جهود طبية حثيثة لتشجيع الإقلاع عن التدخين

للتقليل من تكلفته الصحية والاقتصادية

TT

بمناسبة اليوم العالمي للامتناع عن التدخين، 31 مايو (أيار) 2014، دعت منظمة الصحة العالمية إلى إبراز المخاطر الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ وتقديم مساعدات فعالة للراغبين في الإقلاع عن التدخين الذي يودي بحياة ما يقرب من ستة ملايين شخص سنويا، مؤكدة على أن التدخين يقع ضمن دائرة الإدمان المرتبط بعادة، ويستوجب العلاج نظرا لتحوله إلى أولوية في حياة المدخن مع الظهور السريع للأعراض الانسحابية عند محاولة الإقلاع كالتوتر والعصبية وسرعة الانفعال والصداع وعدم انتظام النوم والإحباط والإحساس العام بعدم الرضا والنزوع للانعزال والاكتئاب وأخيرا الحنين للتدخين.

وتشير التقارير المحلية إلى أن نحو 45 في المائة من الرجال بالمملكة مدخنون فيما تبلغ معدلات انتشار التدخين بين النساء في المملكة 25 في المائة في المرحلة العمرية بين 25 و35 عاما، كما تصل معدلات التدخين بين طلاب المرحلة المتوسطة والثانوية إلى نحو 24 في المائة.

ومع حلول اليوم العالمي لمكافحة التدخين هذا العام، تشهد عيادات الإقلاع عن التدخين إقبالا متزايدا من المدخنين الباحثين عن وسائل وبرامج علاجية متكاملة تساعدهم على الإقلاع عن التدخين، وهو ما يعد مؤشرا إيجابيا، يعود سببه إلى ارتفاع مستوى الوعي بصفة عامة ولا سيما بين المدخنين بخطورة التدخين تجاوبا مع جهود القطاع الحكومي والقطاع الخاص، بالإضافة إلى توافر وسائل وبرامج علاجية أثبتت نجاحا كبيرا في مساعدة الكثير من الحالات المتقدمة وأكثرها اعتمادا على النيكوتين، وهو ما أعطى بارقة أمل للمدخنين وساهم في تعزيز الثقة لديهم بإمكانية التخلص من هذا الإدمان إذا ما توفرت الرغبة ووسائل العلاج المبنية على أسس علمية وطبية موثوقة.

* آثار التدخين السلبي أوضح «لصحتك» الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة والمدير الطبي للمركز الطبي الدولي بجدة، أن الآثار السلبية للتدخين لا تتوقف على المدخنين فحسب بل تتجاوزهم لتصل إلى المخالطين لهم في بيئة العمل وحتى أولادهم وأفراد عائلاتهم في البيت، حيث أظهرت الدراسات أن أكثر من 700 مليون طفل حول العالم يتعرضون لأضرار التدخين السلبي الناتج عن وجود مدخنين بالمنزل، فيما أظهرت دراسة حديثة أجرتها الجمعية الأميركية للسرطان أن ما يقارب 20 – 56 في المائة من شباب دول مجلس التعاون الخليجي يعيشون في منازل يوجد بها مدخنون يدخنون في وجود هؤلاء الشباب. كما تشير الدراسات إلى أنه في الوقت الذي يعد التدخين مسؤولا عن 90 في المائة من حالات الإصابة بسرطان الرئة على وجه العموم بالإضافة إلى أنواع السرطان الأخرى مثل سرطان التجويف الأنفي وسرطان الشفة والفم والحلق والقصبة الهوائية وسرطان الكبد والبنكرياس والقولون وسرطان الرحم، فإن غير المدخنين الذي يتعرضون للتدخين السلبي يتزايد احتمال إصابتهم بسرطان الرئة بنسبة تتراوح بين 20 - 30 في المائة.

* نسب انتشار التدخين بينت دراسة نشرتها «المجلة الطبية السعودية» التي تصدر عن مستشفى القوات المسلحة بالرياض ذات المصداقية العالمية، أن نسبة انتشار التدخين بين طلاب المدارس تتراوح بين 12 – 30 في المائة بينما ارتفعت هذه النسبة بين طلاب الجامعات لتصل إلى 37 في المائة، كما بلغت نسبة المدخنين بين طلاب كلية الطب والعلوم الطبية 33 في المائة. ولم يقتصر الأمر على انتشار التدخين بين الذكور فحسب، حيث أوضحت الدراسة أن معدلات انتشار التدخين بين الإناث آخذة في الصعود، فبلغت 14 في المائة بين طالبات المدارس و11 في المائة بين طالبات الجامعات و16 في المائة بين الطبيبات. كما وجد أن نسبة انتشار المدخنين بين الجنود 30.5 في المائة وبين أهل البادية نحو 15 في المائة، وهذا يدل على أن المملكة ليست بمنأى عن بلوغ المعدلات العالمية في انتشار التدخين حيث تصل أعداد الوفيات الناتجة عن الأمراض المرتبطة بالتدخين بالمملكة إلى نحو 30.000 سنويا، في حين يتجاوز هذا العدد خمسة ملايين سنويا على مستوى العالم.

* وسائل التدخل العلاجي هنا يبرز دور ضرورة توفير المساعدة والدعم الطبي للراغبين في الإقلاع عن التدخين الذي يلعب دورا حاسما في المساعدة على الحد من انتشار التدخين، فعلى الرغم من أن هناك الكثير من الوسائل العلاجية المتاحة مثل التنويم المغناطيسي والوخز بالإبر الصينية واستخدام أشعة الليزر وكذلك الملامس الفضي والمهدئات بالإضافة إلى اللصقات والعلكات ورذاذ الأنف التي تحتوي على جرعات مخففة من النيكوتين، فإن دراسات الطب المبني على البراهين أظهرت محدودية فعالية هذه الوسائل على المدى الطويل.

وفي هذا الصدد يقول الدكتور أشرف أمير إن «البرنامج العلاجي المتكامل للإقلاع عن التدخين يشمل تقديم المشورة والدعم النفسي والمعنوي للمدخن بالإضافة إلى العلاج الدوائي (فارنكلين) أو (تشامبكس) الذي يتوافر حاليا بالمملكة، كأول عقار من نوعه لا يعمل بآلية إحلال النيكوتين في الجسم ويمثل نقلة نوعية في وسائل مكافحة التدخين، حيث ساهم في نجاح محاولات الإقلاع عن التدخين بواقع أربعة أضعاف، فيما تلعب رغبة المدخن الصادقة وإصراره دورا مهما في أي محاولة للإقلاع عن التدخين ويتوقف عليها مدى سرعة الاستجابة للعلاج ومن ثم يتم بناء على ذلك تحديد طريقة البرنامج العلاجي ومدته والأساليب المتبعة لمساعدة المدخن في الإقلاع».

* تكلفة صحية واقتصادية أوضح الدكتور أشرف أمير، أن التكلفة المرتبطة بالتدخين على المستويين الصحي والاقتصادي باهظة جدا، حيث أظهرت تقارير مركز مكافحة الأمراض والعدوى في أميركا الصادرة عام 2008 أن المدخن يكلف جهة العمل ما يزيد على 56 ألف ريال كأعباء مالية إضافية مباشرة مقارنة بغير المدخن مثل تكاليف العلاج من الأمراض المرتبطة بالتدخين كأنواع السرطان وارتفاع ضغط الدم وأمراض الشرايين والقلب، ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) والذي يعد ثاني أهم الأسباب المؤدية للتنويم بالمستشفيات ورابع أهم الأمراض المؤدية للوفاة، وهو ما يؤدي بالتالي إلى التغيب عن العمل، بالإضافة إلى إهدار وقت العمل في الانشغال بالتدخين أو الاستقطاع المتكرر لوقت العمل في البحث عن مكان يمكنه التدخين فيه. كما أشارت التقارير ذاتها إلى الانخفاض الواضح في إنتاجية المدخن عن غير المدخن بحيث تعادل سنة العمل للمدخن 11 شهرا فقط مقابل 12 شهرا لغير المدخن.

* الإقلاع عن التدخين أما عن أكثر العوامل شيوعا التي تساعد المدخنين على اتخاذ القرار بالإقلاع عن التدخين، فتؤكد دراسة أجريت على مدخنين في سبع دول بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، أن الخوف على صحة الأولاد وأفراد العائلة والأصدقاء والمخالطين جاءت في مقدمة العوامل التي دفعتهم للتفكير في الإقلاع عن التدخين. وشكل الرجال نحو 86.5 في المائة من الذين سعوا للعلاج من التدخين، وتراوحت أعمارهم بين 31 و40 عاما تلتها الشريحة العمرية 41 - 50 عاما، كما وجد أن ثلاثة من بين كل أربعة مدخنين لديهم الرغبة في الإقلاع عن التدخين، في حين لم تتجاوز نسبة من تمكنوا من الإقلاع عن التدخين معتمدين على قوة الإرادة فقط ودون مساعدة ودعم طبي سبعة في المائة.

* عيادة متنقلة لعلاج التدخين

* تمثل العيادة المتنقلة التي أنشأها برنامج مكافحة التدخين التابع لوزارة الصحة السعودية تطورا نوعيا في استراتيجيات مكافحة التدخين، وهي تقدم خدماتها للجمهور من خلال توفير مجموعة متكاملة من الخدمات التوعوية والاستشارات الطبية والخدمات العلاجية التي تقدم مجانا للمدخنين من الجنسين لمساعدتهم على الإقلاع عن التدخين، حيث يجري استقبال المراجعين بمحطة الاستقبال المخصصة وتسجيل بياناتهم التي يجري التعامل معها بمنتهى السرية، ثم توجيه المدخن إلى محطة التمريض لقياس العلامات الحيوية مثل النبض والحرارة وضغط الدم، بعدها يدخل إلى واحدة من ثلاث عيادات يوجد بها أطباء متخصصون، للفحص وتقديم المشورة الطبية، ثم وصف وصرف البرنامج العلاجي المناسب وفقا لحالة كل مراجع على حدة، كما يوجد بالعيادة قسم للعلاج الجماعي «Group Therapy» ويدعم العيادة أيضا مركز اتصال يقوم بالاتصال الدوري بالمراجعين ومتابعة تطور حالتهم وتوجيههم لكيفية استكمال البرنامج العلاجي والحصول عليه.

وبهذه المناسبة صرح الدكتور على الوادعي، المشرف العام على برنامج مكافحة التدخين بوزارة الصحة، أن تأسيس هذه العيادة يأتي في إطار التوجه الاستراتيجي الجديد لبرنامج مكافحة التدخين الذي يعتمد على المبادرة بالوصول إلى المدخنين في أماكن وجودهم وعدم الاكتفاء بالعيادات الثابتة المنتشرة في كافة مناطق المملكة.

عن التحديات التي تواجه برنامج مكافحة التدخين، أشار الوادعي إلى عزوف النساء من المدخنات عن البحث عن علاج إدمان النيكوتين والتوقف عن التدخين نتيجة بعض العوامل الاجتماعية، وهو الأمر الذي تساعد العيادة المتنقلة على حله والتغلب عليه، حيث تشهد العيادة إقبالا كبيرا لا سيما بين النساء نظرا لما توفره لهن من خصوصية.

وأكد د. الوادعي على أنه على الرغم من أهمية الإرادة والعزيمة في الإقلاع عن التدخين إلا أنها لا تكفي وحدها، بل إن معظم المدخنين بحاجة إلى برامج متكاملة تقدم الدعم السلوكي والصحي والنفسي للمدخن بالإضافة إلى توافر العقارات الدوائية الحديثة الخالية من النيكوتين التي تساعد من لديهم الرغبة في الإقلاع عن التدخين، كما أكد على أهمية سن التشريعات لمنع التدخين في الأماكن العامة على الرغم من أن التطبيق الفعلي لهذه القرارات والتشريعات لم يرق بعد لمستوى الطموحات.