استئصال أورام الدماغ بالجراحة المجهرية الدقيقة

البروفيسور سامي حسين: يمكن إطالة عمر المرضى من 6 أشهر إلى عدة سنوات بعد عمليات المخ * المستقبل الجديد لمعالجة أورام الدماغ هو للعلاج البيولوجي والجيني * يمكن استخدام الجراحة لمعالجة مرض الزهايمر وباركنسون

TT

عرض مؤتمر اتحاد الأطباء العرب في أوروبا الذي عقد أخيرا في هانوفر عدة دراسات، والدراسة التي شدت الحضور كانت محاضرة البروفيسور سامي حسين (فلسطين) الذي يعتبر من اهم واشهر جراحي الجملة العصبية في المانيا، يترأس البروفيسور حسين قسم جراحة الجملة العصبية في المستشفى التابع لجامعة هانوفر كما يحاضر في كلية الطب التابعة للجامعة. وركزت المحاضرة على جراحة الاورام السرطانية الدماغية الخبيثة وخصوصا البلاستوم البدينية والاورام الدماغية الداخلية التي تشكل عادة %50 من الحالات. وتعتبر الأورام الدماغية من اخطر الامراض السرطانية كما تعتبر عمليات استئصالها من اعقد العمليات وخصوصا حينما تكون في اماكن عميقة يتعذر الوصول اليها، ولخص البروفيسور حسين مقومات ومعوقات اجراء العملية الدماغية موضحا ان بعض الاورام السرطانية تتطلب تدخل الجراحة المكروسكوبية وغيرها بفتحة لا تتعدى 1.5 ملم.

ان قرار اجراء العملية يتوقف على: 1 ـ موقع وحجم الورم (على اليمين او اليسار او الوسط، قاعدي وفي العقد... الخ). 2 ـ وضع المريض الصحي والنفسي (الاضطرابات العصبية والفسيولوجية، تحمله للتخدير، تثقيف وتنوير اهله بالعملية واحتمالاتها .. الخ). 3 ـ نوع الجراحة المطلوبة (مايكرو او ماكرو، المعرفة التشريحية بثلاثة ابعاد، احتمالات النجاح، طريقة الوصول الى الورم... الخ).

وحقق البرفيسور حسين نجاحات باهرة في استئصال امراض سرطانية تعتبر عمليات مستحيلة بمنطق جراحة الجملة العصبية ونجحت هذه العمليات في اطالة اعمار المرضى بين 6 اشهر وعدة سنوات. كما نجحت عملياته التي يطلق عليها اسم العمليات الجزيئية Molecularsurgery نجاحات مهمة حيث تم تقليص حجم بعض الاورام بنسبة %100. واكد البرفيسور في نهاية محاضرته ان قرار العملية لا يتخذ ابدا ما لم يتم التأكد اولا من انها ستؤدي الى تحسين حياة المريض نوعيا. وفي هذا المجال التقت «الشرق الاوسط» البروفيسور حسين وكان لنا معه الحديث التالي:

* بروفيسور سامي، فخر لنا جميعا ان تحقق هذه المسيرة الطبية الرائعة، وان تكسب مثل هذه السمعة العلمية وان تصبح بروفيسورا وانت في الثلاثين؟ كيف كانت مسيرتك من فلسطين الى احد اهم المواقع العلمية الالمانية؟

ـ ولدت لعائلة فلاحية لها 9 ابناء من شمال فلسطين، ويعيش المرء هناك تجربة ان يحمل الجنسية الاسرائيلية دون ان يمتلك حقوقه في الدراسة ومواصلة التعلم بعد الثانوية وغالبا ما تكون مواصلة التعليم العالي مرتبطة بشروط اعتبرها غير مشرفة. لا اقصد ان كل من يتعلم هناك ليس شريفا لكن الصمت والسكوت وعدم الظهور مفروضة على الطلبة كشروط. واختصر المسألة بالقول ان هذه الشروط لم تتوفر فيَّ وكانت عيون السلطات الاسرائيلية مفتوحة عليَّ فتوجهت الى المانيا حيث لدي اثنان من اخوتي سبق لهما دراسة الهندسة والطب في هانوفر ولم تتوفر امامهما فرص العودة الى الوطن، انا درست في هانوفر ونلت شهادة الدكتوراه في وقت مبكر وعدت الى الوطن بشوق الا ان ابواب العمل والتواصل لم تتوفر امامي رغم بحثي الشديد عن موقع عمل.

عدت الى المانيا وتخصصت بالتشريح وصرت القي المحاضرات في الجامعة كما نشرت عدة دراسات جيدة في مجلات علمية وطبية مهمة. توجهت بعدها الى جراحة الجملة العصبية وحققت تقدما سريعا فيها، ابحاث جديدة، عمليات دقيقة في الشرايين والدماغ وما يسمى بالجراحة العصبية الوظيفية ومحاضرات في كافة انحاء العالم. واشتهرت من خلال اجراء العمليات الميكروسكوبية والعمليات المعقدة التي كانت تعتبر شبه مستحيلة في جراحة الدماغ والشرايين، هذا اضافة الى عمليات الحبل الشوكي والعمود الفقري المعقدة فاصبحت استاذا وعمري 33 عاما.

* بعد كل هذه التجربة في جراحة الدماغ واستئصال الاورام السرطانية هل تعتقد ان المستقبل للجراحة في معالجة اورام الدماغ أم للطرق الاخرى مثل العلاج الكيماوي والحراري والشعاعي.. الخ.

ـ اعتقد ان لكل الطرق مستقبلها وخصوصا الجراحة الميكروسكوبية والعلاج الدقيق بالاشعة فلكل طريقة سلبياتها وايجابياتها التي تعتمد على نوع الورم وحجمه وموقعه، وطبيعي فان العلاج بالاشعة يكمل العلاج الجراحي احيانا لكنه ليس بديلا له. المستقبل الجديد والواعد هو العلاج البيولوجي والجيني الدقيق ونحن نجري تجاربنا الان على موديلات (الجراحة البيضاء) ونحاول ان نجردها بالتدريج من عوائقها «الاخلاقية» كي نطبقها على الانسان، واعتقد ان العلاج البيولوجي الجيني سيكسر الحاجز بين علاج الاورام الخبيثة وغير الخبيثة لان امكانية التدخل الجراحي في علاج الاورام الخبيثة محدودة.

* هل ينفع التدخل الجراحي في علاج حالات الباركنسون والزهايمر؟

ـ التدخل الجراحي لعلاج الامراض المستعصية موجود وامارسه في هانوفر خصوصا في الزهايمر، الباركنسون هو عبارة عن تآكل الخلايا التي تصنع الدوبامين ويمكننا في هذه الحالة زرع خلايا جنينية غير متطورة في مراكز دماغية معينة وهي نوع من الجراحة التي نسميها الجراحة المجسمة التي لا تتطلب مهارة جراحية عالية. العمل الاساسي يجري قبل العملية، بمعنى تحضير الخلايا وتهيئة المريض.. الخ. كما يمكننا زرع اقطاب معينة في المراكز المخية وارسال شحنات كهربائية تؤدي الى تقليل شدة اعراض الباركنسون مثل الرجفة.

* ذكرت في محاضراتك انك تجري عمليات جراحية معقدة في الدماغ من اجل تطويل حياة المريض لفترة ستة اشهر، هل تستدعي الاشهر الستة كل هذا الجهد؟

ـ ان مبرر اجراء هذه العمليات هو مبرر اخلاقي بحت ونحن لا نجريها الا بعد موافقة المريض واهله وبعد التأكد من انه سيعيش حياة افضل واقل ألما. ستة اشهر بالنسبة لبعض الناس طويلة جدا ويعتقدون انه قد يتوصل الطب الى علاج ما خلال هذه الفترة او ان حياتهم قد تطول الى فترة سنوات. يحتاج البعض الى 6 اشهر ليرتب حياة عائلته وتحتاج امرأة ستة اشهر كي تعيشها مع وليدها الجديد كمثل.

* ما هو موقف شركات التأمين الصحي؟

ـ موقفها لحد الان جيد وتتحمل نفقات العمليات رغم كل شيء. لاحظ ان المشكلة هي مشكلة بين مريض وطبيب ومريض واهله وليست بين مريض وشركة تأمين صحي. ان هدف العملية هو اطالة الحياة ولا يمكن لشركات التأمين ان تعترض بسهولة، ونحن نجري هذه العمليات لهذا الهدف وليس بغية تحقيق النجاحات.

* ما هي امكانية معالجة المرضى العرب في عيادتكم؟

ـ نحن نستقبل حاليا الكثير من الفلسطينيين وبمعدل 50 مريضا في السنة اضافة الى بعض المرضى من البلدان العربية الاخرى. والقضية صعبة بسبب عوائق الفيزا اولا وبسبب الوضع الاجتماعي في بلداننا ثانيا، ان مجتمعنا لا يتقبل ارسال المصاب بسرطان في الدماغ الى الخارج لاطالة حياته فترة 6 اشهر ربما لا تكفيه للعودة الى بلده والموت بين اهله، هذا ما يخص الامراض الخبيثة التي لا مجال حاليا لانقاذ حياة المريض منها. اما الامراض المستعصية والمزمنة فيمكن علاجها لدينا والكلفة لدينا اقل بكثير من الكلفة في بقية اوروبا والولايات المتحدة. انا شخصيا اقدم خدماتي مجانا ويحاسب المستشفى المريض حسب الايام التي يقضيها في المستشفى.