الاكتئاب.. وأثره على الطفل

يحدث بسبب عوامل جينية ونفسية

TT

على الرغم من صعوبة تصور طفل صغير وهو يعانى من الاكتئاب، فإن هذا الأمر شائع وتناوله العديد من دراسات الطب النفسي. ولكن المرحلة العمرية من 4 وحتى 6 سنوات (مرحلة ما قبل الدراسة) لم تنل القدر الكافي من الدراسات، وقد يكون ذلك لصعوبة اكتشاف الاكتئاب في هذه السن المبكرة.

وأشارت دراسة حديثة أجراها باحثون من كلية الطب في جامعة واشنطن بالولايات المتحدة Washington university school of medicine، إلى أن الجزء المسؤول عن تنظيم العواطف في المخ بالنسبة للأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة، من الذين يعانون من الاكتئاب، يختلف عن أقرانهم من الأطفال الأصحاء. ونشرت الدراسة في عدد شهر يوليو (تموز) الحالي من «مجلة الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين» Journal of the American Academy of Child & Adolescent Psychiatry.

* اختلاف وظائف المخ

* وكانت الدراسة التي استخدمت تقنية أشعة الرنين المغناطيسي لكشف الاختلاف في المخ بالنسبة للأطفال الصغار، كشفت عن وجود اختلاف في وظائف المخ وازدياد في النشاط بالنسبة لتجمع عصبي في المخ يشبه في تكوينه ثمرة اللوز amygdale الجزء المهم في تنظيم العواطف في المخ، بالنسبة للأطفال في مرحلة ما قبل الدراسة الذين يعانون من الاكتئاب، وهو ما يدق ناقوس الخطر بضرورة الالتفات المبكر لمشكلات الأطفال النفسية ومحاولة علاجها. وكانت دراسات بنظام الرنين المغناطيسي الوظيفي fMRI قد أجريت على البالغين والمراهقين، ولكن لم تكن هناك دراسات كافية بالنسبة لأطفال ما قبل الدراسة في هذه السن، خاصة أن أي حركة صغيرة يمكن أن تؤدي إلى نتائج مغلوطة. ولذلك قام الباحثون بما يشبه «البروفة» أولا؛ حيث كان هناك ما يشبه إجراء الأشعة، وتم إخبار الأطفال بعدم الحركة، ثم قاموا بالفحص الفعلي بعد ذلك حتى يتم ضمان سلامة الإجراء.

وقام الباحثون بإجراء الدراسة على 54 طفلا تتراوح أعمارهم بين 4 و6 سنوات، وكان 23 منهم قد تم تشخيصهم في وقت سابق على أنهم مصابون بالاكتئاب، والباقي (31) من الأطفال الطبيعيين.

يذكر أن الأطفال مرضى الاكتئاب لم يتناولوا أي عقاقير مضادة للاكتئاب Antidepressants.

وأثناء الدراسة بالأشعة الوظيفية قام الأطفال بالنظر إلى صور وجوه تعكس عدة مشاعر، مثل الفرحة والغضب والخوف وتعبيرات عادية. وكانت المفاجأة أن الأطفال الذين يعانون من الاكتئاب ظهرت لديهم زيادة في نشاط المنطقة المسؤولة عن العواطف عند رؤيتهم لجميع صور الوجوه بغض النظر عن طبيعة التعبير سواء الفرح أو الغضب أو الحزن، مقارنة بأقرانهم من الأطفال الأصحاء، وهو الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن الاكتئاب يغير من النشاط العصبي والوظيفي للمخ، وهو ما يمكن أن يسبب مشكلات نفسية لاحقا في المراهقة أو البلوغ، خاصة أن الطفل الذي يعاني من الاكتئاب، في الأغلب يعاني من الاكتئاب عند البلوغ أيضا.

* أسباب الاكتئاب

* هناك العديد من الأسباب يمكن أن تسبب الاكتئاب مثل العامل الوراثي والجيني. وفى الأغلب، يكون أحد الوالدين قد عانى من الاكتئاب في فترة من فترات حياته، ويكفي أن نعرف أن الطفل الذي عانى أحد والديه من الاكتئاب تزداد لديه نسبة الإصابة بالاكتئاب إلى 25% أكثر من أقرانه. وترتفع النسبة لتصل إلى 50% إذا كان قد عانى كل من الأبوين من الاكتئاب سابقا. ويؤثر أيضا العامل النفسي مثل علاقة الأطفال بوالديهم بما فيها عدم الاهتمام بالطفل، أو إيذاؤه بدنيا بشكل عنيف، وكذلك علاقة الطفل بأقرانه أو إخوته من المحيطين به، مثل السخرية منه، أو عدم التمكن من تكوين أصدقاء، أو موت شخص قريب من الطفل، أو انفصال الوالدين.

وتختلف الأعراض باختلاف العمر، والمشكلة الحقيقية في الأطفال في مرحله ما قبل الدراسة أن الأعراض لا تبدو بالوضوح نفسه كما هي الحال لدى الأطفال الأكبر سنا أو المراهقين؛ مثل الحزن وعلامته، ويمكن أن يحدث بدلا منه توتر أو قلق للطفل، ويمكن أن توجد فترات يبدو فيها الطفل طبيعيا تماما أثناء اليوم، وعلى الرغم من ذلك، فإنه يمكن ملاحظة بعض الأعراض بالتركيز على سلوك الطفل مثل أن يبدو الطفل تعيسا خاصة ملامح الوجه معظم الوقت، ويفقد الاهتمام بالأشياء التي كان يفضلها مثل الألعاب أو المشاركة في نشاطات معينة مع أطفال آخرين، ويبدو كسولا وغير مبال وفى الأغلب يبكي في صمت.

ويمكن أن يعاني بعض الأطفال من أعراض عضوية مثل الصداع أو الألم في البطن، وهذه الأعراض يمكن أن تمتد لمدة طويلة تتجاوز عدة أسابيع إذا لم يتم علاجها، ويجب على الآباء وضع هذه العلامات في اعتبارهم وأن يلجأوا إلى الطبيب النفسي الذي يقوم بعمل جلسات استماع للطفل، وكذلك بعض الكبار من المحيطين به.

أما علاج الاكتئاب، فيتطلب علاجا نفسيا وكذلك علاجا كيميائيا، حيث من المعروف أنه يحدث تغير كيميائي في الأعصاب الموجودة بالمخ يتسبب في أعراض الاكتئاب. ويفيد العلاج النفسي الطفل الذي يعانى من مشكلات عائلية مثل المعاملة السيئة أو انفصال الوالدين، ويجب أن يكون العلاج النفسي هو خط العلاج الأول، حيث إنه لا توجد دراسات كثيرة لتأثير الأدوية المضادة للاكتئاب على الأطفال في هذه المرحلة العمرية. ويفضل أن تستخدم بحرص ولا يتم توقيفها إلا بعد استشاره الطبيب.

* اختصاصي طب الأطفال