يعمل الكثير من البشر في الأعمال التي تتطلب السهر حتى الصباح وفي الفترات المسائية كما هو الحال في المصانع والمستشفيات والمقاهي ومدن الملاهي والحراسات ومحطات الإطفاء والنجدة وغيرها. ويؤثر العمل الليلي المنتظم، على صحة الانسان وخصوصا الأطباء والحراس الليليين.
ويعتبر العمل المسائي لا مناص منه في بعض المهن مثل الطب الا ان المضاعفات الناجمة عنه لا مناص منها ايضا. إذ يضطرب النظام الهرموني عند الرجل بقوة نتيجة المداومة على العمل المسائي وسهر الليالي بما يهدد قدراته التناسلية قبل غيرها كما تشير الى ذلك أكثر من دراسة.
وتؤكد هذا الاضطراب الهرموني عند الذكور دراسة نمساوية حديثة أجرتها شركة التأمين الصحي الرسمية AKH من فرعها الرئيسي في العاصمة فيينا. ونظرا لاختصاصها الطبي وسهولة الحصول على متطوعين فقد أجريت الدراسة على أطباء شركة التأمين نفسها خلال فترات عملهم المسائية.
أجرى الدراسة البروفسور هاينريش فير ـ هابر، استاذ جامعة فيينا في الطب الباطني، والعامل في شركة التأمين النمساوية المذكورة. وأختار فير ـ هابر للتجربة 8 أطباء متطوعين من زملائه بهدف الكشف عن تأثير خفارات العمل الليلية على التوازن الهرموني الذكري للأطباء. وجمع الأطباء ادرارهم لأغراض التحليل طوال 24 ساعة من يوم عمل مسائي (خفارة) ثم جمعوا الادرار مرة ثانية خلال عطلة نهاية الاسبوع التي تلت يوم الخفر بهدف المقارنة.
وكتب فير ـ هابر في مجلةJournal of Medicine الأميركية ان فريق العمل فحص الادرار بحثا عن محصولات استقلاب الستيروئيد ولاحظوا ارتفاعها بشكل ظاهر أثناء أداء العمل المسائي عند الأطباء الثمانية كلهم. وحرصا على دقة نتائج التجربة عمد فير ـ هابر وزملاؤه الى مقارنة نتائج التحليلات المذكورة مع تحليلات ادرار 16 ذكرا متطوعا من غير العاملين في الدفعات المسائية ومن غير الأطباء. وتؤكد النتائج مخاوف الأطباء من العمل المسائي المنتظم، لأن المقارنة بين تحليلات ادرار المجموعتين تثبت ارتفاع مستوى الكورتيكويد والاندروجين بشكل ملحوظ عند أطباء العمل الليلي.
ويرى البروفسور النمساوي ان ارتفاع الاندروجين يمكن تفسيره على أساس النشاط الاستثنائي للغدد الكظرية، وبسبب تحفيز هرمون ادرينوكورتيكوتروب ACTH في المساء. ومن المحتمل ايضا ان التحفيز المتكرر لفرز للغلوكوكورتيكوئيد، الناجم عن التوتر النفسي أثناء العمل المسائي، يؤدي الى خفض الاندروجين الذي تفرزه الغدد التناسلية والى خفض فرز التيستوستيرون ايضا كما يحدث ذلك في متلازمة كوشنغ Cushings Syndrome.
ويخطط فير ـ هابر مستقبلا لإجراء دراسات تستهدف كشف مدى تأثر الهرمونات الانثوية بالتوتر الناجم عن العمل الليلي. والمعتقد مقدما هو ان المرأة تتفوق على الرجل من ناحية الإمكانية على تبديد حالات التوتر والقلق او «إدارتها».
وسبق لدراسة نمساوية طريفة ان حاولت قبل 6 سنوات كشف قابلية الأطباء على التركيز أثناء عملهم الليلي من خلال ممارسة لعبة كومبيوترية بسيطة. وكشفت النتائج بالفعل عن ضعف في التركيز يعاني منه أطباء الخفر بسبب تكرر عملهم في المساء. واكتشفت الدراسة ايضا ان على الانسان ان يجيع الأطباء في المساء كي يقلل من حالة التعب وضعف التركيز التي يعانون منها.