د. محمد شاوش استشاري الطب النفسي لـ الشرق الاوسط :الصراعات النفسية اللاشعورية تؤدي إلى اضطراب الجهاز العصبي

الاضطرابات النفسية تتسبب في إصابة الإنسان بأكثر من 40 مرضا عضويا

TT

يختلط المرض الجسمي بالاضطرابات النفسية في مجموعة من الأمراض التي يفوق عددها 40 مرضا، من أشهرها الربو الشعبي، تقرح القولون، والذبحة الصدرية، ارتفاع ضغط الدم، والاكزيما. ووفقا للدكتور محمد عبد الله شاوش استشاري الطب النفسي، فإن النظريات التي تشرح حدوث المرض النفسي تتمحور حول نظرية التحليل النفسي، والتي تتلخص في الصراعات النفسية اللاشعورية والتي تؤدي إلى إفراط عمل الجهاز العصبي اللاإرادي. ثم تأتي نظرية الشخصية، وكما هو معروف فإن الشخصية من نوع (أ) التي تتميز بالطموح وسباق الزمن ذات علاقة وطيدة بأمراض الشريان التاجي وارتفاع الكولسترول والدهنيات. أما النظرية الثالثة فهي نظرية السلوك المبنية على مبدأ التعلم، حيث تكون التغيرات الفسيولوجية نتاجا للسلوك الفردي. وأضاف الشاوش ان العوامل الاجتماعية تلعب دوراً كذلك، حيث وجد أن الكوارث والمصائب ومشاكل الحياة عادة ما تسبق حدوث بعض الأمراض وان هناك علاقة وطيدة بين شدة الكوارث والمدة التي تستغرقها وشدة المرض النفسي. أما النظرية الخامسة وهي النظرية الشمولية، فتعتمد على أنّ العوامل النفسية المؤثرة في وجود عوامل وراثية وجينية تؤدي إلى تغيرات عضوية، سواء هورمونية أو مناعية، وتحدث خللا في العضو المستهدف.

* أمراض واضطرابات

* وأفاد استشاري الطب النفسي، بأنه من الأمراض التي تختلط بالاضطرابات النفسية أيضاً قرحة المعدة والاثنى عشر وتقلصات فتحة البواب في المعدة والقولون العصبي وفقدان الشهية العصبي والغثيان والقيء وسرعة التنفس واضطرابات عمل القلب ومرض البول السكري وانخفاض السكر وزيادة إفراز الغدة الدرقية وحب الشباب والبهاق والسمنة وآلام الدورة الشهرية والصداع العصبي والصداع النصفي وآلام الظهر والروماتيزم والاضطرابات الجنسية. وعن طبيعة العلاقة بين الأمراض النفسية والعضوية، يرى الدكتور محمد شاوش أنها إما أسباب نفسية تؤدي إلى نشوء الأمراض العضوية أو أمراض نفسية تظهر على شكل أعراض عضوية إلى جانب المضاعفات النفسية للأمراض العضوية، كالهذيان واضطرابات الذاكرة وعته الشيخوخة والقلق والاكتئاب الناتج عن الضغوط النفسية، أو التزامن بين الأمراض النفسية والعضوية. وأيضاً المضاعفات العضوية للأمراض النفسية كمحاولات الانتحار واضطرابات الأكل وإدمان الكحول والمخدرات.

أما تأثير الأمراض العضوية وما تؤدي إليه من المضاعفات النفسية، فيمكن تلخيصها بحسب استشاري الأمراض النفسية، في عدم القدرة على التكيف مع المرض، تأثير المرض على الوضع الاجتماعي والعملي، تأثير المرض على طبيعة الحياة اليومية، تأثير المرض على الجو الاسري، تأثير المرض على المحافظة على تناول الدواء. ويعتبر القلق والاكتئاب النفسي أكثر المشاعر التي ترتبط بالأمراض العضوية وقد تتعقد المشكلة حين يحاول المريض الهروب من تلك المشاكل إلى إدمان الكحول والمخدرات.

* أعراض الأمراض النفسية

* أوضح الدكتور محمد شاوش أن الكثير من الأطباء يلاحظ وجود أعراض جسمية من دون سبب طبي واضح، وذلك في مراكز الرعاية الأولية او المستشفيات، الغالبية منها قد تمر بشكل سريع، والقليل منها يبقى وقد يكون مصحوبا بأمراض نفسية أخرى، وتسمى تلك بأمراض الجسمنة Somatization) )كما يقول العالم لبوسكيLipowski) )عام 1988، وقد شخص حوالي %38 من هذه الأمراض على أنها أمراض نفسية.

وأفاد أن من هذه الأمراض تلك المتعلقة بالجهاز التنفسي، حيث يعاني المريض من صعوبة في التنفس ناتجة عن أمراض القلب والجهاز التنفسي قد تتفاقم مع اضطرابات الحالة النفسية، لكنه أيضاً قد تظهر صعوبة التنفس لأسباب نفسية بحتة مثل سرعة التنفس الناتجة عن القلق. أما الربو فيرى العالم الكسندر Alexender))انه ناتج عن تضارب المشاعر حول الاستقلالية. ومن المعروف عن المشاعر الإنسانية مثل الخوف والغضب والفرح أنها يمكن أن تثير أو تحفز أزمة الربو في الشخص ذو القابلية. هذا ووجد أيضاً أنّ المشاكل الأسرية والنفسية لدى الأطفال المصابين بالربو الشديد تفوق أقرانهم من الأطفال الآخرين الذين يعانون من الربو البسيط. وأضاف ان العالم شفيت(Shavitt) كان تحدث عام 1992 عن وجود علاقة بين حالات الفزع ورهبة الخلاء والربو في البالغين، موضحاً أن المشاعر الإنسانية تنعكس على أداء الجهاز التنفسي والقلبي، فالضحك والبكاء مثلاً هما سلوكيات تنفسية، حيث يشعر الناس بالاختناق عندما التوتر وتتسارع أنفاسهم عند الخوف. وتابع أن نوبات الربو قد تحدث لأسباب أخرى كممارسة الجنس والعراك التنافسي الرياضي. وقد يكون الوالدان أو المدرسون أو الأصدقاء سببا في تأصيل هذه السلوكيات وذلك بإعفاء المصاب عن بعض المسؤوليات، لذلك عندما يمارس المصاب ما لا يحب يشعر بالصفير وصعوبة التنفس.

أما التعامل مع هذه المشكلة، حسب الدكتور شاوش، فيتم عبر تعليم الطفل تحمل المسؤولية، والانفصال العاطفي عن الوالدين، واستخدام الأساليب النفسية التي تعتمد على الإيحاء والجلسات النفسية والتدريب على التمارين التنفسية يزيد من الثقة في النفس ويعدل من الاستجابات الخاطئة للجهاز التنفسي. كذلك فإن العلاج السلوكي وتمارين الاسترخاء والتنويم المغناطيسي من الأساليب المعروفة في علاج هذه الحالات. كما أنّ العلاج الجماعي يعطي مجالا للمريض للتعرف على الأسباب الخفية وراء تلك السلوكيات ومن ثم كيفية التعامل معها.

أما انسداد الجهاز التنفسي المزمن فيكون مصحوبا غالبا بأعراض التوتر والاكتئاب النفسي والتوهم المرضي والأفكار الضلالية (البرانويا) وضعف الجنس وإدمان الكحول والمخدرات، لذلك فاستخدام مضادات الاكتئاب النفسي تخفف من تلك الأعراض، إضافة إلى الأساليب النفسية الأخرى. آخرون يعانون من سرعة التنفس، وهي عبارة عن عرض طبيعي ناتج عن تحفيز الجهاز العصبي المركزي، الأمر الذي ينتج عن القلق وردات الفعل والخوف. وعادة ما تكون سرعة التنفس قصيرة الأمد، إلا أنها تؤدي إلى خروج ثاني أكسيد الكربون من الجسم في شكل سريع مما يؤثر على حموضة الدم فتجعله قلويا، الأمر الذي يؤثر بدوره على الأعصاب الطرفية ويحدث رعشة وتنميلا أو تقلصا شديدا بالعضلات، كذلك فإنّ تحفيز الجهاز العصبي السمبتاوي يؤدي إلى تسارع ضربات القلب والخفقان واعتلال حركة الأمعاء والمعدة والتعرق الشديد. لذلك فإن قلة الأوكسجين الناتجة عن سرعة التنفس تسبب الإحساس بالدوخة وتغير الوعي.

* أمراض الغدد

* أكد الدكتور محمد شاوش استشاري الأمراض النفسية أن الجهاز العصبي والغدد الصماء يشتركان في لغة واحدة داخل الجسم البشري، إذ أن جهاز الهيبوتلمس (ما تحت السرير البصري) (Hypothalamus) في المخ ذو علاقة بالنظامين، إضافة إلى وظائفه الأخرى كالتحكم في الحرارة والنوم والأكل والشرب والجنس والعدوانية، كما يرتبط بجهاز خاص بالانفعالات والمشاعر. أما اضطرابات إفراز الغدد فتؤدي إلى العديد من الأعراض النفسية والسلوكية، وقد وصف العالم بلولر(Blulr) عام 1954، متلازمة الاضطراب النفسي الناتج عن اضطراب الغدد الذي يتميز بالمزاجية والقلق وعدم الاستقرار والتصرفات الطفولية والأعراض الجسمية وأعراض أخرى ذات علاقة بالغدد، كالعجز الجنسي والخمول العام، كما أثبتت الدراسات الحديثة أن اضطرابات الغدد يمكن أن تؤدي إلى تغيير في أنماط الشخصية والسلوك وعدم القدرة على التأقلم. أما العلامات التي قد تظهر متأخرة فتشمل الطرق غير السوية للاستجابات المرضية كعدم الالتزام بالعلاج أو الأفكار المرضية أو الاعتمادية النكوصية.

وبين أنه قد تظهر بعض الأعراض ذات العلاقة بالاضطرابات المعرفية كالهذيان والخرف وأمراض الذاكرة، وكذلك الأعراض الذهانية كالهلاوس البصرية والسمعية واضطرابات النوم. ومن هذه الاضطرابات ما يعرف بـالاكرومقالي Acromegaly))، وهو عبارة عن إفراط في إفراز هرمون النمو في المراحل الأولى والمتوسطة من العمر. حيث بالإضافة إلى أعراضه المرضية فإنه يظهر بأعراض نفسية، حيث يؤثر على المزاج والذاكرة ويصيب بعض المرضى بنوع من البلادة.

وبين أن خلل إفراز الغدة النخامية الكلي Panbypopituitarism) ) فيؤدي إلى الشعور بالإعياء والتعب وفقدان الرغبة الجنسية وضعف الذاكرة، كما يصحب القلق والاكتئاب النفسي بعض الحالات، وقد تظهر بعض الأعراض الذهانية. فيما مرض كوشنج Cushing Syrdromc)) فقد يكون بسبب مرضي أو سبب طبي ويزيد فيه إفراز وهرمون الكورتيزول ويصحب إفراز الهرمون زيادة الوزن واستدارة الوجه ووجود كتل في الظهر وانتشار الشعر وخطوط وردية في الجسم وضعف العضلات وقد يكون مصحوبا بارتفاع السكر وضغط الدم وضعف الجنس واضطرابات الدورة الشهرية، وكثيرا ما يكون مصحوبا بالاكتئاب النفسي واضطراب المشاعر والتوهم المرضي. وقد يظهر الاكتئاب الذهاني مع بعض المحاولات الانتحارية. ونادرا يظهر على شكل لوثة مرح أو هوس أو حالة برانويا أو هذيان.

ويواصل الدكتور شاوش فيقول: «هناك أيضاً مرض أديسون (Addison"s Diseasec) وهو ناتج عن قلة إفراز الكورتيزول والالدوستيرون Aldostronc) ) بسبب تدمير قشرة الغدة الكظرية. ويظهر بضعف الشهية والغثيان أو القيء وفقدان الوزن مع آلام في البطن والظهر وانخفاض الضغط وظهور لون داكن في بعض أجزاء الجسم المكشوفة، أما الأعراض النفسية المصاحبة فتتمثل في الخمول والوهن وفقدان المشاعر والاضطراب المعرفي البسيط وفقر الأفكار وفقدان روح المبادرة، وتظهر هذه الأعراض في ثلثي المرضى، كما يظهر الاكتئاب في %45 من المرضى».

* أمراض الغدة الدرقية

* وتطرق الدكتور شاوش إلى أمراض الغدة الدرقية، وقال «في غالب الحالات تكون أمراض الغدة الدرقية مصحوبة بأعراض نفسية واضحة، والغالب في المزاج هو التوتر والقلق في زيادة الإفراز، إضافة إلى اضطرابات النوم والميل إلى العصبية وسرعة الاستثارة، كما تصيب التركيز والذاكرة مع ظهور أعراض جسمية كالرعشة وخفقان القلب والميل إلى الأجواء الباردة. أما قلة إفراز الغدة الدرقية فغالبا ما تكون مصحوبة بالاكتئاب النفسي وأعراضه الجسمية تتمثل في تساقط الشعر وخشونة الجلد ووجود تكتلات تحت العين وخشونة الصوت واضطراب الدورة الشهرية. فيما الأعراض النفسية تظهر على شكل اضطراب الذاكرة والتركيز وتكون شديدة لدرجة أنها تشابه الخرف، كما قد تظهر بعض الأعراض الذهانية كحالات البارانويا المشابهة للفصام، وقد وصف العالم آشر Asher) ) عام 1949، ما يعرف بذهان الميكسوديما ((Myxoedema madness) ) والذي تظهر فيه الضلالات والهلاوس في ثلث المرضى تقريباً.