يتعرض فيها الطفل لنفس الموقف أو الشخص.

ويتم علاج المخاوف الخاصة في العيادة النفسية من خلال مختصين في معالجة سلوك الأطفال (Behavioral therapy) من دون علاج دوائي، وفي الأغلب يكون العلاج عن طريق بعض النظريات في الطب النفسي، من خلال تعريض الطفل للشيء الذي يثير مخاوفه (Exposure Therapy) بشكل تدريجي حتى يصبح رد فعل الطفل طبيعيا، مع توضيح عدم خطورة الشيء أو الشخص الذي يثير المخاوف. وهذه الطريقة تعتبر فعالة في علاج الأطفال ويقوم بها المعالج في وجود الطفل وذويه، وكلما زادت فترات تعرض الطفل كانت النتيجة أفضل.

في أحيان نادرة، يمكن استخدام بعض العقاقير الطبية كعامل مساعد إذا كان الطفل يعاني أيضا من أعراض القلق المرضي؛ ولكن بالنسبة للمخاوف الخاصة يفضل أن يكون العلاج السلوكي هو العلاج الرئيسي.. ومن المعروف أن المخاوف الخاصة التي تظهر في فترة الطفولة تستجيب بشكل جيد للعلاج، وفي الأغلب تختفي تماما مع تقدم الطفل في العمر.