المراهقون.. والإقدام على المخاطر

ردود فعل الأصدقاء تجعل المخ أكثر حساسية لتقبل الإطراء

TT

تعتبر فترة المراهقة من أكثر الفترات حساسية في حياة الإنسان، وتشكل عبئا نفسيا للمراهق وذويه على حد سواء، وفى الأغلب يصحبها تغير كبير في السلوك مما قد يدفع المراهق إلى الإقدام على سلوك يتسم بالخطورة والاندفاع. ودائما يبدو أن إقدام المراهق على المخاطر من دون تفكير كاف غير مفهوم أو مبرر من قبل الآباء. والغريب أن الدراسات والأبحاث المختلفة أثبتت أن المراهقين لديهم العقلية التي يمكنهم بها التمييز بين الصواب والخطأ، فضلا عن إمكانية توافر المعلومات الكافية عن خطورة الانخراط في أنشطة غير صحية مثل التدخين أو تعاطي المخدرات أو تناول الكحوليات وغيرها.

وتأتي دراسة للدكتور لورنس شتاينبرغ (Laurence Steinberg)، وهو واحد من أهم علماء النفس المهتمين بمخ المراهقين، نشرت في شهر أبريل (نيسان) من العام الحالي في مجلة الاتجاهات الحديثة في العلوم النفسية (Current Directions in Psychological Science) المعنية بدراسة مخ المراهقين وتحليل تصرفاتهم، كمحاولة للإجابة عن سر اندفاع المراهقين لسلوك يتميز بالخطورة.

* تأثير الأقران

* وكانت هذه الدراسة قد أشارت إلى أن المراهق الذي يسلك مسلكا خطرا، مثل قيادة المركبات بسرعة فائقة أو الإقبال على تناول أقراص مخدرة أو منشطة، فإن ذلك يعود إلى التأثير القوي والفريد من أقران المراهق على المخ الذي ما زال في طور النمو خاصة أن الطفل حينما ينتقل من مرحله الطفولة إلى مرحلة المراهقة يميل إلى قضاء وقت أطول مع أصدقائه بعيدا عن الوالدين.

وكشفت الدراسة أن ردود الأفعال من الأصدقاء قد تقوم بما يشبه تهيئة المخ ليكون أكثر حساسية واستعدادا لتقبل الإطراء والتقدير من الزملاء لمسلك غير معتاد ومرتبط بالمخاطر، الذي يمثل الشجاعة ومواجهة التحديات من وجهه نظرهم. وهذه الحساسية تجعل المراهق يكثف جهوده للاستحواذ على إعجاب أصدقائه من السلوك الذي يتميز بالخطورة، حتى ولو كان يحمل عواقب سيئة على المدى البعيد، مثل تدخين السجائر أو تعاطي المخدرات، خاصة أن التحكم والسيطرة الإدراكية للأفعال في المخ يأخذان وقتا طويلا حتى ينضجا بالشكل الكافي الذي يمكنهما من كبح جماح الإقدام على السلوك المحفوف بالمخاطر. وهو الأمر الذي يمكن الشخص البالغ من الابتعاد عن السلوك المتهور.

وأوضحت الدراسة أن المراهقين إذا خضعوا للاختبارات النفسية بمعزل عن أصدقائهم وطلب منهم أن يتخذوا قرارا عما إذا كان بمقدورهم أداء سلوك متهور مثل تعاطي الخمور أو المخدرات أو القيادة بسرعات كبيره فإنهم في الأغلب سوف يقومون باختيارات لا تبتعد كثيرا عن مسلك الأشخاص البالغين البعيد عن المخاطر.

وفي دراسة سابقة في عام 2009 قام بها نفس المؤلف وفريقه على مراهقين في عمر 14 عاما، تم اختبارهم على لعبة تشبه قياده السيارة، وتبين أن قدرتهم على المخاطرة في وجود الأصدقاء أو الزملاء تكون ضعف قدرتهم حينما تم اختبارهم بمفردهم. وأكدت الدراسة الأحدث تلك النظرية أيضا، بينما لم تتأثر قدرة البالغين على المخاطرة في وجود أقران مماثلين في العمر. وبجانب ذلك كانت هناك مراكز معينة في مخ المراهقين مهيأة أكثر للتحفيز بكلمات الإطراء والتقدير أو ما يمكن اعتباره مركز التقدير أو المكافأة (reward system).

وأرجع الباحثون القرارات الخطرة التي يمكن للمراهقين أن يتخذوها عند وجود الأصدقاء إلى التغير في استجابة المخ لمركز التقدير وتحفيزه، خاصة أن الوجود مع الأصدقاء مهم جدا في مرحلة المراهقة، حيث إن المراهقين يعتبرون العلاقات الاجتماعية وتكوين الصداقات المختلفة بمثابة نوع من أنواع المكافأة والتقدير. ويرجع الفضل في هذا الاكتشاف إلى التقدم التقني الذي مكن الباحثون من دراسة طريقة التفكير لدى المراهقين في المخ النامي باستخدام تقنية الرنين المغناطيسي الوظيفي (التي تقوم بدراسة وظائف المخ/ functional magnetic resonance imaging)، فضلا عن دراسة مخ حيوانات التجارب، وقد أفادت في تغير النظرة إلى مخ المراهق من كونه (غير مكتمل النضج) إلى كونه «مختلفا على مستوى التجارب أو المستوى الوظيفي».

وفي السياق نفسه، تبين أن حوادث قيادة السيارات بالنسبة للمراهقين تزيد خمسة أضعاف في وجود أقرانهم عما هي عليه إن كانوا بمفردهم. وحتى ارتكاب الجرائم في هذه الفئة العمرية يكون في الأغلب في مجموعات، كما أن نسبة الوفيات بين المراهقين ضعف النسبة في الأطفال.

* الإقدام على المخاطر

* وفضلا عن تأثير الأصدقاء على سلوك المراهقين توجد هناك عوامل أخرى لاختياراتهم التي قد تتسم بالخطورة، منها استمتاعهم بممارسة سلوك غير مألوف بعيدا عن رقابة المجتمع وتحديا للأعراف، حيث إن ذلك الأمر يزيد من إحساسهم بالنضج لأنهم لا ينفذون الأوامر كالأطفال، بل يمكنهم عدم التقييد بها، خاصة إذا تمكنوا من الإفلات من العقاب.

هذا الأمر أوضحته دراسة إنجليزية سابقة قام بها باحثون من جامعة كلية لندن (University College London) أجريت على 86 شخصا من المراهقين والبالغين حتى عمر 35 عاما على حد سواء. وطلب منهم أن يلعبوا بلعبة إلكترونية على الكومبيوتر. وفى أثناء هذه اللعبة يطلب منهم اتخاذ قرارات تتعلق باكتسابهم بعض النقاط في اللعبة. وعند نهاية كل لعبة قام الباحثون بدراسة الاستجابة العاطفية لكل متسابق بتسجيل كم الرضا أو عدم الرضا عن نتيجة القرارات المتعلقة باللعبة. وكانت النتيجة أن المراهقين أظهروا استمتاعا كبيرا بالقرارات التي كادت تتسبب في مخاطرة خسارة اللعبة لكن حالفهم التوفيق في اللحظات الأخيرة بما يطلق عليه «الهروب الموفق» (lucky escape) بما يماثل لذة القيادة بسرعة كبيرة جدا في الطرق السريعة وعدم حدوث حوادث، مما يجعل المراهق يقدم على المخاطرة مرة أخرى لأن الحظ كان حليفه على الرغم من علمه المسبق أن القيادة السريعة يمكن أن تتسبب في كارثة تصل إلى حد الوفاة، لكن النجاة تجعل من هذا الاحتمال أمرا بعيد الحدوث.

يجب على الآباء أن يتفهموا طبيعة تلك المرحلة، وأن يحاولوا جاهدين إنقاذ أبنائهم من الانخراط في الأنشطة الخطيرة، ويحيطوا المراهق بالحب والحنان والإعجاب والإطراء وعدم التسفيه من آرائه أو اختياراته ومناقشته بهدوء في عواقب اختيارات معينة. وتعتبر التنشئة الدينية المعتدلة من أهم الأشياء التي تساعد المراهق على تخطي الانغماس في المخاطر وهو ما أكدته دراسة طبية عام 2005 عن أن المراهقين المتدينين يكون سلوكهم مسالما أكثر من المراهقين غير المتدينين. وهناك أهمية أيضا للاختيار الجيد للأصدقاء، نظرا لتأثيرهم القوي على المراهق.

ويجب وضع حدود معينة للمراهق بالاتفاق معه بشكل لا يتعارض مع منظومة المجتمع ولا يتعارض بالكلية مع رغباته كذلك. يجب على الآباء تشجيع الطفل على الدراسة خاصة إذا تراجع مستواه الدراسي، وشرح أهمية الدراسة، واستخدام حافز للمراهق إذا تمكن من إنجاز متعلق بدراسته. ويمكن أيضا تشجيع المراهق على ممارسة هواية معينة، وكذلك ممارسة النشاط البدني والرياضة، مما يجعله حريصا على صحته البدنية حتى يتمكن من تحقيق إنجازات في الرياضة، وبالتالي تضمن ابتعاده عن الممارسات التي يمكن أن تؤثر بالسلب على أدائه مثل التدخين أو شرب الكحوليات.

* اختصاصي في طب الأطفال