توصيات من أجل طفولة سعيدة

بث المشاعر الإيجابية يكسب الأبناء قدرة على مواجهة الضغوط النفسية

TT

هناك حلم يراود الكثيرين، خاصة الذين قضوا طفولة تعيسة، أن بإمكانهم العودة إلى الطفولة لتصحيح الأخطاء التي وقع فيها الآباء، وتسببت في حرمانهم من السعادة. ورغم أن جميع الآباء في العالم كله يشتركون في الرغبة الدائمة في إسعاد أولادهم، من خلال طرق تختلف باختلاف الأشخاص والواقع الجغرافي والبيئة الثقافية وكذلك المستوى الاقتصادي والاجتماعي لكل أسرة، ورغم أن الموضوع يبدو بديهيا وممكنا، فإن الحقيقة أن الكثير من الأطفال يعانون طفولة تعيسة تترك آثارا نفسية مدمرة قد تلازمهم لبقية حياتهم، وذلك للكثير من الأسباب.

* توصيات صحية

* يمكن بالطبع للآباء محاولة توفير بيئة سعيدة لأطفالهم. وهناك الكثير من الطرق لجعل حياة الأبناء أكثر سعادة، وذلك تبعا للكثير من التوصيات النفسية التي أشار إليها الأطباء النفسيون، ومنهم الدكتور إدوارد هالويل Edward Hallowell، وهو طبيب نفسي قام بتأليف كتاب «جذور السعادة تبدأ من الطفولة» (The Childhood Roots of Adult Happiness). وأشار فيه إلى الكثير من الطرق التي تساعد الآباء في محاولة إسعاد أولادهم.

ومن أهم هذه التوصيات، البدء بمعرفة ما إذا كان الطفل سعيدا أم لا. وهناك علامات للطفل السعيد مثل الضحك، واللعب باستمرار، وفضول المعرفة، واللعب مع الأطفال الآخرين، والتهليل والفرح في حالة عودة الأب إلى المنزل. أما علامات عدم السعادة تكون شديدة الوضوح، مثل: الانعزال، والهدوء الدائم، وفقدان الرغبة في اللعب، وعدم الاهتمام بطرح الأسئلة عن الأشياء المثيرة لفضول الطفل العادي. ويجب على الآباء معرفة الفرق بين الطفل الخجول بطبعه، والطفل التعيس - فالطفل الخجول قد لا يلعب أو يتكلم مع الغرباء، لكنه يشعر بالراحة في وجود الأب والأم، ويتكلم بحرية ويكون دائم الابتسام.

وأشارت هذه التوصيات إلى أن الضحك والدعابات المستمرة من الآباء تحسنان من مزاج الطفل وتقويان علاقة الأطفال بالآباء، حيث يصبح الأب والأم مصدرا للمتعة، فضلا عن أن الأطفال يستمتعون بمشاركة آبائهم، خاصة في مرحلة ما قبل الدراسة، كما أن الدعابات تزيد من قدرات الطفل التخيلية وتجعله أكثر استعدادا لتكوين أصدقاء جدد، وكذلك تزيد من مقاومة الضغوط النفسية الخارجية التي يتعرض لها الطفل، سواء في المدرسة أو النادي. ويجب أيضا أن يقوم الآباء ببث المشاعر الإيجابية في الأطفال مثل؛ التفاؤل، والتسامح.

ويجب تجنب بث المشاعر السلبية والعنيفة، خاصة في مرحلة الحضانة (في حدود عمر الخامسة)، لأن الطفل الذي يصبح عدوانيا في هذه المرحلة، في الأغلب يمكن أن يتجه إلى العنف في مرحلة متقدمة من حياته، حيث إن المشاعر السلبية تنتقل إلى الأطفال. ويكون من المفيد أيضا قضاء وقت مع الأطفال قبيل النوم مباشرة، سواء بقراءة القصص الملونة أو الحكايات التي تثير الخيال، فضلا عن غرس حب القراءة للأطفال بشكل مباشر، حيث ترتبط القراءة بالمتعة وتحقق الوجود الدائم مع الأطفال، مما يشعرهم بالأمان.

* علاج الخلافات

* ويجب أيضا على الوالدين أن يبتعدا عن المشاجرات والخلافات أمام أطفالهما، خاصة الصوت العالي والنبرة العدوانية، حتى إذا حدث احتدام بين الوالدين لأمر ما يمكنهم إظهار الحب والاحترام تجاه بعضهم بعد ذلك حتى يتسنى للأطفال معرفة أن الخلافات بين الأبوين أمر عارض، وكذلك محاولة حل مشاكل الوالدين المتعلقة بأحدهما، سواء في العمل أو المعاناة من مشكلة نفسية ما أو بسبب ضيق المعيشة، بعيدا عن الأطفال حتى يشعر الطفل بالأمان، حيث إنه من المعروف أن الآباء الذين يشعرون بالسعادة ينشئون أطفالا سعداء، والعكس بالعكس.

والبيت المليء بالمشاكل يمثل بيئة مضطربة بالنسبة للطفل. ولذلك يوصي الخبراء، خاصة بالنسبة للأم، بضرورة علاج المشكلات النفسية بواسطة طبيب نفسي، حيث إن دور الأم بالغ الأهمية في الحفاظ على التوازن النفسي للأطفال، خاصة الأولاد أكثر من الفتيات، وهو ما أشارت إليه إحدى الدراسات في عام 2010، التي أوضحت أن الأولاد الذين يتمتعون باهتمام أمهاتهم وحبهم هم في الأغلب الأكثر اتزانا نفسيا وسلوكيا.

* الإحاطة بالحب

* يجب على الآباء إشعار الطفل بالتقبل (acceptance) بالشكل الملائم؛ بمعنى أنه إذا كان الطفل يعانى أمراضا عضوية أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأمراض النفسية أو حتى العقلية، أو إذا كان الطفل لا يتمتع بذكاء كاف، أو لا يمتثل للتعليمات بسهولة أو غير متفوق دراسيا، فإنه يجب عدم مقارنته بالآخرين، حتى الإخوة وعدم الشكوى منه أمام الغرباء.

ولا يعني التقبل، بطبيعة الحال، عدم محاولة الآباء تغيير وإصلاح النقص الذي يعانيه الطفل، سواء على المستوى العضوي أو النفسي أو الدراسي، ولكن إشعار الطفل أن الأبوين يحبونه في وضعه الراهن وأنهما يتمنيان أن تتحسن أوضاعه، وأنه ببذل مجهود بسيط يمكن أن يحدث التغيير إلى الأفضل، مما يشجع الطفل لبذل المزيد من المجهودات حتى يتمكن من التقدم الدراسي على سبيل المثال أو الاحتفاظ بالهدوء داخل المنزل.

يجب على الآباء ألا يفرضوا شخصيتهم على الأبناء. ومثال بسيط لذلك، في حالة شراء الملابس ينصح بأن يتم ترك حرية الاختيار للطفل، لكي يختار ملابسه حتى لو بدت غريبة أو ذات ألوان غير مناسبة للآباء. ويمكن توجيهه بشكل غير مباشر وعدم فرض رأي معين عليه. ويجب أيضا على الآباء ألا يحاولوا تحقيق أمنياتهم التي لم يتمكنوا من تحقيقها أو حتى تلك التي أشبعوها وأكسبتهم شعورا بالسعادة على أبنائهم، ومثال لذلك رغبة الآباء في أن يقوم المراهق أو الطفل بدراسة تخصص لا يحبه أو حتى فرض هواية ما عليه، وإصرار الآباء على تعلم العزف على آلة موسيقية.

كذلك، ينصح الخبراء الأبوين بترك مساحة لحرية الحركة خارج نطاق الأسرة مع الأصدقاء، حيث إنه في كثير من الأحيان، وبدافع الحب والخوف، يحرص الآباء على ملازمة الأبناء طوال الوقت، مما يمنعهم من تكوين علاقات صحية وسليمة اجتماعيا خارج نطاق الأسرة، وبمرور الوقت يشكل ذلك الحب عبئا نفسيا على الأطفال ويصبح الحب الأبوي بمثابة قيد، ويصبح الطفل معتمدا على الأبوين ويفقد القدرة على اتخاذ القرارات مهما كانت بسيطة.

ويجب أن يحافظ الوالدان على هذه المساحة حتى في حالة تعرض الطفل أو المراهق لمشكلة بسيطة، وتركه يحاول حلها بمفرده مثل (خلاف مع أحد الزملاء)، مما يكسبه ثقة بنفسه وينمي مهارات التواصل الاجتماعي لديه (وذلك لا يمنع بطبيعة الحال أن يسدي الآباء النصيحة لأطفالهم). يجب ألا يشعر الوالدان بالقلق إذا انتابت الطفل لحظات من الحزن العارض أو القلق لفقدان شيء معين أو فشل دراسي أو غيرها، حتى يتعلم الطفل أن هناك أمورا سيئة يمكن حدوثها، وأن الحياة مليئة بالأفراح والأتراح، وتلك هي طبيعة الحياة، وأنه يجب أن يتجاوز أحزانه، مع إشعار الطفل بالحب والاهتمام لتجاوز الأزمة العارضة.

* اختصاصي في طب الأطفال