سياسيون حول الملك عبد العزيز.. حلقات متصلة من دروس السياسة والدبلوماسية

امتدت خدمة بعض المستشارين إلى ما بعد عهد الملك المؤسس.. وتولى بعضهم وظائف إدارية في الداخل أو دبلوماسية في الخارج

الملك عبد العزيز
TT

* الدولة السعودية المعاصرة عاشت منذ عام 1902 ثلاثة عقود تخللتها مناورات سياسية ومخاضات اجتماعية.. تعد بمثابة فترة تحضيرية لتأسيس الكيان الجديد

* كان أول مرتكزات التنمية السياسية وأدواتها التي وظفها الملك عبد العزيز في حكمه اصطفاء الكفاءات البشرية ذات الخبرة والثقافة وأرباب القلم في الثالث والعشرين من سبتمبر (الأول من برج الميزان) من كل عام، تمر ذكرى اليوم الوطني للمملكة العربية السعودية، التي أعلن عن توحيدها عام 1932م. وبهذا يكون قد مر، هذا العام، على توحيدها 83 عاما هجريا (81 عاما ميلاديا)، ومضى على وفاة مؤسسها (الملك عبد العزيز) 60 عاما ميلاديا.

وكان قد جرى تحديد اليوم الوطني ضمن البيان الذي صدر عن القصر الملكي بالرياض معلنا تحويل المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها إلى اسم المملكة العربية السعودية، واختيار يوم الأول من الميزان سنويا يوما لإعلان توحيد البلاد، وربما كان ملمح اختيار الموعد (الأول من برج الميزان الموافق للثالث والعشرين من سبتمبر) بدلا من الهجري، يعود إلى ثباته في التقويم، وبالتالي إلى سهولة معرفة الدول والسفارات به في الداخل والخارج للاحتفال به جريا على الأعراف الدبلوماسية. وتهدف هذه المشاركة إلى التعريف بأبرز السياسيين الرواد الذين عاصروا قيام الدولة وتأسيسها وعملوا في عهد الملك عبد العزيز، ولم تدون سير بعضهم ولا توجد معلومات كافية عن حياتهم، وعن دورهم في العمل السياسي والدبلوماسي. كانت الدولة المعاصرة التي تشكل مساحتها معظم شبه الجزيرة العربية، قد عاشت قبل ذلك التاريخ، ومنذ عام 1902م، ثلاثة عقود تخللتها تحركات عسكرية ومناورات سياسية ومخاضات اجتماعية، تعد بمثابة فترة تحضيرية لتأسيس الكيان الجديد، كما كانت الإمارة السعودية في قلب الجزيرة (الدرعية) قد مرت قبل ذلك بمرحلتين سابقتين أطلق عليهما عرفا الدولة الأولى والدولة الثانية، دامت كل واحدة منهما نحو سبعين عاما، ووصلت حدودها غربا إلى الحجاز، وجنوبا إلى أطراف حضرموت، وشرقا إلى ساحل عمان، وشمالا إلى نواحي بلاد الشام والعراق، وقد انتهت الدولة الأولى بغزوٍ تركي بينما تفككت الثانية بعوامل داخلية وخارجية.

إن مصطلح العمل السياسي هو تعبير يشمل (ضمن ما يشمل) الاشتغال بالعلاقات الخارجية الرسمية مع الدول من خلال القنوات الدبلوماسية، ويتضمن ذلك العمل في الديوان الملكي والشعبة السياسية ومجلس المستشارين ووزارة الخارجية، وفي السفارات والمفوضيات والقنصليات والممثليات والمندوبيات السعودية في الخارج، كما يشمل المبعوثين والوكلاء ووفود المفاوضات السياسية لاتفاقيات الحدود وحسن الجوار والمصالح المشتركة وتبادل الاعتراف والتمثيل الدبلوماسي.

أما بالنسبة للإطار الزمني للموضوع، فيقتصر على عهد الملك عبد العزيز، الذي استمر (كما سلف) 53 عاما منذ استعادة العاصمة الرياض عام 1902م، ويشمل المرحلة المبكرة لتوحيد أقاليم البلاد انتهاءً بانضمام الحجاز سنة 1925م، كما يشمل فترة تكوين المؤسسات الدستورية الثلاث؛ التشريعية والتنفيذية والقضائية، وحقبة الاستقرار السياسي، بعد إطلاق اسم المملكة العربية السعودية سنة 1932م، وحتى وفاته عام 1953م.

ومن المعروف أن الألقاب السياسية التي حملها المؤسس بدأت بلقب الإمام، وعندما تم له توحيد بعض أنحاء نجد صار لقبه والي أو أمير نجد ورئيس عشائرها، وبعد مؤتمر الرياض الذي انعقد عام 1921م، صار يُطلق عليه لقب سلطان نجد وملحقاتها، وفي عام 1925م بايعه أهل الحجاز ملكا، فأصبح لقبه ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، ثم تطور اللقب بعد نحو عامين، إلى ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، وذلك عندما بايعه أهل نجد ملكا، واستقر لقبه فيما بعد ملك المملكة العربية السعودية بعد إعلان توحيدها (1932م).

ومن بين كثير من الأسماء التي لا يتسع المقام للحديث عنها، جرى اصطفاء نخبة من الشخصيات من سائر أنحاء السعودية والوطن العربي التي عملت معه في المجال السياسي، تختلف بتنوع الوظائف والمسؤوليات والمواقع التي تقلدوها في الداخل والخارج، ومنهم موظفو الديوان الملكي - بمن فيهم منسوبو الشعبة السياسية ومجلس المستشارين - ومنسوبو ديوان وزارة الخارجية والسفراء والقناصل والوزراء المفوضون والمعتمدون والمندوبون والوكلاء والمبعوثون.. إلخ. وفي حين استبعدت هذه الورقة الحديث عن مجلس الشورى القديم ورجالاته ومجلس الوكلاء وأعضائه، واستبعدت رجالا كان لهم دور إداري أو مالي بارز في مرحلة تأسيس الدولة (مثل ابن سليمان وشلهوب)، لأن تأثيرهم في المجال السياسي لا ينسجم مع المقصود بالعنوان، واستبعدت آخرين ظهروا في البداية على المشهد الإداري (مثل رشاد فرعون) ثم التحقوا بعد انتهاء عهد الملك عبد العزيز بالعمل السياسي، فإنها كذلك استبعدت المترجمين والإعلاميين (من أمثال عبد الله بلخير وعلي النفيسي وأحمد عبد الجبار) وأسماء رجال (مثل فيلبي ومحمد أسد والريحاني)، كانوا في أثناء عهد المؤسس قريبين من صنع القرار السياسي لكنهم لم يسجلوا رسميا ضمن الطاقم السياسي نفسه.

كان أول مرتكزات التنمية السياسية وأدواتها التي وظفها الملك توظيفا ماهرا في حكمه، هي اصطفاء الكفاءات البشرية ذات الخبرة والثقافة وأرباب القلم من أبناء أسرته، ومن رجالات قومه، في كل إقليم يضمه تباعا تحت لوائه، ومن أبناء الأسر السعودية المهاجرة، فأشركهم في ديوانه وفي الإدارة وفي البعثات الدبلوماسية وفي التعليم والإعلام والتوعية الدينية، وفي مجلس الشورى، فشخصيات مثل الأمير أحمد الثنيان وعبد الله السليمان وعبد الله الفضل وإبراهيم المعمر وهاشم الرفاعي وعبد العزيز العتيقي ورشيد بن ليلى وعبد العزيز بن زيد وطاهر الدباغ والطيب الهزازي وفوزان السابق ومحمد المانع (المترجم) وعبد العزيز وعبد الرحمن القصيبي وعبد العزيز الصقير وعبد الله علي رضا وصالح العذل وعبد اللطيف المنديل وغيرهم، كانوا ممن تعلم في مصر أو العراق أو تركيا أو الهند، يدنيهم للعمل في ديوانه أو يضمهم إلى حلقة مستشاريه، أو يبعثهم رسلا له أو يستبقيهم وكلاء له في الخارج، أو يعينهم مفوضين وسفراء أو أمراء للمناطق.

لقد استطاع بحذق، أن يوجد البيئة الاجتماعية الصالحة والمناخ الملائم لتنفيذ مشروعه الإصلاحي، ولغرس بذور التنمية السياسية المتطورة، فهو قبل أن يهتم بالغرس والزراعة أوجد التربة والمناخ، تمثل ذلك في تثبيت الأساس الديني للدولة الجديدة، وصهر الفوارق الإقليمية، وتكريس الوحدة الوطنية، وتوطين البادية، وإقامة دولة الأمن، والقضاء على الفتن، وتآخي القبائل المتناحرة، ونجح بتفوق فيما سبق لتوافر عناصر القيادة في شخصيته، ولمعرفته العميقة بشرائح المجتمع وطوائفه وباديته وفئاته، ولأنه تعلم دروس التاريخ من معايشة واقع الهجرة والشتات في مقتبل عمره.

أما الركيزة الثانية في عملية التنمية السياسية، فاتضحت معالمها بعيد انفتاح البوابة الشرقية (الأحساء والقطيف والجبيل والعقير) ثم البوابتين الغربية والجنوبية (الحجاز وعسير) وتمثلت في تشكيل نواة متكاملة المقومات للديوان السلطاني، حولت العمل من الأساليب التقليدية في الاتصالات الإدارية إلى نماذج حديثة تتماشى مع واقع الانفتاح على العالم السياسي الجديد للتخاطب مع بريطانيا وتركيا وغيرهما، مع المحافظة في الوقت نفسه على تقاليد الملك في فتح الباب وفي التعبير والمخاطبات والفكر السياسي.

استقطب من أجل ذلك عناصر ساعدت في هذا التحديث من ذوي الحصيلة المعرفية واللغات والخبرة السياسية، ممن كانوا على معرفة به أثناء مكوثه في الكويت، أو ممن كانوا يعملون مع الأتراك في إدارة إقليمي الأحساء والقطيف، أو ممن كانت لهم خبرة في المملكة الهاشمية في الحجاز، وكان من ثمار تكوين الديوان السلطاني تأسيس «المختبر» السياسي المنظم الذي كانت الشعبة السياسية ومجلس المستشارين وديوان البرقيات أبرز أعمدته وخرج العشرات من كبار السياسيين.

تأسست الشعبة السياسية في الديوان الملكي في أواخر العشرينات وليدة الحاجة إلى جهاز يساعد في التعامل مع بحر من الوثائق والمراسلات والاتفاقيات، وصارت بمثابة «وزارة خارجية» مصغرة متنقلة معه، تقدم الإسناد الإداري والفني والفهرسة لمجلس المستشارين، ثم قامت إلى جانبها فيما بعد وحدة لمتابعة الأخبار ورصد ما ينشر في الصحف الخارجية وتلقي ما يرد من تقارير إعلامية.

وكان مجلس المستشارين، وهو أحد ابتكاراته الإدارية، مجلسا حقيقيا يضم كل من اكتسب هذه الصفة ممن استقطبهم من نخبة من السعوديين والعراقيين والليبيين والمصريين والسوريين والفلسطينيين واللبنانيين، ومنهم على سبيل المثال: الأمير عبد الله بن عبد الرحمن والأمير أحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي وإبراهيم المعمر وخالد السديري وحمزة غوث ويوسف ياسين وحافظ وهبة ورشدي ملحس وفؤاد حمزة وخالد الحكيم وخالد القرقني ورشيد عالي الكيلاني وبشير السعداوي وغيرهم، وكان الملك يلتقيهم مرتين يوميا، وربما زارهم في مجلسهم المجاور لمجلسه يستشيرهم ويناقشهم ثم يقرر ما يراه، وقد لازمه هذا المجلس طيلة فترة حكمه.

تشكيل السلطات الدستورية كانت الأمور الإدارية تسير ببدايات بسيطة، ثم بدأ التنظيم الحديث لمكتب الملك وما يحيط به - مثل التشريفات - يتبلور بعد انضمام الحجاز مستفيدا من تنظيمات سابقة في مكة المكرمة، ومتزامنا مع البدء بتشكيل السلطات الدستورية الثلاث (القضائية والتنظيمية والتنفيذية) وكان اسم ديوان الملك يتغير تبعا لألقابه السياسية، فاكتسب في البداية اسم «الديوان السلطاني»، عندما كان عبد العزيز سلطان نجد وملك الحجاز، ثم تغير اسمه إلى الديوان الملكي بعد أن أصبح لقبه ملك الحجاز ونجد وملحقاتها، ولعل أول من تولى المسؤولية فيه هو الطيب الهزازي عام 1925م، وقد نشرت جريدة «أم القرى» (العدد 87 في أغسطس «آب» 1926م) خبرا يفيد بمغادرته بوصفه «رئيس الديوان الملكي» للعلاج في مصر، وتكليف إبراهيم المعمّر بالعمل مكانه، وقد انضم الهزازي بعد تعافيه إلى عضوية مجلس الشورى عام 1930م، وتوفي عام 1934م.

أما إبراهيم المعمر الذي نفصل في سيرته نموذجا لبواكير الساسة السعوديين، فهو من مواليد الكويت في حدود عام 1878م، ثم سافر إلى الهند لدراسة الإنجليزية والأردية والفارسية ولممارسة التجارة، كما تردد على أوروبا وبعض الدول العربية والآسيوية والأفريقية، وهو أمر تميز به المعمر على بعض أقرانه في زمنه، ثم استقر في مصر بضع سنوات عاد بعدها إلى الرياض (1926م) حيث دخل في الخدمة العامة، وقد توفي مستشفيا في بيروت عام 1958م، عن عمر يناهز الثمانين.

وكان المعمر أديبا وشاعرا كتب في جريدة «المقطم» المصرية، ومن أبرز ما عرف من كتاباته في الصحف السعودية مقالان نشرهما عام 1926م، في جريدة «أم القرى»، واصفا الرحلة الأولى للملك عبد العزيز من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، كما نشر أبياتا شعرية وصف فيها تلك الرحلة في الجريدة نفسها، ومن يقرأ في رسائل المعمر وكتاباته يلحظ أنه كان يغرف من خبرة واسعة بأحوال الجزيرة العربية ومن معرفة بمجتمعها وأهله، وأنه كان ذا أسلوب حديث لا تظهر فيه الجمل الكلاسيكية المألوفة في مراسلات زمنه، مما يدل على عصرية ثقافته وانفتاح فكره، حتى لكأنها كُتبت في هذه الأيام.

ذكر فيلبي الذي التقى به في زيارته الأولى للجزيرة العربية عام 1917م أن للمعمر إلماما بالمعارف الغربية، وأنه التحق بالعمل السياسي منذ سنوات، مما يرجح أنه (أي المعمر) قد بدأ في حدود عام 1912م أو 1913م، ويفهم من الوثائق المتوافرة السعودية والعربية والأجنبية، أنه قد انضم إلى فريق المستشارين السياسيين الأوائل حول الملك عبد العزيز من جيل الأمير أحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، ولمحت بعض تلك الوثائق إلى أنه كان سكرتيرا بالديوان الملكي مكلفا بملف الاستخبارات السياسية الخارجية، وأنه قام برحلات إلى أوروبا وبعض البلاد العربية مبعوثا من الملك عبد العزيز، إلا أنه لا تتوافر معلومات كافية عن المهام التي كلف بها والجهات التي اتصل بها، لكنه استقر في نهاية المطاف في مصر ليكمل الدور الإعلامي الذي قامت به شخصيات عربية من أمثال الشيخ محمد رشيد رضا وأمين سعيد في توضيح حقيقة أهداف الحكم السعودي الجديد في الحجاز (1925م) والرد على الدعايات المناهضة له، ولو تم الاطلاع على ما كان كتبه في صحافة مصر وتحليل مضامينها لربما وضحت الصورة الذهنية القاصرة حتى الآن عن شخصيته وسيرت.

كتب المعمر في أعقاب دخول الحجاز في الحكم السعودي عام 1925م رسائل إلى الملك عبد العزيز وإلى والده الإمام عبد الرحمن، يهنئهما فيها باكتمال توحيد أجزاء البلاد، وكان يزودهما بالجديد من الكتب والمطبوعات العربية، وكان حينما رجع من مصر استمر في عمله سكرتيرا مقربا من الملك عبد العزيز قبل تعيينه رئيسا لديوانه، وذلك بدليل ما نسبه إليه الصحافي الألماني ولفغانغ فون، الذي زار المملكة عام 1927م.

أما الجزء الأهم في مسيرته، فبدأ بعد عام 1926م بعد تثبيته رئيسا للديوان الملكي، ويذكر له في تلك الفترة مرافقته للأمير فيصل في رحلته الثانية إلى أوروبا عام 1926م التي انضم إليها كل من عبد الله الدملوجي (مدير الشؤون الخارجية حينئذٍ) وعبد الله الفضل (التاجر آنذاك) وعبد الله موصلي (قائد شرطة جدة) كما يذكر للمعمر في تلك المرحلة - موفدا من قبل الملك عبد العزيز - اجتماعه في الكويت بوزير الخارجية العراقي ناجي شوكت، للتمهيد لعقد المؤتمر الذي التأم على الطراد البحري (لوبين) عام 1930م، بين الملك عبد العزيز والملك فيصل بن الحسين ملك العراق، بمشاركة المندوب السامي البريطاني، وأسفر عن توقيع اتفاقية صداقة وحسن جوار بين البلدين (أبريل «نيسان» 1931م).

وكان المعمر قد حضر المعركة الحربية الفاصلة (السبلة) التي وقعت مع «الإخوان» عام 1928م، وذكر محمد المانع في كتابه: «توحيد المملكة العربية السعودية» أن المعمر رأس مفرزة الرشاشات والمدافع التي كان لها دور حاسم في المعركة، وتذكر بعض المراجع أن الملك عبد العزيز قد كلف المعمر بمهمة إحضار فيصل الدويش شيخ مطير ومرافقته عندما أعاده الإنجليز على متن طائرة أنزلته في «خباري وضحى» قرب الكويت، حيث مخيم الملك عام 1929م، وقد انتهت هذه المرحلة بتعيين المعمر وزيرا مفوضا للسعودية لدى العراق (يونيو «حزيران» 1933م)، بعد فترة وجيزة من افتتاح المفوضية، وقد أشرف المعمر خلال عمله في بغداد على تنظيم الزيارة الأولى التي قام بها ولي العهد الأمير سعود عام 1936م، ويذكر له في تلك الفترة تفكيره في عدم مناسبة تنكيس العلم السعودي على هامش الحداد العام على وفاة ملك العراق فيصل الأول عام 1933م، وهو تقليد تبنته الحكومة السعودية بعد ذلك التاريخ احتراما لكلمة التوحيد التي يحملها العلم، وقد أدى احتجاج الإنجليز على ترويج المعمر لزعامة الملك عبد العزيز في الجزيرة العربية، وعلى صلاته القوية مع رؤساء العشائر، إلى نقله من بغداد بعد خمس سنوات من العمل الدبلوماسي، وتعيينه قائمقام جدة (1937م)، وهو منصب معروف منذ الحكم العثماني في الحجاز، وخلال توليه عمله هذا كلف حينا بعمل وكيل وزارة الخارجية (بالنيابة عن فؤاد حمزة الذي تغيب لأسباب صحية في 3 مارس 1938م)، وورد في الوثائق البريطانية والفرنسية مخاطبات بتوقيعه، ومنها خطابه الموجه بتاريخ 17 أبريل 1938م، إلى السفير الفرنسي بجدة، يعبر فيه عن شكر وزير الخارجية (الأمير فيصل) بمناسبة وصول طائرة فرنسية مهداة إلى الملك عبد العزيز، وكان من المهام التي قام بها ترتيب زيارة ملك أفغانستان محمد ظاهر شاه إلى السعودية عام 1949م.

خلف المعمر في رئاسة الديوان الملكي في حدود عام 1932م عبد الله بن عبد العزيز بن عثمان، وهو من أسر الرياض المعروفة، وكان رجلا خفيض الجناح والأضواء، عرف بالهدوء ورجاحة العقل والتصرف والكفاية الإدارية، وارتبط اسمه بالديوان الملكي حتى قبيل نهاية عهد الملك سعود.

«ابن عثمان»، كما كان يُعرف، هو من مواليد الكويت عام 1908م تقريبا، وقد عاش طفولته بين الكويت ونجد، واصطحبه والده إلى حائل في حدود عام 1921م، ثم عاد الابن إلى الكويت ومارس مهنة الغوص لاستخراج اللؤلؤ، لكنه واصل تعليمه الحديث على غرار ما فعله عدد من أبناء نجد الذين نزحوا إلى بلدان الخليج والعراق والهند لطلب العلم أو التجارة أو لكليهما، كما امتاز بجمال الخط وحسن تنظيم الأوراق والأضابير، فكان في مقدمة من نالوا قسطا وافرا من التعليم الحديث - المفقود في نجد آنذاك - الذين اختارهم ممثلو الملك عبد العزيز في البحرين والكويت وجنوب العراق والهند وبلاد الشام للعمل في مكتبه، وقد ورد اسم ابن عثمان مرارا في الكتب التي تناولت سيرة الملك عبد العزيز وتوحيد المملكة والتشكيلات الإدارية للدولة والديوان الملكي بخاصة، ويمكن تتبّع نماذج من آثاره الإدارية والتنظيمية من خلال الوثائق والمراسلات والمعاملات والمخطوطات المحفوظة في مركز الوثائق والمعلومات وفي الشعبة السياسية في الديوان الملكي ودارة الملك عبد العزيز ومعهد الإدارة العامة بالرياض، التي تظهر عليها توقيعاته وبصماته، وكان من قدامى رجالات الدولة كاتمي الأسرار الذين رحلوا والمعلومات مكنونة في صدورهم، وتوفي في مستشفى الملك فيصل التخصصي بالرياض في شهر ديسمبر عام 1987م عن ثمانين عاما.

دور سياسي فاعل ومن الشخصيات البارزة التي كان لها باع في العمل الإداري الممتزج بالعمل السياسي، محمد بن عبد العزيز بن دغيثر من الأسرة المعروفة في الرياض، درس فترة في الزبير، ثم قدم إلى الرياض بواسطة وكيل الملك عبد العزيز في الكويت عبد الله النفيسي، فعين في الديوان الملكي عام 1926م. وفي عام 1928م تولى الإشراف على أجهزة البرق والاتصالات بالديوان الملكي، فكان ينقل الأخبار إلى الملك أولا بأول، ويتلقى أوامره وتعليماته المرسلة إلى مختلف المناطق والممثليات في الخارج لإرسالها بالمبرقات.

ومن أبرز الكتبة الذين عملوا في الديوان السلطاني في وقت مبكر، وكان لهم دور سياسي فاعل هو السيد هاشم الرفاعي المولود في الكويت عام 1885م، كان لبى دعوة من السلطان عبد العزيز لمقابلته في القطيف والالتحاق به كاتبا في ديوانه، وكانت المعرفة بينهما بدأت في الأساس من الكويت بين والديهما؛ الإمام عبد الرحمن وأحمد الرفاعي، ويتذكر هاشم زيارته رفقة والده لديوانية الإمام عبد الرحمن في الكويت، وقد درس الشاب هاشم مع الأمير اليافع عبد العزيز في كتاب واحد، ثم واصل دراسته في بغداد، وبعد نحو عقدين استقطبه عبد الله حمد النفيسي وكيل السلطان في الكويت، للعمل ضمن منظومة موظفي ديوان عبد العزيز، في أواخر عام 1921م، ولا يزال كثير من أسرته (الرفاعية) يعيشون في الكويت، وهم في الأصل من السادة الحسينية (الأشراف) المقيمين في العراق، ومن هنا جاء له شعبيّا لقب «السيّد»، أما والدته فإنها من أسرة العبد الرزاق الكويتية المعروفة ذات الأصول النجدية.

وكان الأديب والمؤرخ اللبناني أمين الريحاني (المتوفى عام 1940م)، الذي أشار مرات إلى الرفاعي في كتابه «ملوك العرب» قد التقاه في البصرة عام 1922م، ووجه الرفاعي للريحاني أول دعوة من السلطان عبد العزيز لزيارته، وقد وصف الريحاني الرفاعي بأنه «أديب الأدباء» وكان الرفاعي على ما يبدو، في زيارة لعبد اللطيف باشا المنديل (ممثل الملك عبد العزيز في البصرة) في أمر يتعلق بالتشاور في اتفاقية للزيت مع الإنجليز.

ويستفاد من كتاب صدر مؤخرا عن سيرة السيد حمزة غوث ومن مصادر أخرى، أن السلطان عبد العزيز قد أوفد غوث عام 1923م رئيسا للوفد النجدي لاجتماعات المؤتمر العربي بالكويت، الذي دعا إليه الكولونيل نوكس المندوب السامي البريطاني في الخليج حكومات كل من الحجاز ونجد وشرق الأردن والعراق، لإرسال ممثلين عنها لحضور الاجتماع المذكور، وكان الوفد يضم في عضويته عبد الله الدملوجي وحافظ وهبة وعبد العزيز القصيبي، وتولى أعمال السكرتارية فيه هاشم الرفاعي، وأورد المؤرخ السعودي عبد الرحمن الرويشد نبذا عن مهمات قام بها الرفاعي مع السلطة البريطانية في البحرين، بتكليف من السلطان عبد العزيز، وقد بقي الرفاعي في نجد بين عامي 1921م و1925م، ثم عاد إلى الكويت ممضيا فيها بقية حياته حتى توفي عام 1950م، ودُفن في الزبير، وقد أصدر في الثلاثينات كتابا بعنوان «من ذكرياتي»، تضمن مقالات نشرها آنذاك في الصحافة العراقية، شمل بعضها ذكريات إقامته في الرياض وأصدرت دار «جداول» في مطلع عام 2012م طبعة جديدة منه.

وإذ لم يكن التعليم في نجد قد بدأ بعد، عندما بدأ الملك عبد العزيز مشواره لتوحيد البلاد، منطلقا من الكويت في مطلع القرن الماضي، فكان يستعين بوالده وبذوي الرأي من رجاله وإخوته وأبناء عمومته، وكان يستقطب بين حين وحين رجالا من عشيرته ممن تلقوا شيئا من التعليم في الهند وتركيا ومصر، ويستعين بهم في علاقاته الخارجية، ومن أولئك على سبيل المثال أحد أبناء عمومته الأمير أحمد بن ثنيان (وهو عم الأميرة عفت حرم الملك فيصل) وكان تربى في إسطنبول، وصار أول مستشار سياسي للملك، وأسهم في مناقشة أولى الاتفاقيات المبكرة مع بريطانيا.

في تلك الفترة، انضمت الأحساء مع نجد لتشكلا إمارة سعودية موحدة، في وضع جديد تطلب صلات أوسع مع بريطانيا وتركيا، وكان الطبيب العراقي عبد الله سعيد الدملوجي، يعمل مع الجيش التركي في الأحساء، فانضم إلى الملك عبد العزيز طبيبا في بادئ الأمر، ثم ما لبث أن صار أول مستشار سياسي من بلد عربي يلتحق بمعيته، وبقي الدكتور الدملوجي 12 عاما في السعودية، قام خلالها بأدوار سياسية كبيرة، من بينها مساندة الأمير فيصل في تنظيم الأمور في الحجاز في بداية الحكم السعودي، وتأسيس مديرية الشؤون الخارجية (نواة وزارة الخارجية) والتفاوض بشأن عقد كثير من الاتفاقيات السياسية، ثم عاد إلى موطنه الأساس (العراق)، وصار وزيرا لخارجيته، وزار المملكة العربية السعودية بهذه الصفة.

ومع انضمام مملكة الحجاز إلى الدولة السعودية عام 1925م التحق عدد أكبر من السياسيين من الشخصيات العربية، في مقدمتهم الصحافي والحقوقي السوري يوسف ياسين، ورجل التعليم المصري حافظ وهبة، والأديب الفلسطيني رشدي صالح ملحس، والمجاهد اللبناني فؤاد حمزة، والمهندس السوري خالد الحكيم، والزعيم الليبي بشير السعداوي، والزعيم العراقي رشيد عالي الكيلاني، والتاجر الليبي خالد القرقني، والطبيبان السوريان مدحت شيخ الأرض ورشاد فرعون، والقانوني العراقي موفق الألوسي وغيرهم، بالإضافة إلى شخصيات مثقفة سعودية، من أمثال أخي الملك عبد العزيز الأمير عبد الله بن عبد الرحمن وإبراهيم المعمر وحمزة غوث وخالد بن أحمد السديري، مما أوصل عدد المستشارين في كل الفترات إلى رقم الثلاثين أو قريب منه.

فيوسف ياسين مثلا (المتوفى سنة 1962م) ولد ونشأ في اللاذقية بسوريا، ومكث عامين في مدرسة محمد رشيد رضا (الدعوة والإرشاد) في القاهرة، ثم ارتحل إلى القدس يدرس ويكتب في بعض الصحف، ورأس تحرير جريدة «الصباح»، ثم عاد إلى دمشق فدخل كلية الحقوق، ثم اتجه إلى الرياض عام 1924م وحظي بثقة الملك عبد العزيز ورافقه في رحلته الأولى على الإبل وبعض السيارات إلى مكة المكرمة، ورأس تحرير جريدة «أم القرى» الرسمية، ثم عينه الملك رئيسا للشعبة السياسية وشهد وقعة السبلة، واستمر في عمله بعد وفاة الملك عبد العزيز مستشارا للملك سعود، إلى أن توفي في مدينة الدمام ودفن في الرياض.

وفؤاد حمزة (المتوفى سنة 1951م) لبناني وكاتب وباحث، وهو من أسرة درزية معروفة بلبنان، قال عنه السفير عبد الرحمن عبد العزيز الشبيلي: «إنه يزن رجالا في حنكته ورجاحته»، وقال عنه الأمير مساعد بن عبد الرحمن: «كان رجلا ذكيا وذا ثقافة واسعة، وقد استفاد الملك من ذكائه وثقافته، عمل في وزارة الخارجية سندا للأمير فيصل، ثم انتدب في أمور مهمة، وهو من القوميين العرب، وكان في كتبه موضوعيا». وُلد فؤاد حمزة وتعلم في لبنان، ومارس التعليم في بعض المدارس الحكومية بدمشق فالقدس، عُيّن مترجما خاصا للملك عام 1926م، ثم وكيلا لوزارة الخارجية مقيما في مكة المكرمة، ثم انتقل إلى باريس وزيرا مفوضا، وصار ضمن المستشارين السياسيين في الديوان الملكي وتوفي في بيروت، ومن كتبه «قلب جزيرة العرب» و«البلاد العربية السعودية» و«في بلاد عسير».

وأما حافظ وهبة (المتوفى سنة 1967م)، فهو مصري الأصل والمولد والمنشأ، تعلم بالأزهر ومدرسة القضاء الشرعي وعمل في صحافة الحزب الوطني بالقاهرة، وغادر إلى تركيا، ثم إلى الهند، ومنها توجه إلى الكويت (1915م)، وعمل مدرسا في المدرسة المباركية، وانغمس في النشاط السياسي، والتقى بالملك عبد العزيز عند زيارته للكويت عام 1916م، ثم حضر إلى الرياض عام 1923م ودخل الحجاز مع الملك عبد العزيز، الذي كلفه بأمور تنظيمية كثيرة، واشترك في بعض المفاوضات، ورافق الأمير سعود في رحلته إلى مصر عام 1926م، عُين وزيرا مفوضا بلندن ثم سفيرا فيها عام 1938م، وحضر اجتماعات تأسيس الأمم المتحدة مع الأمير فيصل عام 1946م، وأحيل إلى التقاعد سنة 1965م، وتوفي في روما، له من الكتب جزيرة العرب في القرن العشرين، و50 عاما في جزيرة العرب.

وأما رشدي ملحس (المتوفى سنة 1959م)، فولد في نابلس بفلسطين وتعلم بها وبإسطنبول وعمل في الصحافة بدمشق، ثم توجه إلى مكة المكرمة عام 1926م ليلتحق بخدمة الملك عبد العزيز، وحل محل يوسف ياسين في تحرير جريدة «أم القرى» بمكة المكرمة، ثم ناب عنه في الشعبة السياسية بالديوان الملكي في الرياض، وأوكلت إليه مهمة مقابلة الدبلوماسيين والزوار الأجانب، وقد حاز ثقة الملك ورافقه في كثير من رحلاته، وظل في عمله هذا مدة تقارب ثلاثين عاما، حتى وفاته في جدة.

كان رشدي ملحس أديبا وجغرافيا محققا، صنف كتبا منها سيرة الأمير محمد بن عبد الكريم الخطابي ومخطوط «معجم منازل الوحي» وكتاب عن المعادن، وكتاب عن جغرافية البلاد العربية السعودية، وله مخطوط «منازل المعلقات»، جمع فيه نحو 150 اسما، وحقق أماكنها المعروفة اليوم، وكتاب «مسافات الطرق في المملكة»، وحقق كتاب «تاريخ مكة المكرمة» للأزرقي، ونشر فصولا من مباحثه في المجلات السعودية، وكان أول من وضع تقويم أم القرى، صدر مؤخرا كتاب عن سيرته من تأليف الباحث السعودي قاسم الرويس.

خدمات استشارية للدولة امتدت خدمة بعض هؤلاء المستشارين إلى ما بعد عهد الملك عبد العزيز (مثل يوسف ياسين)، وتولى بعضهم وظائف إدارية في الداخل أو دبلوماسية في الخارج (مثل عبد الله الدملوجي ويوسف ياسين وموفق الألوسي وحافظ وهبة وفؤاد حمزة)، وكان بعضهم حضر إلى السعودية، في ظل ظروف سياسية معينة في بلده، ومنهم رشيد عالي الكيلاني، الذي كان التجأ إلى الرياض، إثر فشل ثورته المعروفة باسمه في العراق في الأربعينات الميلادية، وألّف البعض منهم عن تاريخ المملكة، مثل حافظ وهبة وفؤاد حمزة.

وهناك شخصيات أخرى قدمت خدمات استشارية للدولة السعودية، عقب توحيدها، ولم تدرج في هذا السياق، ومن بينهم الأديب اللبناني أمين الريحاني والمؤرخ البريطاني فيلبي والمستشرق النمساوي محمد أسد، فالسياق يركز على نماذج من الخبراء والسياسيين الذين ثبت أنهم اكتسبوا رسميا صفة المستشارين السياسيين في الديوان الملكي في عهد الملك عبد العزيز.

وكانت أعمال هؤلاء المستشارين مرتبطة بالشعبة السياسية، وهي - كما سلف - الذراع السياسية للملك عبد العزيز داخل ديوانه، وذلك في مقابل وزارة الخارجية في مكة المكرمة، وقد تأسستا معا في عام واحد (1930م)، ورأسها لأعوام طويلة يوسف ياسين ثم رشدي ملحس، وكان ممن عمل فيها عبد الله بن عبد العزيز التويجري وعبد الله بن عبد المحسن التويجري ومحمد بن عبد الرحمن الشبيلي وعبد الله بن إبراهيم المعمر وعبد العزيز بن عبد الله التركي وفخري شيخ الأرض وغيرهم.

تأسست مديرية الشؤون الخارجية في مكة المكرمة 1926م، واختير لها عبد الله الدملوجي، وتحولت في عام 1930م إلى وزارة، لتكون بذلك أول وزارة أنشئت في السعودية، وذلك قبل عامين من توحيدها، وكان الأمير فيصل أول من تولاها وزيرا، وقد عمل معه كل من يوسف ياسين وفؤاد حمزة وخير الدين الزركلي وجميل داود المسلمي وطاهر رضوان، وعدد من السياسيين المحليين والعرب. ومن الشخصيات التي تجدر الإشارة إلى دورها السياسي في تلك الفترة عبد العزيز محمد العتيقي (من الأسرة المعروفة في حرمة والمجمعة)، وكان ضمن ثلاثة مستشارين كلفهم الملك بمساندة الأمير فيصل عند تعيينه، وهو في الثامنة عشرة نائبا للملك في الحجاز، وقد أصبح العتيقي عضوا في المجلس الاستشاري الذي سبق تشكيل مجلس الشورى القديم، وعمل مساعدا ليوسف ياسين في مديرية المطبوعات عند تأسيسها سنة 1926م.

مبعوثون وقناصل ومفوضون وكان الأمير الفيصل من أبرز مبعوثي الملك عبد العزيز في تلك الفترة، فقد أوفده الملك عام 1919م وهو في سن مبكرة جدا (13 عاما) لتلبية دعوة من ملك بريطانيا، احتفاء بانتهاء الحرب العالمية الأولى، ثم توالت رحلاته إلى أوروبا قبل تعيينه وزيرا للخارجية وبعده، لكن المصادر تشير إلى اتصالات أقدم مع الأتراك في إسطنبول، ومع الأشراف في مكة المكرمة، ومع ابن رشيد في حائل قام بها مبعوثه صالح باشا العذل بين عامي 1907م و1915م، ثم تذكر المراجع أسماء شخصيات مثل صالح بن عبد الواحد وعبد الله بن خثلان وحمد الشويعر وفهد بن زعير وحمد العبدلي وحمد السليمان الحمدان وخالد القرقني مع الأدارسة في عسير، ومساعد بن سويلم مع الأشراف في الحجاز، وعبد الوهاب أبو ملحة وسعيد بن مشيط وتركي بن ماضي وخالد القرقني مع الإمام يحيى حميد الدين باليمن، وكان جملة من المستشارين، وبالأخص حافظ وهبة وخالد الحكيم والقرقني وعبد الله الدملوجي، قد أوفدهم الملك ممثلين له في مهمات سياسية إلى زعماء دول مجاورة أو صديقة أو للمشاركة في مباحثات حدودية أو نحوها.

ومما قد يدخل في عداد المبعوثين مجموعة من السعوديين والعرب الذين أقاموا أو تنقلوا في بلدان إسلامية أو أجنبية في العشرينات والثلاثينات الميلادية من القرن الماضي، بهدف طمأنة شعوب تلك الدول وزعمائها على الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في بلاد الحرمين الشريفين، فكان ممن استقر في العراق الصحافي سليمان الدخيل، وفي بلاد الملايو المؤرخ والصحافي الكويتي عبد العزيز الرشيد، والشاعر الكويتي محمود شوقي الأيوبي، والإعلامي العراقي يونس بحري، والداعية السوداني أحمد السوركتي وغيرهم، وذهب إلى القارة الهندية عبد الحميد الخطيب، وإلى مصر ثم أوروبا إبراهيم المعمر، أما المؤرخ والأديب اللبناني أمين الريحاني، فقد جال بلاد أوروبا وأميركا الشمالية بتكليف من الملك عبد العزيز.

أما عن المعتمدين - وهو لفظ يطلق على شخصيات سعودية مقيمة في بعض البلدان كان الملك يثق بها ويختارها لأداء المهام الاقتصادية أو التفاوضية أو الاجتماعية التي يحتاج إليها في جهاتهم، وذلك قبل تأسيس السفارات والمفوضيات السعودية في الخارج، وهي تتفاوت بحسب الحاجة وعمق العلاقة مع تلك الشخصيات - فإن كتب التاريخ تتفق على أن من أبرز وكلائه عبد اللطيف باشا المنديل في العراق، وعبد العزيز القصيبي وإخوانه في البحرين، وعبد الله النفيسي في الكويت، ورشيد بن ليلى في الشام، وفوزان السابق في مصر، وعبد الله الفوزان وعبد الله الفضل في القارة الهندية.

وكان هؤلاء المعتمدون في ميزان متقارب بالنسبة لأهميتهم، ولثقة الملك عبد العزيز بهم، ولهذا تصعب المفاضلة بينهم، لكننا لو أخذنا عبد اللطيف باشا المنديل نموذجا لبقيتهم، فأسرته «البدرانية» النجدية نزحت من بلدة جلاجل إلى البصرة، وأسهمت في الحياة السياسية فيها، حتى لا يكاد أي كتاب عن الحياة الاجتماعية في جنوب العراق في تلك الحقبة يخلو من ذكر شخصيته، وقد ربطته علاقة وثيقة بالملك عبد العزيز، وتوفي عام 1940م ودُفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير، وقد كتب عنه المؤرخ الكويتي يعقوب يوسف الإبراهيم، والباحث السعودي محمد القشعمي.

ولقد وردت إشارات متناثرة إلى وكلاء أكثر، اعتمدهم الملك عبد العزيز في أقاليم عدة، مثل المعشوق في الأحساء، وابن زعير في عسير، قبل دخولهما في الحكم السعودي، والشبل والذكير في العراق والرواف في الشام وغيرهم.

أما بالنسبة للسفراء، ومن في حكمهم، كالقناصل والمفوضين، الذين أوفدوا إلى الخارج لافتتاح الممثليات، فقد رصدت أسماءهم تلك الكتب التي تناولت العلاقات السعودية الخارجية، خاصة بعد إنشاء وزارة الخارجية عام 1930م بدءا بالمفوضية السعودية في لندن (1930م)، التي تولاها حافظ وهبة وزيرا مفوضا في البداية، ثم صار عام 1948م سفيرا طيلة بقية عهد الملك عبد العزيز.

أما المفوضية الثانية، فكانت في القاهرة، واختير لها فوزان السابق عام 1926م في شكل وكالة معتمدية، ثم رفعت بعد 10 سنوات إلى مفوضية في عهد السفير عبد الله الفضل 1932م.

أما الثالثة، فقد تأسست في بغداد سنة 1932م، وكان على رأسها لفترتين قصيرتين كل من عبد الله الخيال ثم محمد المطلق، ثم جاء إبراهيم المعمر، ومن بعده محمد عيد الرواف وحمزة غوث لفترات أطول.

وتوالى بين عامي 1932م و1949م، خاصة بعد خمود الحرب العالمية الثانية، إنشاء 11 مفوضية تحول بعضها إلى سفارات، وذلك على النحو الآتي:

في الأردن: قنصلية عمان تحولت إلى مفوضية (عبد العزيز الكحيمي وأخوه أحمد الكحيمي)، وفي سوريا: قنصلية في دمشق تحولت إلى مفوضية ثم إلى سفارة (رشيد الناصر أبو ليلى وعبد العزيز بن زيد) وفي أفغانستان: مفوضية في كابل (فؤاد الخطيب)، وفي إيران: مفوضية ثم سفارة (حمزة غوث)، وفي لبنان: مفوضية (عبد العزيز بن زيد)، وفي إندونيسيا: مفوضية (عبد الرؤوف صبان ثم فخري شيخ الأرض)، وفي باكستان: مفوضية (عبد الحميد الخطيب)، وفي فرنسا: مفوضية (فؤاد حمزة ثم رشاد فرعون)، وفي الولايات المتحدة الأميركية: مفوضية (أسعد الفقيه ثم عبد الله الخيال)، وفي تركيا: مفوضية (توفيق حمزة) وفي إيطاليا: مفوضية (موفق الألوسي).

كما أنشئت خلال عهد الملك عبد العزيز خمس قنصليات مستقلة في المدن الرئيسة الآتية؛ في البصرة (فخري شيخ الأرض ثم محمد الحمد الشبيلي)، وفي الإسكندرية (طلعت ناظر)، وفي القدس (يوسف الفوزان ثم محمد المنصوري ثم أحمد الكحيمي)، وفي مومباي (يوسف الفوزان) وفي نيويورك (إبراهيم بكر).

وأنشئت مندوبية في الجامعة العربية، كان ممن عمل فيها في زمن الملك عبد العزيز الشاعر والمؤرخ السوري خير الدين الزركلي، وكان ممن مثل المملكة في الأمم المتحدة بعد توقيع ميثاقها عام 1945 م عبد الله الخيال.

وبعد؛ فإن تاريخ الملك المؤسس حلقات متصلة من دروس السياسة والدبلوماسية، ولا يعدو ما تطرقت إليه سوى ومضات من هذا التاريخ المضيء، مع الاعتذار عن القصور والتقصير في عدم الإحاطة بهذه السير، التي لم تلامسها بعد بعمق أقلام الباحثين، وما النفس إلا لوامة للوقت الذي حال دون تقديم المزيد عن أولئك النخب التي اختارها العاهل السعودي للإسهام في بناء الدولة، بعد أن توحدت واستقرت أركانها وأفاء عليها بالأمن والأمان.

* إعلامي وباحث سعودي.. والكلمة ألقيت في محافظة المجمعة (الأحد 29 سبتمبر 2013) بمناسبة اليوم الوطني السعودي