«أدوية طبيعية» من النباتات والكـــائنات الحية الصغيرة

برع في ابتكارها العرب والصينيون قديما.. ووثقها الغرب

TT

برع العرب والصينيون واليونانيون قديما في خلق نظام علاج تقليدي كان يعتمد على الطبيعة بكل ما فيها من مفردات، إلى أن ظهر الطب الغربي مع بداية القرن التاسع عشر ليوثق جميع هذه العلاجات التي أفادت البشرية على مر العصور، ليحمل اليوم كثير من الأدوية والعقاقير وأحيانا مستحضرات التجميل عبارة: «يحتوي على مواد طبيعة» أو «مصنوع من مواد طبيعة»، فهل تعرف المقصود بهذه الكلمة؟ ولماذا نشعر بالثقة والاطمئنان في هذا المحتوى؟

الدكتور الصيدلي محمد أمين، أحد المهتمين بـ«وصفات الأدوية الطبيعية»، يقول: «أغلب الناس يظن مخطئا أن المنتجات الطبيعة مستخرجة من مصادر نباتية وحسب، ويسترجعون صورة العطار مع مرور كلمة (دواء طبيعي)، ولكن الطبيعة تجود علينا بأكثر من ذلك، فكل ما هو طبيعي من نباتات برية، وكائنات حيوانية دقيقة، وكائنات بحرية دقيقة، وبعض السموم، جميعها تدخل تحت هذه المنظومة، حيث يمكن استخراج العديد من الأمصال والأدوية منها، التي باستطاعتها أن تتدخل في الشفاء».

منتجات طبيعية

* المنتجات الطبيعية ما هي إلا «مركبات كيميائية» يتم إنتاجها من الكائنات الحية الموجودة في الطبيعة وغالبا ما يكون لها أثر حيوي أو دوائي، لذا تستخدم في اكتشاف وتصميم الأدوية والعقاقير، حيث يمكن «تصنيع» بعض المنتجات الطبيعية بشكل كامل بدءا من مواد بسيطة التركيب ونهاية بأخرى معقدة لا يمكن إنتاجها صناعيا على سبيل المثال: البنسيلين، والموروفين، والباكليتاكسيل، والتاكسول، ولها أثر كبير في التاريخ الدوائي ومن الصعب اصطناعها.

يضيف محمد أمين: «عندما بدأت الدساتير الطبية سن قوانينها، كان من أحد المراجع المهمة لها (كتاب القانون في الطب) لابن سيناء الذي دون سنة 1021، حيث ذكر أكثر العقاقير الطبية المفيدة التي يتم استخلاصها طبيعيا».

وفي ما يلي بعض الأمثلة المشهورة لمواد طبيعية مختلفة مصادر الاستخلاص، ولكنها شائعة وكثيرة الانتشار في الأدوية. وفى الحقيقة؛ قد يمثل استخدامها بجرعات خاطئة أو من الطبيعة مباشرة خطرا على الإنسان، ولكن بعد تصنيعها تكون آمنة، ومنها:

- شجر الطقسوس (Yew Tree) الذي استعمله ابن سينا في علاج القلب وحضر منه عقارا سماه «الزرنب»، ولكن لن تتخيل أن هذا الدواء بقي طي النسيان إلى سنة 1960 حتى أعاد الأوروبيون استعماله مرة أخرى حيث كان الاستخدام الشائع لهذه الشجرة «الزينة في كنائس أوروبا الغربية»، وتحديدا بريطانيا وآيرلندا وفرنسا. ومع الزمن توقف استعماله لظهور بدائل أخرى.. وبعد مرور سنين نجد عالما يكتشف أن عقار «الزرنب» هو الأقوى لعلاج سرطان الثدي وأصبح هو ومشتقاته العلاج الأمثل حتى اليوم لعلاج سرطان الثدي ويسمى في الأسواق «الباكليتاكسيل» و«الدوسيتاكسيل» وأصبح تأثير «الزرنب» على القلب مجرد عرض جانبي.

- «زهرة أصبع العذراء» وقد تسمى زهرة «الكشاتبين» أو «الزهرة القمعية» وهي زهرة جميلة اللون وتشبه الأصبع، وهذه الزهرة ظلت لقرون تعرف بأنها قاتلة أو سامة حتى استطاع الطبيب البريطاني ويليام ويذرينغ في القرن السابع عشر استعمالها بجرعات صغيرة تكون بمثابة قوة لانقباض عضلة القلب وعلاج فعال للفشل القلبي، ولا يزال هذا الدواء هو الدواء الفعال والرئيسي للفشل القلبي، واسمه في الأسواق (التروكسين) ولم تكتشف له بدائل فعالة حتى اليوم.

- ديدان الأرض العلقية هي الأخرى أحد العلاجات من الطبيعة، فهذا النوع من الديدان يتغذي على دم الإنسان وغيره من الكائنات، ولكنك لن نصدق أنها علاج شديد الفعالية للجلطات، فهذه الديدان تفرز في لعابها مادة تمنع التجلط، مما يؤدي إلى سيولة الدم فتتغذى عليه، والمادة الفعالة في هذا اللعاب تسمي «الهيرودين»، ولن تصدق أن هذا العلاج يتداول في الأسواق بكثرة على صورة حقن تستخدم في العديد من التطبيقات الطبية، كما أنها تصنع في مصر وقد بدأت بعض المصانع بتحضير مادة الهيرودين بشكل متطور معتمدة على التقنيات الحيوية الجديدة دون الحاجة إلى بذل الجهد في جمع الديدان من أنحاء الأرض.

حليب الإبل

* ومن الغرائب التي أثير كثير من الجدل حولها «حليب الإبل» الذي تزايدت عليه البحوث الطبية من الشرق والغرب، مؤكدة أنه مفيد لالتهاب الأعصاب المصاحب لمرض السكري، إلا أنه قد يسبب نوبات من الإغماء الطويل إذا زادت الجرعة عن الكميات المعقولة.

والحقيقة أن الجرعات اليومية الآمنة من لبن الإبل لم تحدد بعد بشكل علمي نهائي، ولم يكتف العلم بلبن الإبل؛ بل وصل الأمر أيضا إلى بول الإبل؛ وتحديدا بول أنثي الإبل (الناقة)، فقد وصفه ابن سينا في كتابه «القانون»، وهناك العديد من الدراسات حول فوائده، إلا أنها لم تصل إلى منتج أو علاج نهائي بالمفهوم الحديث.

- نبات «عنب البحر»، وهو نبات صيني الأصل معروف بقدرته العالية على طرد البلغم وإنقاص الوزن والمساعدة في التخلص من أعراض الإنفلونزا، وقد اكتشفه الصينيون منذ أكثر من 5 آلاف سنة، وحتى يومنا هذا ما زال يستعمل في العديد من أدوية ومستحضرات الإنفلونزا، ولكن هذا النبات قد يسبب رفع الضغط عند المرضى ويؤثر على مريض السكري بشكل كبير، ولذلك يجب استعماله بحرص شديد أو تحت الملاحظة الطبية.

- العرقسوس، هو نبات واسع الانتشار في الشام ومصر. ويحتوي هذا النبات على العديد من المواد ذات التطبيقات الطبية، ومنها على سبيل المثال حمض الغليسرهيزيك وهو العقار الأول لعلاج الالتهاب الكبدي المزمن لدى اليابانيين. والعرقسوس له تطبيقات مفيدة للبشرة سواء في التفتيح أو تقليل الالتهاب، ولا يخفى على الجميع أن العرقسوس يحتوي على مواد تشبه الكورتيزون في التأثير مما يؤدي إلى تأثيرات سيئة على مريض السكري.

- في السنوات الأخيرة كان هناك اهتمام كبير بالعثور على مركبات الرصاص من المصادر البحرية (المرجان، والإسفنج، وبعض أنواع الأسماك، والكائنات الدقيقة) وهذا لندرة هذا المعدن، وتوافره بكثرة في الحياة البحرية، بالإضافة لدخوله في كثير من الأدوية ومستحضرات التجميل والعناية.

- استخلاص السموم من الحيوانات، والنباتات، والثعابين، والعناكب، والعقارب، والحشرات البرية لتحضير بعض المستخلصات المهمة التي تؤثر في القنوات الأيونية والإنزيمات، وقد استخدمت السموم ومركبات الرصاص في تطوير وزيادة فاعلية كثير من الأدوية. يذكر أن سم الأفعى في البرازيل يدخل في العديد من مستحضرات الحفاظ على شباب البشرة.

ويختم دكتور محمد أمين حديثه مؤكدا أن «كل ما سبق من حصاد الطبيعة، ويوجد أكثر من هذا بكثير في خدمة الإنسان، وطبقا للاستخدام يكون أثرها السيئ أو المفيد».