تزايد نسبة إصابة الأطفال بمرض السكري

نتيجة عوامل منها جينية وسرعة النمو وتأخر التشخيص

TT

على الرغم من التقدم الطبي الهائل والدراسات الكثيرة التي تتناول مرضى السكري والجهود المبذولة في مكافحه المرض، فإن المؤشرات تدل على تزايد معدلات الإصابة بدلا من تراجعها. وهذا ما أشار إليه الكثير من الدراسات، ومنها دراسة أميركية حديثة عن زيادة معدلات الإصابة بمرض البول السكري من النوع الأول «Type 1 Diabetes» (النوع الأول من مرض السكري هو النوع الذي يكون فيه نقص للأنسولين، وفي الأغلب يصيب الأطفال).

السكري والأطفال

* وأوضحت هذه الدراسة أن نسبة تزايد مرض البول السكري من النوع الأول بلغت 70 في المائة في العقدين الماضيين، خاصة بالأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة، وكانت هذه الدراسة التي تم إجراؤها في ولاية فيلادلفيا، والتي قام بها باحثون من كليه التمريض بجامعه بنسلفانيا قد تناولت الإحصائيات الرسمية لعدد الأطفال مرضى السكري من الموجودين في الولايات المتحدة فقط، بداية من عام 1985 وحتى عام 2004. ونشرت هذه الدراسة في النسخة الإلكترونية من دورية العناية بمرض السكري Diabetes Care، وهي وغيرها تلفت النظر بشدة إلى مشكله تزايد المرض في بلد مثل الولايات المتحدة التي تتكبد سنويا ما يقرب من 115 مليار دولار جراء تكاليف علاج مرض السكري بالنسبة للأطفال، فضلا عن استخدام أحدث التقنيات في العلاج بالنسبة لنوعيه الأنسولين أو للطريقة التي يتم تناوله بها، وهو الأمر الذي يجعل المرض يقترب من الشكل الوبائي، خاصة في الدول الصناعية الكبرى.

تأخر التشخيص

* وكانت أكبر نسبة زيادة في معدل الإصابات قد حدثت للأطفال ما دون سن الخامسة، وهو الأمر الذي يحتاج إلى اهتمام شديد وتشخيص مبكر، حيث إن تأخر التشخيص خاصة في النوع الأول يمكن أن يزيد من فرصة وجود مضاعفات خطيرة تصيب القلب والكلى، وقد تصل إلى الوفاة إذا لم يتم التعامل مع المرض مبكرا. وكانت أكبر فرص الزيادة في معدل الخطورة في الأطفال من ذوي الأصول السمراء في الولايات المتحدة في الفئة العمرية من عمر عام وحتى 4 أعوام، وأثار هذا اهتماما خاصا لتفاوت الإصابة المرتبطة بالأصول العرقية في تشخيص وعلاج المرض.

وجمع الباحثون بيانات متفردة من مركز تسجيل مرض السكري بولاية فيلادلفيا من عام 1985, والجدير بالذكر أن هذه المنظمة التي تقوم بتسجيل بيانات المرضى عضو في المنظمة العالمية لمرضى السكري World Health Organization›s Diabetes، وهذه المنظمة تقوم بالأبحاث في مراكز بحثية بكثير من الدول، وقد تناولت الدراسة المذكورة في الولايات المتحدة تسجيل الحالات الجديدة من الأطفال مرضى السكري في العشرين عاما السابقة في الأطفال من ذوي الأعراق المختلفة، سواء البيض أو السود، أو الأعراق الأخرى مثل الأطفال الذين ينتمون لأصول لاتينية. وكان عدد الحالات من مرضى النوع الأول بلغ 935 طفلا وكان معدل الزيادة في المرض بين أطفال فيلادلفيا بمعدل نحو 1.5 في المائة كل عام.

وأشارت إلى أن نسبة المرض كانت في معدل ثابت في البداية، وأن معظم النسبة في الزيادة كانت في آخر 5 أعوام من الدراسة بالنسبة لكل الأطفال، وهذا الاتجاه التصاعدي يضيف دليلا جديدا على تزايد الأطفال مرضى السكري ليس فقط في الولايات المتحدة، ولكن من العالم كله خاصة أن الأطفال كانوا ينتمون لأصول عرقية مختلفة، وكانت نسبة الزيادة في الفتيات أكثر منها في الفتيان، والمعروف أن معدل الخطورة للإصابة بالنوع الأول ثلاثة أضعاف النوع الثاني.

عوامل الخطورة

* وعلى الرغم من عدم وجود سبب محدد مؤكد لمرض السكري من النوع الأول، فإن هناك بعض الملاحظات التي يمكن استنباطها من الدراسة، والتي تشير إلى أسباب قد تكون مؤدية لارتفاع نسبة الإصابة، وعلى سبيل المثال هناك عوامل خطورة مثل ارتفاع نسبة الإصابة في أطفال المدن الكبيرة يمكن أن يشير إلى أن العامل البيئي المرتبط بالتلوث يمكن أن يلعب دورا مهما، وكذلك ارتفاع الإصابات في عرق معين يشير بوضوح إلى العامل الجيني المؤثر في ازدياد نسبة المرض، وخاصة أنه إذا استمرت هذه النسبة في ازدياد النوع الأول سوف يصل عدد الأطفال المصابين إلى الضعف بحلول عام 2020 حسب الإحصائية التي تم نشرها في مجلة «لانسيت» الطبية (The Lancet)، وهو الأمر الذي يجعل إجراء المزيد من الدراسات أمرا بالغ الأهمية، لمعرفة إذا كان هناك سبب يمكن تجنبه في المستقبل.

تفسير الإصابات

* وبجانب هذه الدراسات العلمية هناك كثير من الملاحظات (حتى وإن لم تكن تستند على أدلة علمية مؤكدة)، التي يمكن من خلالها محاولة تفسير زيادة المرض على الرغم من الجهود المبذولة لمواجهته ومن هذه الملاحظات:

- زيادة نسبة حدوث المرض في الأطفال سريعي النمو، حيث تلاحظ أن زيادة الإصابة في الأطفال الأكبر حجما والأسرع نموا، أكثر من الأطفال الأصغر حجما والأبطأ نموا وهذه النظرية تسمى بـ«فرضية الإسراع» (accelerator hypothesis)، وهو ما يمكن تفسيره بأن عمليه النمو تمثل إجهادا بدنيا للطفل، وخاصة الطفل المهيأ جينيا، مما يساعد في ظهور المرض عليه.

- وهناك أيضا فرضية أخرى يمكن أن تكون مسؤولة عن زيادة المرض, وتسمى «فرضية النظافة» (hygiene hypothesis)، وتشير إلى أن الأطفال الذين يعيشون في المدن الصناعية الكبرى في الدول المتقدمة يعيشون في بيئة نظيفة أكثر من اللازم ولا يتعرضون للميكروبات الضعيفة، وهو الأمر الذي لا يحفز الجهاز المناعي لديهم بالشكل الكافي، وهو ما يمكن أن ينتج عنه خلل في الجهاز المناعي تجعله يتفاعل مع المؤثرات الأخرى بشكل مرضى، وقد يكون ذلك تفسيرا لتزايد الإصابات في أطفال المدن أكثر من أطفال الريف.

- وهناك أيضا فرضية تشير إلى أن عدم التعرض للشمس بالشكل الكافي يمكن أن يساهم في زيادة المرض وتسمى «فرضيه أشعة الشمس» (sunshine hypothesis)، وهي تفسر قلة أعداد المرضى من النوع الأول في الدول المجاورة لخط الاستواء، التي تتمتع بشمس مشرقة خاصة أن هناك بعض الدراسات التي ربطت بين المستويات المنخفضة لفيتامين «د»، الذي يطلق عليه «فيتامين الشمس المشرقة»، وزيادة الإصابة بمرض السكري.

- فرضية نوعية اللبن الحليب الذي يتناوله الطفل في فترة الرضاعة وهذه الفرضية تسمى «فرضية لبن الأبقار» (cow›s milk hypothesis)، التي تشير إلى أن الأطفال الذين يتناولون ألبانا صناعية تحتوي على لبن البقر، خاصة في الشهور الستة الأولى من عمر الطفل، وهذه الألبان تؤثر على الجهاز المناعي للطفل بالشكل الذي يحدث خلل يمكن أن يؤدي للإصابة بالمرض من النوع الأول، خاصة أن نسبة الإصابة في الأطفال الذين يرضعون بشكل طبيعي كانت أقل.

* وتعتبر هذه الدراسات وحتى الفرضيات التي لم يتم التأكد من صحتها علميا حتى الآن، بمثابة جرس إنذار من تزايد مرض السكري من النوع الأول، وهو ما يستدعي المزيد من الجهود لمعرفة أسباب الزيادة في عدد الحالات والعمل على خفضها وإمكانية تجنبها.

* اختصاصي طب الأطفال خفيف تناول الأطعمة المحتوية على الكافيين، والأطعمة من مشتقات الألبان، والأطعمة ذات الطعم شديد الحلاوة.