استشارات

د. حسن صندقجي

TT

ساعات النوم والسمنة

* هل زيادة عدد ساعات النوم سبب في السمنة أم أن قلة عدد ساعات النوم سبب فيها؟

منال ع. - جدة.

- هذا ملخص رسالتك حول ما تسمعينه من أن قلة النوم سبب في السمنة، وأنت كنت واضحة في تفريقك بين الكسل عن القيام بالمجهود البدني وكثرة أو قلة عدد ساعات النوم، وهذا صحيح لأننا حينما نتحدث عن كثرة النوم لا يعني هذا تلقائيا الكسل عن أداء المجهود البدني وممارسة الرياضة، وحينما نتحدث عن قلة النوم لا يعني هذا تلقائيا زيادة النشاط في ممارسة الرياضة.

- وربما ثمة من ينام كثيرا ويمارس الرياضة اليومية، ومن لا ينام كثيرا ولكنه يكسل عن القيام بالحركة والنشاط البدني اليومي، وعكس هذا كله صحيح. وبالفعل هناك حالات قام فيها أشخاص بممارسة الرياضة اليومية وحسبوا كمية السعرات الحرارية (كالوري) المفقودة من خلال ذلك الجهد البدني، ولكنهم لم ينقصوا في الوزن بما يوازي ما توقعوه نتيجة لطول أو قصر ساعات النوم عن النصيحة الطبية المعتدلة.

- والحقيقة أن هناك علاقة عكسية بين كثرة أو قلة النوم ومستوى نشاط عمليات التمثيل الغذائي وإنتاج الطاقة. وكثيرة هي المصادر الطبية التي ربطت رقم سبعة بسلوكيات نمط الحياة الصحية، والرقم سبعة في جانب النوم هو النصيحة الطبية للبالغين من الجنسين بنوم سبع ساعات في الليل يوميا، وهو أحد أهداف برنامج «صحة الناس» لعام 2020 بالولايات المتحدة.

ومما تلاحظه الأوساط الطبية أن العقود القليلة الماضية شهدت ارتفاعا في معدلات الإصابة بالسمنة، يرافقه ارتفاع في معدلات الأرق وقلة النوم، وخاصة قلة النوم في ساعات الليل. وتحديدا، وجد في الولايات المتحدة، وكثير من دول العالم اليوم، أن نحو 37% من البالغين لديهم سمنة، وفق التعريف الطبي الدقيق لـ«السمنة» كحالة مرضية منفصلة تماما عن حالة «زيادة الوزن». وبمرافقة هذا الارتفاع في السمنة هناك أيضا ارتفاع في معدلات نوم أقل من ست ساعات يوميا في وقت الليل، والنسبة بالولايات المتحدة تتجاوز 32%من البالغين. ورقم ست ساعات نوم في اليوم تشخص طبيا بأنها «حرمان جزئي من النوم اللازم».

وحينما يحرم الإنسان نفسه، أو لأسباب خارجة عن إرادته، عن النوم سبع ساعات، كأن ينام ست ساعات مثلا أو أقل، فإنه لا يتعرض فقط للتوتر وسهولة إثارة العواطف السلبية لديه، كالغضب أو الحزن، بل هناك تغيرات سلبية تطال التفاعلات الكيميائية التي تجري في الجسم لضبط توازنات عمليات إنتاج الطاقة. وهناك تأثيرات تتسبب بفوضى في عمليات إنتاج هرمونات الشهية وتفاعل مناطق في الجهاز العصبي والجهاز الهضمي معها، وبالتالي تفاوت في إنتاج هرمون الشهية تلبية لاحتياج الجسم الطبيعي، وكذلك تفاوت في الاستجابة الطبيعية لكمية هرمونات الشهية. وبالتالي، ووفق ما تؤكده دراسات طبية بالولايات المتحدة وغيرها، ترتفع احتمالات الشعور بالجوع ومعدلات تناول الأطعمة، وأيضا تدن في حرق مصادر إنتاج الطاقة بالجسم، أي تدني استهلاك مخزونات الشحوم. وأيضا بالإضافة إلى تدني استهلاك الشحوم، هناك فوضى في توزيع تراكم الشحوم في الجسم، وتحديدا زيادة تراكمها في منطقة البطن بالمقارنة مع تراكم الشحوم طبيعيا في منطقة ما تحت الجلد وفي منطقة الأرداف والأفخاذ.

ولاحظي معي أن عيش الحياة بطريقة صحية هو منظومة متكاملة مكونة من عدة عناصر مترابطة، بمعنى أننا حينما نقرر أن نحافظ على صحة الجسم فإننا لا نستطيع أن نهتم بصحة العظام فقط وننسى الرئة، أو أن نهتم بصحة القلب ونهمل صحة الكبد. وحينما يقال: «سلوك نمط صحي في عيش الحياة اليومية» فإن المقصود يشمل كمية الطعام وأوقات تناول الطعام ومقدار ممارسة النشاط البدني ونوم عدد ساعات كاف من الليل يوميا وتحاشي الغضب والبعد عن أسباب التوتر، فهي منظومة متكاملة تُعطي الإنسان فرصة كي يحيا حياة طيبة مريحة ونتيجتها صحة في الجسم.

مرض السكري والعظام

* لدي مرض السكري، وأعاني من تدني الإحساس بأعصاب القدمين. وأخبرني الطبيب أن السكري سبب في مشكلة أصابع القدمين وتورم المفاصل. ما تنصح؟

عبد العزيز العتيبي - جدة.

- هذا ملخص رسالتك. والموضوع مهم لأن تفكير غالبية المصابين بالسكري يتجه فقط نحو نسبة السكر في الدم، وربما نحو شبكية العين وشرايين القلب والسمنة وكيفية منع حصولها. وما أرجو منك ملاحظته أن مرض السكري لا يعني فقط تدني إفراز هرمون الأنسولين وارتفاع نسبة السكر بالدم نتيجة لذلك، فهذان من مظاهر المرض فقط. كما أرجو ملاحظة أن مضاعفات مرض السكري ليست هي فقط ارتفاع نسبة السكر بالدم، فهذا أحد المضاعفات. ولكن الاضطرابات المرافقة لتدني هرمون الأنسولين وتأثيرات ارتفاع نسبة السكر بالدم هي التي يجب أن يهتم بها الطبيب المعالج ويجب أيضا أن يدرك جوانب مهمة المريض نفسه.

تطال مضاعفات مرض السكري أعضاء وأنسجة الجسم التي يعتمد عملها على انضباط نسبة سكر الجسم، والتي يختل عملها الوظيفي ويختل تركيبها النسيجي بفعل ارتفاع نسبة السكر في الدم. ومرض السكري قد يتسبب باضطرابات في عمل وفي تركيب بنية الشرايين، أي ما يتأثر منه سلبيا القلب والدماغ والأطراف. كما يتسبب السكري باضطرابات في عمل وفي تركيب بنية الشرايين الصغيرة والدقيقة، أي ما يتأثر منه سلبيا شبكية العين والكلى والأعصاب. وهذه التأثيرات لها تداعيات، أي ما ينتج عن المضاعفات. وحينما تتأثر الكلى مثلا وتضعف عن أداء عملها بفعل تأثرها بالسكري، فإن هذا أحد مضاعفات مرض السكري. وما ينتج عن ضعف الكلى ربما ضعف بنية العظام وربما ارتفاع ضغط الدم وربما فقر الدم، وهذه كلها تداعيات لأحد مضاعفات السكري التي طالت الكلى.

والعظام والمفاصل قد تعتريها أحد تداعيات مضاعفات مرض السكري، سواء التي أصابت الكلى أو الشرايين أو الأعصاب.

وعلى سبيل المثال، وما تحدث تحديدا طبيبك عنه، حينما تتأثر الشرايين التي تغذي القدمين وتغذي المفاصل والعظام في القدمين، وحينما تتأثر الأعصاب التي تعطي الإحساس في القدمين، فإن محصلة هذه المضاعفات قد تتطور إلى تداعيات. بمعنى أن المفاصل قد تتأثر.

ولاحظ معي أن المفصل عضو يحتاج إلى تروية بالدم ويحتاج إلى أعصاب كي يحس ويتفاعل في الحركة وكي لا يجبر على حركات تهدد سلامة بنيته ووظيفته. ومفاصل القدم تتأثر بتضيقات شرايين الساقين والقدمين، وتتأثر بفقد الإحساس العصبي في القدمين، ما يؤدي إلى حالة تظهر فيها التورم وعدم الثبات في حركة المفصل والتشوهات في تراكيبه ومظهره.

ومشكلة المفاصل لدى مرضى السكري لا تقتصر على القدمين، بل ربما مفاصل وتراكيب اليدين تتأثر سلبيا، ما قد ينتج عنه تغيرات في بنية الجلد نتيجة لمرض السكري، وبالتالي زيادة سماكة الجلد وفقد مرونة الجلد، ما تتأثر سلبيا منه حركة مفاصل اليدين والأصابع، وبالتالي تنشأ تشوهات في الحركات والبنية للمفاصل في اليدين والأصابع.

وأفضل وسيلة لمعالجة هذه التغيرات في عمل وبنية المفاصل هو العمل الجاد والدؤوب على ضبط نسبة سكر الدم والمحافظة على ذلك.

ولعله تتيسر فرصة يتم عرض تأثيرات السكري على العظام بشكل أكثر توضيحا، إذ أنه بالإضافة إلى ما تقدم، ربما يتسبب السكري بهشاشة العظم عبر عدة آليات، وبتجمد مفاصل الكتفين وبروماتزم الركبتين وغيرهما من المفاصل.