ندوة أميركية تطرح أساليب جديدة لكيفية التعامل مع الإسلام في المجتمع الأميركي

TT

مع تصاعد موجة العداء للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط من خلال ما سجلته ورصدته استطلاعات الرأي في تسع دول عربية واسلامية والتي اجرتها مؤسسة جالوب، اظهرت استطلاعات أخرى اجريت للرأي العام الاميركي تدني مستويات ثقة المواطن الاميركي العادي في المسلمين وتزايد الاعتقاد الشائع بأن الاسلام يدعو اتباعه الى العنف، ولذلك قام مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن بتنظيم ندوة لتدريب المثقفين العرب والمسلمين الاميركيين على انجع السبل للدفاع عن الاسلام والمسلمين في مواجهة تلك الصور النمطية السلبية التي ازدادت تعمقا بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي، التي وقعت في نيويورك وواشنطن.

وادارت الندوة لبنى اسماعيل، رئيسة مؤسسة الوصل بين الثقافات والحضارات، وهي مؤسسة خاصة تدعو الى تعميق التفاهم والتواصل بين الاسلام والغرب، فقالت انه بينما كانت السمة المميزة لتصرفات بعض الاميركيين عقب احداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة هي ارتفاع عدد جرائم الكراهية والاعتداءات البدنية على المسلمين في الولايات المتحدة، فإن ما يحدث الآن وبعد مرور ستة اشهر على تلك الاحداث هو ارتفاع رهيب في مستويات التمييز الخفي ضد المسلمين في مجال الحصول على فرص العمل. وقالت لبنى ان محامي اللجنة الاميركية لتحقيق تكافؤ الفرص في العمل أكد لها ارتفاع نسبة التمييز ضد المسلمين في اميركا في هذا المجال بنسبة ثلاثمائة في المائة، وكذلك في عدد حالات التحرش بالمسلمين ومضايقتهم في مجال العمل، لذلك اكدت لبنى اهمية مشاركة ابناء الجالية العربية والاسلامية في جهود توعية الاميركيين كشعب بحقيقة الدين الاسلامي، والدفاع عنه ضد محاولات المغرضين الصاق صفة الارهاب بالدين الاسلامي وبأتباعه وتعمّد الاساءة اليهم في المجتمع الاميركي.

وكان اول المتحدثين في ندوة مركز الحوار العربي الدكتور لؤي صافي، مدير الابحاث في المعهد العالمي للفكر الاسلامي في فيرجينيا فقال انه في غمار محاولات المواطن المسلم في اميركا تعريف اخوانه من غير المسلمين بالاسلام ينبغي ألا يتورط احد في الاعتذار عما اتخذه بعض المسلمين من مواقف لمجرد انهم ينتمون الى العقيدة نفسها، وعلى المسلم الاميركي ان يوضح لهم ان مبادئ الاسلام واركانه واحدة ولكن اساليب التطبيق تختلف في الجوانب والتفسيرات، ومن ثم يجب ألا يحكم الاميركيون على الاسلام بممارسات البعض وانما بما دعا اليه القرآن الكريم من انه «لا إكراه في الدين». وان المسلمين لا يسعون الى فرض عقيدتهم او مُثلهم وقيمهم على الآخرين. وردا على ما لجأ اليه اليمين المسيحي المحافظ في الولايات المتحدة من تعمد الاساءة الى الاسلام باللجوء الى نصوص قرآنية معينة في محاولة دمغ الاسلام بالدعوة الى العنف مثل حض المسلمين على قتال المشركين والكفار، نصح الدكتور صافي الحاضرين باستخدام رد منطقي مفاده انه من السهل على اي شخص اقتطاع نصوص من أي رسالة سماوية بعيدا عن السياق الذي وردت فيه للاساءة الى تلك الاديان، وضرب مثالا على ذلك بأن السيد المسيح عليه السلام له مقولة تعني «انا لم أجئ لارساء السلام ولكنني جئت بالسيف»، لكن اذا رجع المرء الى بداية ما قاله فسيجد انه بدأها بقوله «طوبى لصانعي السلام» ومن هنا فإن استخدامه لكلمة السيف جاء في سياق استهدف التحذير من انه سيجيء بالسيف لمحاربة الاعمال الوحشية، وبتطبيق المنطق نفسه، يجب ان ينبه المسلمون اخوانهم الاميركيين بأن آيات القرآن وسوره جاءت في سياق تاريخي معين، وكان هناك سبب لنزول السور وفقا لذلك السياق وان القرآن يجب ان يؤخذ ككتاب فصلت آياته في ذلك السياق الذي يجب التعرف عليه بدلا من اقتطاع آيات من سياقها للخروج بمعنى مغرض على طريقة «ولا تقربوا الصلاة».

وتحدث بعد ذلك عبد الوهاب الكبسي، المدير التنفيذي للمعهد الاسلامي في واشنطن، فنبه الحاضرين الى نتائج استطلاع اجرته مؤسسة غالوب على عينة من الاميركيين البالغين اظهر ان معظم الاميركيين يعتقدون أن المسلمين لا يحترمون القيم الغربية وان ثلث من استطلعت آراؤهم يعتقدون أن الاسلام يحض على العنف، بينما اعربت نسبة بلغت %71 من الاميركيين عن اعتقادهم بأن العالم الاسلامي يؤمن بأن الولايات المتحدة تخوض حربا ضد الاسلام، واظهر الاستطلاع ان نسبة تصل الى %56 من الاميركيين اما لا يعرفون شيئا عن الاسلام واما يعرفون القليل جدا عنه كديانة. وخرج الكبسي بنتيجة مفادها ان من واجب كل مسلم في اميركا المساهمة في تعريف الآخرين بالاسلام حتى باستخدام الآيات التي يستخدمها اليمين المسيحي الاميركي في الاساءة الى الاسلام. وقال الكبسي ان من تلك الآيات مثلا: «واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم» وبعد ان يشرح المسلم السياق الذي وردت فيه تلك الآية في سورة البقرة يجب ان يقرأ لاخيه الاميركي غير المسلم الآية السابقة لها: «ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين» وان يقرأ ويشرح الآية التالية لها وتقول: «فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم»، ويمكن كذلك للمسلم الاميركي ان يشرح خطأ اقتطاع الآيات من السياق القرآني بمثل من التاريخ الاميركي، فهناك مقولة عن الجنرال جورج واشنطن في حرب الاستقلال الاميركية قال فيها: «ابحثوا عن البريطانيين واقتلوهم» واذا اخذنا بهذه المقولة في عالم اليوم وبعيدا عن السياق الذي وردت فيه فإنها ستعني ان يقتفي الاميركيون اثر كل بريطاني ويقتلوه وهو شيء غير منطقي ويثير الضحك. كذلك فإن العهد القديم مليء بنصوص يمكن اساءة فهمها اذا اقتطعت من سياقها ليصبح الدين اليهودي دينا يدعو الى عنف شديد خاصة النصوص المتعلقة بيسوع وسيدنا موسى.

وكان المتحدث الاخير في ندوة مركز الحوار العربي مسؤولا اميركيا سابقا في وزارة الخارجية اعتنق الاسلام بعد تجربة دراسة الماجستير في الاديان المقارنة بجامعة هارفارد وتزوج اميركية مسلمة من اصل مصري وهو ألكسندر كرونيمر المسؤول السابق عن مكتب الشرق الاوسط لشؤون الديمقراطية وحقوق الانسان في وزارة الخارجية الاميركية ومنتج فيلم وثائقي عن حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ستبثه قريبا شبكة التلفزيون العامة PBS. وقال كرونيمر ان افضل وسيلة لاظهار حقيقة الدين الاسلامي بسماحته وقيمه ومبادئه هي استخدام سبعة نصوص قرآنية مترجمة باللغة الانجليزية يطرحها على الجمهور الاميركي ويطلب منهم تحديد اي منها يعتقدون انها نصوص من الانجيل واي منها من القرآن. وبعد ان تختلف الاجابات وتشير الى ان معظم هذه النصوص مقتبسة حسب اعتقاد الجمهور الاميركي اما من الانجيل واما من التوراة يفاجئ كرونيمر الحاضرين او المشاركين بأنها كلها آيات من القرآن الكريم ويستدل من اجاباتهم على حقيقة لا يدركها معظم الاميركيين وهي ان القرآن يتحدث عن قصص الانبياء، وعلى رأسهم سيدنا موسى وسيدنا عيسى عليهما السلام وان المسلم يجب ان يؤمن بأن الله سبق أن ارسل الرسالات السماوية السابقة على الاسلام.

وقدم كرونيمر نصيحة غالية للحاضرين وهي تجنب الدخول في جدال حاد مع المتطرفين لأن الجدال مع الاحمق يسفر عنه نتيجة واحدة هي ان الحاضرين لا يستطيعون ان يميزوا بينه وبين من يسقط معه في هوة الجدل العقيم.

=