مؤتمر طبي يطرح «العلاج المستهدف» لسرطان الدم المزمن

العلاج الجديد شكل ثورة في عقاقير السرطانات التي ازداد انتشارها في العالم العربي

TT

سلط مؤتمر الشرق الاوسط الثاني لامراض سرطان الدم المزمن على تقصير الدول العربية، بما فيها دول الخليج، في تخصيص الموازنات ودعم الجامعات لاجراء ابحاث علمية من شأنها ان تساهم بتخفيف تكاليف علاج هذه الامراض المستعصية حتى الآن.

وكان المؤتمر قد انعقد في بيروت بداية الشهر الحالي، بحضور نخبة من الاطباء العرب والعالميين ومنهم الدكتور هاكوب كانترجيان، اللبناني المتخصص في امراض السرطان المزمن والباحث في مركز Aderson M.D. في هيوستن الاميركية، والذي كان في عداد فريق طبي اكتشف عام 2001 «العلاج المستهدف» والذي شكل ثورة في ادوية السرطان.

وبحث المؤتمرون في جلسات العمل اسباب انتشار عدد من الامراض السرطانية في المنطقة العربية ودول الشرق الاوسط، فاشار الدكتور علي الطاهر من الجامعة الاميركية في بيروت الى ان نسبة انتشار اللوكيميا في دول المنطقة مشابهة لحالات سجلت في اميركا اللاتينية، اما سرطان الكبد، فهو منتشر جداً وربما يعود السبب الى الامراض الجرثومية التي تصيب الكبد في الدول العربية.

واشار الباحث العراقي الدكتور علي العامري الى ان نسبة اللوكيميا في العراق هي الاكبر بين الدول العربية، وفيما لم تدرس الاسباب حتى الآن، تبدو المقارنة صالحة مع الدراسات العلمية التي اجريت في اليابان على الامراض السرطانية بعد عشرة اعوام على قنبلتي هيروشيما وناكازاكي الذريتين، مضيفاً «ان الحروب المتواصلة التي شهدها العراق يمكن تشكل انطلاقة منطقية لاي دراسة علمية. فالزيادة سجلت في هذه الفترة، كما ان عمر المصابين قد تغير، مما يفرض التوجه الى «العلاج المستهدف» الذي من شأنه ان يعطل سبب الاصابة باللوكيميا وليس فقط نتائجها لدى المريض».

والمعروف ان نسبة الاصابة بسرطان الدم المزمن هي 20 في كل مليون نسمة في العالم بشكل عام واستخدام «العلاج المستهدف» يرفع فرص النجاح من 30 الى 80%. لكن ارتفاع التكاليف يحول من دون وصول هذا الدواء الى العدد الاكبر من المرضى.

وفي هذا الاطار يجمع الاطباء العرب المشاركون على ان الموازنات المحدودة هي العقبة الرئيسية امام امكانية شفاء المصابين، فالتكاليف تقارب 2800$ شهرياً، ومدة العلاج غير محددة. مما يفرض ان تتحرك الحكومات في العالم العربي للمساهمة بانشاء نواة لمراكز ابحاث قادرة على القيام بخطوات مثمرة لتأمين الادوية الفعالة وتوفير جزء من التكاليف على المرضى.

واشار د. علي الطاهر ان تكاليف العلاج مشكلة عالمية، لا تقتصر على مرضى السرطان فحسب، بل تتجاوزه الى الايدز والامراض الجرثومية والمعدية، لا سيما في الدول الفقيرة.

ودعا الدكتور هاكوب كانترجيان الى دعم المراكز البحثية واعادة النظر في مدة براءة الاختراع، التي يجب ان ينظر اليها انطلاقاً من واقع المرض وتطوره وانتشاره. كما دعا شركات الادوية للمساعدة في هذا المجال، مؤكداً وجود خلل كبير، يتحمل السياسيون واصحاب القرار مسؤوليته. لان البحث العلمي هو الاهم لافادة المريض وزيادة فرص نجاحه، والعالم العربي يشكو من نقص في المراكز المتخصصة.

وقد خصص مؤتمر الشرق الاوسط الثاني حلقاته العلمية لمرض سرطان الدم المزمن اثر التوصل الى تحديده بين انواع اللوكيميا. فقد اوضحت التجارب ان كروموزوم فيلادلفيا الذي عرض لاول مرة في مختبرات فيلادلفيا للابحاث السرطانية، يخلق انزيماً يتدخل في نظام عمل كريات الدم البيضاء، فيتسبب بنمو كبير في عددها مما يتسبب بسرطان الدم المزم ((CML ومنذ ان اصبح الكروموزوم سهل التحديد، طور الخبراء الجزئيات الاساسية التي ستمنع عمل هذا الانزيم مباشرة. ومن سلبيات الطرق السابقة، كالعلاج الكيميائي، انها تضرب كل الخلايا: الخبيثة وغير الخبيثة. كما ان عدداً من خلايا الجسم العادية وغير السرطانية تنقسم ايضاً بسرعة فتتضرر بدورها من العلاج الكيميائي.

ومن المتوقع خلال السنوات الخمس المقبلة، ان يرتفع عدد المصابين بسرطان الدم المزمن في منطقة الشرق الاوسط، لكن تبقى الارقام مجرد تقديرات، لان المنطقة لا تزال تفتقر الى الكثير من الابحاث، وخصوصاً الى التعاون على مستوى الابحاث الجارية.

ومن العام الماضي، بدأت في لبنان بعض الابحاث المتعلقة بعلم الاوبئة، وهذه السنة بدأت عدة بلاد اخرى العمل على هذا النوع من الابحاث ايضاً.

وهناك ثلاث مراحل لسرطان الدم المزمن: المرحلة المزمنة والمرحلة المتسارعة ومرحلة التفاقم. في عبورهم هذه المراحل، يعاني المرضى من تطور مرضهم، ويعيشون المزيد من الاعراض الجسدية.

اما اعراض سرطان الدم المزمن التي تستوجب استشارة الطبيب اذا اظهرت اي واحدة منها، فهي التعب المتواصل والمستمر ونقص الطاقة وخسارة الوزن (عرض غير مفسّر) والتعرق ليلاً والحمى والم او انتفاخ تحت الضلوع على الجانب الايسر. واحياناً لا ينذر سرطان الدم المزمن بأي واحدة من هذه الاعراض.

ويعمد المؤتمر الى مناقشة معلومات جديدة مع الخبراء المحليين والدوليين في مجال مرض سرطان الدم المزمن. كما يسمح لكل البلاد المشاركة ان تناقش مشاكلها مع هذا المرض على مستوى اقليمي او وطني، وايضاً حالاته المختلفة. وان تتشارك ابحاثها وتقدمها للمناقشة مما يحدد الحاجة الى اجراء ابحاث اضافية للمستقبل تكون اكثر دقة. اخيراً، سيسمح المنتدى بالتوصل الى وضع خطة عمل اقليمية.

واستعرض المؤتمرون علاجات اللوكيميا ومعدلات النجاح والاخطر فيها ابتداء من العلاج الكيميائي، الذي يعتمد على مجموعة مختلفة من الادوية المضادة للسرطان. ومنها ما تدمر خلايا السرطان بمنعها من النمو والانقسام بسرعة، وللأسف تدمر ايضاً عددا من الخلايا السليمة ايضا لا السرطانية، التي تتعرض لضرر العلاج الكيميائي.

كما ان العلاج الكيميائي بالهيدروكسيوريا الذي يعطي احياناً لمرضى سرطان الدم المزمن، يسبب تقرّح الفم والغثيان والاسهال والطفح وتغييرات في النخاع العظمي.

اما العلاج الكيميائي بالبيوسلفان فهو يسبب العقم لدى الرجال والنساء وسن اليأس المبكر ونمش في البشرة والماء الزرقاء وضيق في التنفس, كما يؤثر أحيانا في المضادات الطبيعية للفيروسات، الذي تنتجه كريات الدم البيضاء، الذي يساعد على تحسين مقاومة الجسم الطبيعية للمرض. انه احد ردود فعل الجسم الدفاعية الطبيعية على المواد «الغريبة» مثل الفيروسات، وهو معروف بتدخله في مكافحة النمو الفيروسي. وفي ما يتعلق بعملية زرع النخاع العظمي، التي غالبا ماتُؤخذ عادة من شخص آخر (وهو ما يعرف بعملية الزرع الدخيل «ألوجينييك») وحتى ينجح الزرع الدخيل هذا، يجب ان تتطابق الخلايا المأخوذة بعناية مع خلايا المريض. للاسف، فإن ايجاد متبرع قريب للمريض, او غريب عنه صعب جداً. بالاضافة الى ذلك فإن 20% من المرضى المؤهلين لزرع النخاع العظمي، قد يعانون من اثر العملية من امراض اخرى محتملة او يتوفون.

وقدم المؤتمرون «العلاج المستهدف» في حلقاتهم العلمية، موضحين ان المرضى العاجزين عن الخضوع لعملية زرع للنخاع العظمي بامكانهم الخضوع الى دواء صناعي مستخدم حالياً لعلاج المرضى المصابين بانواع معينة من اللوكيميا، لا سيما سرطان الدم المزمن وبانواع نادرة من السرطات على غرار ورم سترومال المعدي ـ معوي (جي آي إس تي). ويعمل هذا العلاج على اعاقة اشارات الخلايا السرطانية ومنع سلسلة من التفاعلات الكيميائية التي تسبب نمو الخلية وانقاسمها.

وقد ابرزت دراسة استمرت 18 شهراً، وعرضت نتائجها خلال اجتماع سنوي للجمعية الأميركية لعلم الدم (إيه إس إتش) ان «العلاج المستهدف» لديه قدرة كبيرة على القضاء على «كروموسوم فيلادلفيا» لدى مرضى سرطان الدم المزمن. واكثر من ذلك، اظهرت الدراسة ان مرضى سرطان الدم المزمن لديهم فرصة للشفاء الكامل من كروموسوم فيلادلفيا، تسعة أضعاف فرصة المرضى الذين يتلقون العلاجات الاخرى.

وتشير الارقام الرسمية وبعد خمس سنوات على العلاج، ان الباحثين وجدوا ان منحنى الحياة لهذا الدواء اعلى منه في اي دواء آخر موجود حالياً، فهو يمنح فرصة تتراوح بين 5 و15 عاماً لحياة طبيعية من دون اعراض جانبية، ويستطيع المريض خلال تناوله العلاج متابعة عمله اوالزواج والانجاب من دون اي خطر مباشر.

ـ شرح الصورة: مريضة بالسرطان