الشيخ صابونجي: إذا كان البديل في زراعة الأعضاء عضوا صناعيا أو مستخرجا من حيوان.. فنقله وزرعه جائزان بلا خلاف

TT

أوضح الشيخ الدكتور طه صابونجي مفتي طرابلس وشمال لبنان، ان الانسان هو المخلوق الذي خلقه الله، وسواه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له الملائكة الأبرار، وصوره فأحسن صورته، وجعله في أحسن تقويم، وزوده بأنبل القوى الادراكية والنفسية، وتولاه برعايته وهدايته، وأسكنه الارض بجمالاتها وخيراتها، وأعده لوراثة النعيم الاكبر في دار الخلود.

فحياة الانسان هي من اعظم آيات الله، وهي مصانة بالحماية والتكريم من الله، فكل ما يعود على الحياة الانسانية بالحفظ وبالنماء، يدخل في مضمون عبادة الله، وكل ما يمس الحياة الانسانية بالنقص والامتهان، يدخل في نطاق معصية الله.

وقال: هنا نأتي الى معالجة ما يصيب الانسان من عوامل الضعف التي تعرضه للعجز التام او للموت، بسبب تعطيل بعض اعضائه الاساس، فقد توصل العلم والطب الى امكان نقل عضو بديل اليه، للمحافظة على حياة الانسان وانقاذه من مرض قاتل او من خطر محتم، وهو أمر لم يكن ميسرا في ما مضى، فلم يشغل بال الفقهاء ولم يستخرجوا له الفتاوى الشرعية. وقد دخل الى حيز البحث الديني حديثا على مستوى جميع الاديان والثقافات والدراسات العلمية، وتنوعت الطروحات والاجتهادات حتى توصلت المجامع الفقهية الاسلامية الى تفريع الموضوع بما يمكن ايجازه بما يلي:

أولا: اذا كان البديل عضوا صناعيا او مستخرجا من حيوان فنقله وزرعه جائزان بلا خلاف.

ثانيا: اذا كان البديل مستخرجا من انسان حي، فهذا تقتضي لجوازه عدة امور، اولها: ان تكون الضرورة الدافعة للاستبدال قد بلغت درجة الاضطرار، بحيث يتوقف على عدم استعمال البديل موت المضطر او تعرضه لمرض مستفحل ودائم، يؤدي الى تعطيل اثر الحياة او فقدانها على المدى الطويل، كالاضطرار لزرع كلية مكان اخرى تالفة مع عجز الكلية السليمة عن القيام بمهمتها او غلبة الاحتمال بتعرضها لاحقا للفشل. وثانيها: ان يوافق المتبرع على نقل عضو منه موافقة يقينية حرة غير مشوبة باكراه او بتغرير او بنقص في التفكير والاختيار. وثالثها: الا يشكل نقل العضو من المتبرع خطرا على حياته، في اثناء استخراجه ومن بعد استئصاله، فلا يجوز بطبيعة الحال التبرع بعضو تتوقف عليه سلامة المتبرع واستمرار حياته، كالتبرع بالقلب او الدماغ او الكبد. واما ما تستمر الحياة بدونه فيخضع لتقدير الطب الموثوق علميا ودينيا. ورابعها: انه لا يجوز في اي حال بيع الاعضاء لان الانسان اكرم من ان يخضع جسمه للبيع والشراء.

ثالثا: اذا كان البديل مستخرجا من انسان ميت، وفي هذه الحالة لا بد من التحقيق من ثبوت الوفاة بالطرق اليقينية، وهنا تبرز حالتان: الاولى ان كان الميت قد وصى باجازة نقل اعضائه من بعد وفاته فليس في الامر اشكال. والثانية: الا يكون قد وصى بذلك فيعود الامر لورثته بالسماح او بالمنع، وليس ذلك لان جسم المتوفى يتحول الى جزء من ميراث التركة، فالانسان بذاته اكرم من ان يورث جسده، بل لان الورثة هم القيمون على حرمة ميتهم، بحيث يعود اليهم تقدير هذه الحرمة، ولهم الحق في اختيار الافضل والاكرم لميتهم، وما يعود عليه من اجر ومثوبة في موضوع التبرع، كما انهم المعنيون مباشرة بما يتركه التبرع من مشاعر لديهم ومن ندوب نفسية وقيم اجتماعية. رابعا: ويبقى السؤال حول حق السلطة العامة في اتخاذ الاجراءات والقرارات بجواز نقل اعضاء المتوفى، بدون اعتبار لموافقة الورثة او رفضهم، وهو امر يدور في نطاق البحث والاجتهاد، وان كان الاتجاه الغالب الى اعطاء السلطة العامة المؤمنة حق تقدير كل حالة، تبعا للمصالح المقررة شرعا في المحافظة على حق الحياة، وانفاذا لقاعدة الضرورات وتفضيلا لرعاية قيمة الحياة على مراعاة حرمة الاموات الذين انقضت حياتهم ولم يبق لاجسادهم الا ان تدفن في التراب وتخضع للتحلل والفناء.